في مدينة بها مكاتب مذهلة، ربما يكون مكتب كريستيان ماسيت، سفير فرنسا لدى إيطاليا، هو الأكثر فخامة من بينها. فهو يتواجد في وسط قصر فارنيزي، التحفة الفنية الراقية من عصر النهضة، مكان عمله يحتوي على مدافئ مجوفة وأعمدة رخامية، ولوحات جدارية من الحائط إلى الحائط، ونافذة مركزية، وشرفة من تعديل مايكل أنجلو، والتي تطل على نوافير مزدوجة مصنوعة من الأحواض القديمة. وفي بعض الليالي تظل أنوار المكتب مضاءة؛ مما يمنح أهل المدينة الذين يتنزهون عبر إحدى ساحاتها فيها لمحة عن تصميماتها الداخلية الفاخرة.
لذلك؛ لم يكن مطلباً صغيراً عندما اقترح الفنان الفرنسي جيه آر حجب نصف المنظر.
«أجل، لقد كانت مناقشة طويلة»، قال الفنان الذي يكاد يكون مجهولاً، مرتدياً قبعة مع نظارات داكنة ولحية مشذبة.
وتحدث الفنان أمام قصر فارنيزي للإعلان عن عمله بمناسبة قرب تدشينه. العمل عبارة عن لوحة جدارية بمساحة تزيد على 6.500 قدم مربعة بالأبيض والأسود تبدو وكأنها جرح عميق أو بثور طافحة على واجهة المبنى، أو بوصف أكثر دقة، على واجهة السقالات التي نُصبت لترميم القصر.
قال جيه آر: في بداية الأمر أبلغني مسؤولو السفارة أنهم لا يوافقون على تغطية أي من واجهة المكتب.
لكنه جادل بأن تغيير مسار اللوحة الجدارية حول النوافذ سوف يفسد الخداع البصري للصدع الذي كان أشبه بالأشعة السينية، ويكشف عن اللوحات الجدارية في مكتب السفير، والأقبية الأسطوانية وأعمدة الدوريك، وأيضاً بعض العناصر من ماضي القصر، بما في ذلك تمثال ضخم لهرقل كان يقف في الفناء، ولكنه الآن في متحف نابولي.
وربح جيه آر بتلك المناقشة، ومن ثم فقد السفير نصف المنظر المطل على الساحة.
قال السيد ماسيت وهو يهز كتفيه في امتعاض «ما زالت لدي نافذة».
ويعتبر مشروع جيه آر جزءاً من مشروع «العمل المفتوح»، وهو مشروع ترميم قصر فارنيزي الذي يمتد لأربع سنوات، لصيانة الواجهة والسطح بتكلفة تبلغ 5.6 مليون يورو (6.6 مليون دولار). وإلى جانب القصر هناك دير قديم، ومقهى يمكن القول بأنه من أكثر المقاهي المفتوحة التي يمكن مشاهدتها في روما. والقصر الفاخر الذي يرجع تاريخه إلى القرن السادس عشر سوف يكون بمثابة لوحة مفتوحة أثناء أعمال التجديد بواسطة الفنانين المعاصرين الذين يتناولون مراحله التاريخية في أعمالهم.
ولقد بدأ الأمر في مساء يوم 13 يوليو (تموز)، عندما علقت ثلاث بالونات ضخمة من الهليوم الأبيض، تلمع كالأقمار، بجسر كرتوني يبلغ طوله 60 قدماً في الهواء فوق نهر تيبر، محققة بخيالها مشروعاً غير مكتمل لمايكل أنجلو يربط بين قصر فارنيزي وحدائق فيلا فارنيسينا، وهي الضيعة الفاخرة الأخرى على الضفة المقابلة.
وقد أعقب هذا العمل، الذي قام به الفنان الفرنسي أوليفييه غروسيتيه، افتتاح جدارية جيه آر في الأسبوع الماضي.
بعض النقاد، الذين يجدون أن عمل جيه آر أكثر وضوحاً من كونه ملهماً ودقيقاً، يشعرون بالقلق من أن المبنى المهيب يرتدي واجهة قديمة للغاية، مع شق نصفي غير لائق في المنتصف يستحضر هيئات الحانات الرثة المجاورة بأكثر من ذكريات تاريخه الجميل.
غير أن الفنان الفرنسي يقول، إنه يضخ بعض الحياة في المبنى أثناء الصيانة المعمارية الدقيقة ويساعد، بروح من الأخوة، على الانطلاق في مشهد فني روماني يحتاج إلى القليل من شريان الحياة.
يقول السيد ماسيت «لقد قدمنا تحفيزاً كبيراً. لأنني أعتقد أن جسر فارنيزي وهذا المشروع هما أكبر مشروعين حتى الآن من هذا النوع في روما في هذه الفترة، وكان واقفاً بهدوء إلى الجانب بينما كان الصحافيون والمصورون يتحلقون في صخب حول جيه آر.
تعكس يد المساعدة الفرنسية الدافئة، وإن كانت ذات صفة راعية بعض الشيء، تكافلاً سياسياً جديداً بين فرنسا وإيطاليا في ظل الحكومة الإيطالية الموالية لأوروبا والتي ألفها ماريو دراجي مؤخراً، والذي أصبح الآن معلماً ورفيقاً سياسياً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وهذا بعيد كل البعد عما كان عليه الحال قبل بضعة أعوام فقط، عندما اعتادت الحكومة الإيطالية القومية الشعبوية على تقريع فرنسا ودفعها إلى البوح بعقيدتها المناهضة لأوروبا والمعادية للمؤسساتية.
ولكن في 14 يوليو، اليوم الوطني لفرنسا، وبعد ساعات من انطلاق مشروع جسر فارنيزي على نهر تيبر، حضر دي مايو، الذي أصبح الآن وزيراً للخارجية بنفوذ محدود، احتفالاً في قصر فارنيزي. والآن يؤيد سالفيني دراجي اسمياً، وكان أعضاء البرلمان من حزب الرابطة الذي ينتمي إليه من بين أولئك الذين تمت دعوتهم إلى إحدى السهرات بعد افتتاح أعمال الفنان جيه آر في 21 يوليو. وقد نشروا صوراً ذاتية شخصية مع الفنان على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومثل هذه السياقات المفعمة بالقوة هي بعيدة كل البعد عن أصول جيه آر. وقد برز في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من خلال لصق الصور القريبة والمبالغ فيها لسكان مشروع سكنى في إحدى ضواحي باريس المحرومة. وانتقل إلى إنتاج صور عامة ضخمة في المناطق الفقيرة أو المنكوبة بالصراعات في العالم، مثل الأحياء الفقيرة في البرازيل، والأحياء الفقيرة في كينيا وقطاع غزة. وقد افتتحت المغنية الأميركية أليشيا كيز معرضه المتحفي المنفرد في متحف بروكلين، وفي العام الماضي صمم جدارية «لا فيريتا» أو «الجرح»، الذي يبلغ طوله 91 قدماً، وهو تأثير مماثل على خط الصدع في بالازو ستروزي في فلورنسا، بإيطاليا.
لكنه قال الأسبوع الماضي، إن مجهوداً قليلاً قد أعدّه لمكتب السفير الرائع.
«عندما دخلت — كنت مفتوناً» قال. وأضاف، أن اللوحات الجدارية داخل القصر كانت «نوعاً من اللوحات الجدارية التي ألهمتني. ولهذا السبب أقوم بما أقوم به».
وقد استعد لهذا المشروع من خلال دراسة واجهة بالازو فارنيزي والتنزه حوله «إنكوجنتو»، أي من دون قبعته ونظارته الشمسية. لكنه انتهى الآن من الاختباء.
قال جيه آر، إن جمهور التاريخ الفني قد يعرف كل شيء عن بالازو فارنيزي، وسكانها البابويين، ومهندسي عصر النهضة واللوحات الجدارية المذهلة. غير أن أعماله، كما قال، تتكلم وتتمسك بالذين يمشون إلى جوارها.
وبينما كان يقف بعيداً عن جمع من الناس، اعترف السيد ماسيت بأنه «أجل، أشعر بالندم (قليلاً) إزاء الطريقة التي أعاقت بها جدارية جيه آر المنظر من النافذة. ولكن عندما ترى النتيجة، فإنني أشعر بسعادة بالغة».
- خدمة «نيويورك تايمز»