مساعٍ حوثية للسطو على أموال «المبادرات المجتمعية»

جانب من المساعدات الأممية الإغاثية في صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من المساعدات الأممية الإغاثية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مساعٍ حوثية للسطو على أموال «المبادرات المجتمعية»

جانب من المساعدات الأممية الإغاثية في صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من المساعدات الأممية الإغاثية في صنعاء (إ.ب.أ)

لجأت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، أخيراً، إلى ابتكار حيلة جديدة تمكّنها من سرقة ما تبقى من أموال اليمنيين بمناطق سيطرتها، وذلك عبر بوابة تشكيل كيانات مجتمعية محلية تقوم بالسطو على المساهمات المالية التي يقدمها الأهالي لإعادة إصلاح المشاريع التي طالتها في أوقات سابقة يد التدمير والفساد من قبل قادة الجماعة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مقربة من دائرة حكم الميليشيات في صنعاء عن توجيهات صدرت قبل أيام من زعيم الجماعة إلى أتباعه، حضّهم فيها على تشكيل كيانات مجتمعية تضم جميع الفئات في المديريات والمحافظات تحت سيطرتها، بهدف تقديم الدعم المادي، الذي ستخصصه الجماعة لصالح استمرار عملياتها العسكرية وإثراء قادتها ومشرفيها.
وأفادت المصادر، التي اشترطت عدم الكشف عن هويتها، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الميليشيات تسعى من خلال تأسيس تلك المبادرات بمدن سيطرتها إلى إزالة جميع الأعباء والواجبات المنوط بها تنفيذها كسلطة انقلابية، وإلقائها على عاتق الأهالي ليتحمّلوا مسؤولية إعادة إصلاح الكثير من تلك المشاريع.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الميليشيات جرائم السطو المنظمة بحق ما تبقى من ممتلكات وأموال اليمنيين ومقدرات دولتهم، حذّرت المصادر اليمنيين من مغبة الانخراط في أي مبادرات تشرف على تأسيسها وإدارتها الجماعة.
وأشارت المصادر إلى أن مصير تلك المبادرات سيكون الفشل. وقالت إن المطامع الحوثية من وراء تشكيل تلك الكيانات هي تكوين ثروة مالية من خلال الدعم الذي سيقدمه المشاركون فيها.
وبحسب ما قاله مصدر مطلع في صنعاء، فإن «ما سيتم جمعه من مبالغ ستذهب في الأخير إلى جيوب وأرصدة كبار قادة الجماعة، ولن تصرف لصالح تنفيذ أي إنجازات تنموية أو إعادة ترميم الطرق».
وتنفيذاً لتعليمات زعيم الانقلابيين الصادرة بهذا الخصوص، كشفت مصادر في العاصمة صنعاء وريفها عن قيام قادة الجماعة اليومين الماضيين بعقد اجتماعين منفصلين ضما شخصيات اجتماعية ومسؤولين محليين لمناقشة ما يسمى «مصفوفة موجهات تأسيس المبادرات وتفعيل آلية الانتساب إليها وصولاً إلى تقديم الدعم المادي الذي ستتحكم الجماعة بطرق وآلية صرفه».
وعلى صعيد حملات الاستهداف الحوثية بحق الكيانات المختلفة، تحدث أهالي بمناطق يمنية عدة عن سطو قيادات في الجماعة، قبل أشهر قليلة، على عشرات المشروعات المحلية، بينها رصف وشق طرقات وعبارات مياه وترميم مدارس وإعادة تجهيز مراكز صحية وخدمية، تم إنجازها من خلال جهود ومساهمات مجتمعية.
وأوضح سكان في قرى تابعة لمحافظات المحويت وإب وذمار وريف صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم لجأوا بعد صراع مرير مع الطرق المتهالكة وشبكات المياه المدمرة وغيرها من المشاريع التي أوشك بعضها على الانهيار نتيجة غياب سلطة الميليشيات المعنية بأعمال الصيانة والترميم وغيرها، إلى تشكيل مبادرات ومساهمات محلية تمكنت من إعادة البعض منها إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب.
وأشاروا إلى أنهم فوجئوا فيما بعد بزيارة مسؤولين حوثيين لمناطقهم برفقة كاميرات تلفزيونية لإجراء حفلات افتتاح لتلك المشاريع والإعلان عنها فيما بعد عبر وسائل إعلام الجماعة، بوصفها من إنجازات حكم الانقلاب.
وتواصلاً لمسلسل النهب الحوثي بحق أموال تم اعتمادها لإعادة ترميم مشروعات خدمية متهالكة، كشفت تقارير محلية عن تحويل مسؤولين حوثيين، قبل نحو أسبوع، لمبالغ مالية كبيرة كانت مقدمة من الصندوق الكويتي للتنمية من أجل إصلاح طرقات منهارة في محافظة ريمة الخاضعة تحت سيطرتها، إلى حسابات وأرصدة قادة في الجماعة.
وذكرت تلك التقارير أن ما أقدم عليه قادة الجماعة من نهب لهذه الأموال نتج عنه توقف مشاريع إصلاح عشرات الطرق في هذه المحافظة التي تتسم بوعورتها جراء تضاريسها الجبلية.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.