يقول بطل العالم السابق في الملاكمة للوزن الثقيل، لينوكس لويس «كان الأمر مضحكاً؛ لأنني كنت أخرج مع ابني، لاندون، وكان الناس يرفعون قبضة أيديهم نحوي ويصرخون باسمي. وكان نجلي يصاب بالارتباك والذعر ويتساءل: لماذا يرفع هؤلاء الناس قبضة أيديهم وكأنهم يريدون أن يقاتلوك؟».
والآن، يبلغ لاندون لويس من العمر 16 عاماً، وبات يفهم هو وشقيقاته سبب قيام الغرباء بالتلويح بقبضة أيديهم وترديد اسم والدهم بكل حب واحترام. ومن المعروف أن نجل بطل العالم السابق للوزن الثقيل مهتم بالملاكمة ويأمل السير على درب أبيه. وأعرب لويس عن فخره وسعادته عندما وصف رد فعل أطفاله على فيلم وثائقي جديد عنه، قائلاً «لقد أحبوا هذا الفيلم، خاصة أنهم يرونني مع نيلسون مانديلا ومحمد علي، في الوقت الذي يروي فيه أحداث الفيلم الدكتور دري؛ وهو الأمر الذي يعني الكثير بالطبع».
وكان دكتور دري، فنان الراب العظيم، في ذروة عطائه الفني خلال التسعينات من القرن الماضي، عندما كان لويس أيضاً في أفضل مستوياته. وكان آخر نزالين – وانتصارين أيضاً – للويس أمام الأميركي الشهير مايك تايسون في يونيو (حزيران) 2002، وبعد عام واحد أمام الأوكراني فيتالي كليتشكو – وهو الأمر الذي يُظهر كيف عاصر لويس عصوراً مختلفة من الملاكمة في الوزن الثقيل.
وبعد أن صنع لويس اسمه في عالم الملاكمة من خلال الفوز على منافسه الأميركي اللدود ريديك بووي في نهائي الوزن الثقيل لدورة الألعاب الأولمبية عام 1988 والفوز بالميدالية الذهبية لكندا، عاد لويس إلى بريطانيا، مسقط رأسه، ليبدأ مسيرته على المستوى الاحترافي.
ودائماً ما كان لويس رجلاً ذكياً ويمتلك شخصية فريدة من نوعها؛ لذلك بينما كان تتم مطاردته من قِبل الأميركي مدير الأعمال الأميركي دون كينغ، وبوب أروم، وكل منظمي المباريات المشهورين في العالم، تعاقد مع فرانك مالوني، ذلك الرجل المغمور آنذاك من لندن. يذكر أن فرانك، وهو أب في منتصف العمر لثلاثة أطفال، أجرى عملية لتغيير الجنس وأصبح كيلي مالوني في عام 2015.
ويظهر مالوني في الفيلم الوثائقي، الذي يشهد أيضاً ظهور والدة لويس وزوجته، إلى جانب فريق عمله المقرب. ومن المؤكد أن اللقطات المتعلقة بالنزال بين لويس وتايسون كانت مثيرة للغاية. وكانت المشاهد الختامية، التي أشاد فيها تايسون ببلاغة الرجل الذي هزمه، تتناقض مع لقطات أرشيفية أخرى مثيرة للإعجاب يسخر فيها تايسون من لويس ويقول فيها «لينوكس لويس، أنا قادم من أجلك. أنا البطل الأكثر وحشية وشراسة على الإطلاق. أنا الأفضل على الإطلاق، وألعب بطريقة عنيفة، وأدافع بشكل منيع، وألعب بشكل شرس. أريد قلبك، وأرغب في أن آكل أطفاله».
ويضحك لويس ويقول «عندما قال إنه قادم من أجلي، قلت (إنه قادم من أجلي؟ إنه مجنون. ألا يدرك أنني قادم من أجله أيضاً؟) وعندما قال إنه سيأكل أطفالي، قالت أمي (ما الذي يتحدث عنه؟ ليس لديك أطفال!) أنا لست بارعاً في استخدام مثل هذه الكلمات المبتذلة التي تستخدم في السجون!».
لكن هل شعر لويس يوماً بالخوف من تايسون؟ يقول الملاكم البريطاني «نعم ولا في الوقت نفسه. نعم؛ لأن التلفزيون والإعلام جعله يبدو مثل كينغ كونغ. لكن، لا؛ لأن ماني (مدرب لويس الأسطوري، إيمانويل ستيوارد) كان يخبرني دائماً بأن تايسون سيكون أسهل ملاكم أنازله. وحتى عندما كنت أقول لماني إن مواجهة تايسون ستكون صعبة بعض الشيء، كان يقول لي: لا، سيكون هذا أسهل نزال تخوضه».
وكان لويس أطول وأضخم بكثير من تايسون، كما كان يمكنه الاعتماد على تفوقه الخططي وحالته المزاجية الثابتة، وهو الأمر الذي رجح كفته ليخرج فائزاً في الجولة الثامنة ويحطم أسطورة «مايك تايسون الحديدي» إلى الأبد. لكن هل كان الأمر سهلاً بالدرجة التي كان يؤكد عليها ماني؟ يقول لويس ضاحكاً «لا».
في عمر الـ36 كان موعد لينوكس لويس مع التحدي المنتظر والمؤجل لسنوات ضد مايك تايسون وبالتحديد في 8 يونيو 2002 في ممفيس. وبعد أخذ ورد ونقلها من مكان إلى آخر ورفض السلطات المحلية منح تايسون رخصة الصعود إلى الحلبة؛ لأنه كان ما زال موقوفاً إثر اتهامه في جريمة ضرب واغتصاب خطيبته السابقة نجحت المساعي وأقيم النزال الذي أثبت خلاله لويس جدارته بالضربة القاضية في الجولة الثامنة. كما استطاع لويس في هذه المباراة محو كبوتيه الوحيدتين خلال مسيرته ونيل احترام عالم رياضة الفن النبيل، خاصة في
الولايات المتحدة التي كان يصعب عليها تقبّل فكرة ذهاب لقب الوزن الثقيل إلى ملاكم من غير الجنسية الأميركية.
وأقر بطل العالم السابق الشهير محمد علي كلاي أمام الجمهور الكندي بأن لقب أفضل ملاكم في كل الأوقات يستحقه لويس بالذات؛ لأنه بطل لأولمبياد 1988 في سيول وأيضاً جمع كل ألقاب الثقيل للمحترفين.
وعلى الحلبة أكد لويس بلا جدال أنه سيد اللعبة، وأمطر تايسون العاجز عن المقاومة بلكمات متتالية ورّمت عين منافسه الذي كان ينظر إليه على أنه مرعب الحلبة.
لقد كان هناك اعتقاد خاطئ بأن لويس – نظراً لأنه يلعب الشطرنج ولا يجيد استخدام الكلمات الشرسة لترهيب خصومه – لن يكون بنفس قوة وشراسة نظرائه الأميركيين، تايسون وبووي، وإيفاندر هوليفيلد، على الحلبة. وعلاوة على ذلك، كان ماضياه البريطاني والكندي المعقدان مضللَين بعض الشيء؛ لأنهما يشيران إلى أنه لم يصمد أمام الشدائد التي تحملها الملاكمون الأميركيون في الوزن الثقيل. لكن لويس فقد والدته لمدة خمس سنوات في مرحلة حاسمة من حياته وهو صغير، ولم يعرف والده إلا بشكل عابر.
ويضم الفيلم الوثائقي لقطات رائعة عن سنوات لويس الأولى في شرق لندن، عندما كانت والدته تضطر إلى تركه من أجل كسب لقمة العيش في كندا، ليعيش حياة صعبة، قبل أن تتمكن والدته أخيراً من إحضاره إلى كندا، ليبدأ ممارسة الملاكمة تحت إشراف مدربه الأول، أرني بوهم، الذي ما زال لويس يتحدث عنه باحترام شديد.
يقول لويس «أرني هو أول من اكتشف موهبتي، كما رأى أنني طفل صغير يمكن مساعدته خارج الحلبة، فقد كان يهتم بالأطفال، كان أحد هؤلاء الأشخاص الذين يمكن أن ترى لديهم 15 طفلاً في سيارته، وكنا نسافر لمدة ثلاث ساعات للمشاركة في البطولات».
كما اصطحب بوهم لويس إلى منطقة كاتسكيلز بولاية نيويورك حتى يتمكن من منافسة تايسون، الذي كان يصغره بعام، وكان عمره آنذاك 15 عاماً. لكن هل كان بوهم يعرف كوس داماتو، مدرب تايسون الشهير؟ يقول لويس «لا، لقد التقيا للمرة الأولى آنذاك، وتعايشا معاً بشكل رائع. كان لديهما الشغف والحب كلاهما للملاكمة والعناية بنا كأطفال. لقد كانت زيارة مهمة للغاية لأنني كنت أريد أن أتعلم كل شيء وأن أكون ملاكماً محترفاً».
وعندما سئل لويس عما إذا كانت علاقته بتايسون جيدة عندما كانا مراهقين، رد قائلاً «لقد كنت معجباً به، وقد تعرفنا على بعضنا بعضاً بشكل جيد. لقد تحدثنا معاً، ونزلنا إلى المدينة، وذهبنا للرقص معاً. لقد كان عملاقاً، لأنه أثناء التدريب في كاتسكيلز كان بإمكانك أن تشاهده وهو يطيح بالناس بسهولة. كنت أؤمن بأنه سيكون ملاكماً عظيماً. وعندما حان الوقت علمت أننا سنتواجه داخل الحلبة. وكنت أريد أن أعرف ما إذا كان ما قاله كوس داماتو سيتحقق أم لا».
وكان داماتو قد توقع أن يصبح تايسون ولويس بطلين للعالم، وأنهما سيواجهان بعضهما بعضاً. يقول لويس «لقد شعرت بذلك أيضاً».
وخلال هذا العام، عاد تايسون إلى حلبة الملاكمة مرة أخرى عندما خاض نزالاً استعراضياً أمام مواطنه روي جونز، بينما كان لويس يحلل النزال على شاشات التلفزيون. وعندما تحدثت مع لويس لأول مرة قبل هذا اللقاء، عبّر عن سعادته لرؤية البطلين الكبيرين وهما يرتديان قفازات الملاكمة مرة أخرى وهما في الخمسينات من العمر. وعندما أثنيت عليه لرفضه جميع إغراءات العودة للملاكمة مرة أخرى، قال مازحاً «أنا سأواجه الفائز منهما».
وشارك في التعليق على النزال بين تايسون وجونز مغني الراب والإعلامي الشهير سنوب دوغ، الصديق القديم للدكتور دري، الذي قال «هذه البذاءة تشبه شجاراً بين اثنين من أعمامي في حفل شواء».
وعندما تحدثت مرة أخرى مع تايسون بعد اللقاء ضحكنا طويلاً وبشدة، وقال لويس «أعتقد أن صديقي سنوب قد لخص الأمر بشكل أفضل. لكن ما لفت انتباهي هو أن ابني كان سعيداً حقاً لأن هذا النزال قد أعاده إلى العصر الذي كنت ألعب فيه الملاكمة. لقد أتيحت له فرصة رؤية رجل كنت أنازله؛ لذلك فأنا سعيد من أجله. وبغض النظر عن الأداء، فقد رأينا بطلين أعادانا إلى الماضي مرة أخرى».
وقد ازدادت شهرة لويس بمرور الوقت. فعندما كان بطلاً للعالم، كان العديد من المشجعين البريطانيين يفضلون فرانك برونو عليه. وفي الوقت نفسه، كان الكنديون يشعرون بأن لويس قد خذلهم وابتعد عنهم، بينما لم تعطِ الولايات المتحدة التقدير اللازم لملاكم بهذه الكاريزما. ومع ذلك، فإن لويس هو واحد من ثلاثة أبطال للعالم للوزن الثقيل، جنباً إلى جنب مع روكي مارشيانو وجين توني، الذين هزموا جميع المنافسين الذين واجهوهم داخل الحلبة. وقد اعتزل توني ومارسيانو ولويس وهما في قمة عطائهم كأبطال للعالم في الوزن الثقيل.
وفاز لويس في 41 نزالاً من أصل 44 مباراة خاضها خلال مسيرته. وكان النزال الوحيد الذي تعادل فيه، أمام هوليفيلد في مارس (آذار) 1999، وقد وصفه المراقبون بأنه مهزلة؛ نظراً لأن لويس كان يستحق الفوز. وفي مباراة الإعادة فاز لويس على هوليفيلد في لاس فيغاس في وقت لاحق من ذلك العام. ولم يخسر لويس سوى نزالين اثنين فقط، أمام أوليفر ماكول وهاشم رحمان في عام 2001، لكنه عاد لينتصر عليهما عندما واجههما مرة أخرى.
وبعد الهزيمة أمام ماكول، قام لويس بتعيين ستيوارد مدرباً رئيسياً له، وتحسن مستواه بشكل ملحوظ بعد ذلك. أما ألم الخسارة أمام رحمان، في النزال الذي أقيم في جنوب أفريقيا، فقد خففه الدعم الذي تلقاه لويس من نيلسون مانديلا، الذي كان يحب الملاكمة ويعشق الملاكم البريطاني. يقول لويس عن ذلك «بمجرد أن التقيت به قال لي: لا تقلق. لقد تفوق عليك بلكمة بها قدر كبير من الحظ. وكل ما يتعين عليك الإجهاز عليه وأن تواصل تسديد اللكمات، سوف تهزمه في المرة القادمة».
ويضيف لويس «قضيت اليوم كله أتحدث إليه في منطقة سويتو. وقد سمعت منه حكايات عندما اعتاد الظالمون على القدوم إلى منزله ومحاولة تسميم الحليب. لقد علمني الكثير عن التاريخ».
كما قضى لويس بعض الوقت أيضاً مع مثله الأعلى الآخر، وهو الملاكم الأسطوري محمد علي، وعن ذلك يقول «كان يوجّه لي بعض الأسئلة ويتحدث معي. بالنسبة لي، إنه لأمر استثنائي أن أكون معه وأتحدث إليه أثناء تناول الطعام. لقد قال لي ذات مرة (لقد كنت أنا الأعظم دائماً، لكنك الآن أنت الأعظم). لكنني قلت له (لا، ستظل أنت دائماً الأعظم... فابتسم على الفور)».
لكن هل فوجئ لويس قبل خمس سنوات عندما سمع أن فرانك مالوني سيخضع لعملية تحول جنسي ويصبح كيلي مالوني؟ يقول الملاكم عن مدربه «كنت مصدوماً بعض الشيء. في البداية لم أستطع فهم ذلك، عندما فكرت في عمره. لقد قلت لنفسي إن هذه خطوة كبيرة جداً، لكن هذه هي حياته ومن حقه أن يعيشها كما يشاء».
لقد حافظ لويس دائماً على خصوصيته والتمسك بمبادئه ووجود أشخاص جيدين من حوله، وبالتالي نجح في تجنب الحوادث المؤسفة ومشاكل الصحة العقلية التي أثرت على العديد من معاصريه، بما في ذلك برونو وتايسون وماكال. ولا يزال لويس مبتهجاً، ويؤكد على أن عصره كان أفضل من الفترة الحالية التي يسيطر عليها ملاكمون مثل تايسون فيوري وأنتوني جوشوا. ويقول لويس «أنا من عشاق ملاكمة الوزن الثقيل. في النزالات الأخيرة، أظهر تايسون فيوري الكثير من قدراته أمام ديونتاي وايلدر. لقد تأقلم مع ما حدث في النزال الأول (عندما انتهت المباراة بالتعادل بعد النهوض من لكمة قوية) وقال سأقاتل بشكل مختلف وبالفعل أنتصر عليه. ونجح في القيام بما قاله بالضبط، وهو الأمر الذي يعكس قوة شخصيته».
وبسؤاله عن توقعاته للفائز في النزال بين فيوري وجوشوا العام المقبل، رد لويس قائلاً «كلاهما لديه القدرة على الفوز، لكن حظوظ فيوري أفضل كثيراً».
وقد ولدت أصغر بنات لويس الثلاثة وهي مصابة بمرض «التثلث الصبغي 18»، وهي حالة نادرة وخطيرة تؤثر على النمو. ولم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، لكن البطل البريطاني تعامل مع الأمر بإيجابية كبيرة. وقال عن ابنته «إنها تقوم بعمل جيد». أما فيما يتعلق بممارسة نجله للملاكمة، فيقول «لقد كان يحضر جميع معسكرات تدريباتي في كندا وجامايكا، وبالتالي فمن الطبيعي أن يحب الملاكمة، لكنه يعشق أيضاً الموسيقى وكرة السلة وكرة القدم. وإذا كان بإمكانه أن يحقق نجاحاً كبيراً في أي مجال، فأعتقد أنه سيكون ملاكماً رائعاً. أشعر بالسعادة، لأنه قد ورث عني حبه لهذه الرياضة».
لكن هل يحن لويس، البالغ من العمر 55 عاماً، لتلك الأيام التي كان يلعب فيها الملاكمة؟ يقول البطل الذي كان يستحوذ على كل أحزمة الوزن الثقيل العالمية «لا، لكنني ما زلت أتذكر تلك الأيام جيداً. أنا أعلق كثيراً على نزالات الملاكمة، وعندما أسمع زئير الجماهير، أقول لنفسي إن هذه الهتافات كانت من أجلي يوماً ما، وأنا أتذكر ذلك جيداً، لكنني لم أعد في حاجة إلى ذلك الآن».
لينوكس لويس: عرفت تايسون منذ الصغر وكنت أدرك أننا سنتواجه على الحلبة وسأنتصر
بطل العالم السابق للوزن الثقيل يتحدث عن سنواته الأولى في شرق لندن ومقابلة نيلسون مانديلا ومحمد علي
لينوكس لويس: عرفت تايسون منذ الصغر وكنت أدرك أننا سنتواجه على الحلبة وسأنتصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة