الحريري يقترح تعليق الحصانات عن الجميع في «تفجير المرفأ»

لم يستثنِ عون من مسؤولية الإهمال

تمثال تذكاري نصب أمس في مرفأ بيروت لضحايا الانفجار (إ.ب.أ)
تمثال تذكاري نصب أمس في مرفأ بيروت لضحايا الانفجار (إ.ب.أ)
TT

الحريري يقترح تعليق الحصانات عن الجميع في «تفجير المرفأ»

تمثال تذكاري نصب أمس في مرفأ بيروت لضحايا الانفجار (إ.ب.أ)
تمثال تذكاري نصب أمس في مرفأ بيروت لضحايا الانفجار (إ.ب.أ)

لم يستثنِ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الرئيس اللبناني ميشال عون من مسؤولية «الإهمال» في ملف انفجار مرفأ بيروت، معلناً أن كتلة «المستقبل» النيابية التي يترأسها، تقدمت باقتراح يقضي بـ«تعليق كل المواد القانونية التي توفر الحصانات لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والنواب ‏والوزراء وحتى المحامين» بما يتيح الادعاء عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت.
ويحيط الجدل الدستوري بملف الاستدعاءات القضائية التي ادعى بموجبها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار على أربعة وزراء سابقين، ثلاثة منهم أعضاء في البرلمان الحالي. وذهب بعض النواب إلى توقيع عريضة تقضي بمحاكمة الوزراء السابقين أمام «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء»، في حين طالب المحقق العدلي البرلمان برفع الحصانة النيابية عنهم بما يتيح له الاستماع إليهم، وهو ما دفع البرلمان إلى طلب مستندات إضافية لم يقدمها القاضي البيطار حتى الآن.
ووسط هذا الجدل الذي أحيطت به اتهامات سياسية لبعض الكتل بحماية المتهمين، قال الحريري خلال مؤتمر صحافي عقده في «بيت الوسط» أمس: «أنا ابن شهيد وأعلم ما معنى أولياء الدم وأن يخسر شخص أحد أقربائه، لذلك لا يزايد علينا أحد بموضوع 4 آب، هذه الجريمة التي أعادتنا إلى 14 فبراير (شباط) 2005 (تاريخ اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري)». وأكد أن «كتلة المستقبل كتلة رئيس شهيد ودفعت دماً على طريق الحقيقة، واليوم ‏نسأل أين الحقيقة في كل الاغتيالات التي حصلت».
وقال الحريري إن «من حق اللبنانيين أن يعرفوا من أتى بالنيترات ومن وراء الكارثة»، مشدداً على أن «كتلة المستقبل لم تضع نصوص الدستور التي ‏تحمي النواب والمسؤولين من خلال الحصانة، ففي لبنان دستور ينص على أن رئيس الجمهورية عليه حصانة ولا يحاكم وليس سعد الحريري من وضع الدستور».
وتحدد القوانين اللبنانية ثلاث مرجعيات قضائية يفترض أن تحاكم المدعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت، هي التحقيق العدلي الذي يعد إحدى أرفع الهيئات القضائية في لبنان ويتولى التحقيق في ملف المرفأ ويُحاكم أمامه الأمنيون والموظفون والمشتبه بهم الآخرون ومن ضمنهم النواب في حال رفعت الحصانة النيابية عنهم، وثانيهما المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لمحاكمة الوزراء الأربعة، وثالثهما هيئة قضائية مستقلة لمحاكمة القضاة المُدّعى عليهم.
وقبل أسبوع على مرور عام على انفجار المرفأ، قال الحريري: «الكلام عن أن كتلة المستقبل تخلت عن العريضة ‏ووقع نوابنا على عريضة نيابية لعدم محاكمة المتهمين هو قمة في الافتراء والكذب، ونحن اليوم ندحض كل هذه الافتراءات ونطالب بالمساواة أمام القضاء». ورداً على سؤال حول إدراج رئيس الجمهورية على لائحة رفع الحصانة، قال الحريري: «إذا كان هناك إهمال فالإهمال على الجميع».
وأكد الحريري أن «النصوص ليست وجهة نظر ولا الدستور والقوانين ‏وجهات نظر، فلتسقط الحصانات عن الجميع ومن تثبت إدانته يحاكم حتى لو كنت أنا». وأضاف «هناك محاولة لإظهار أن تيار المستقبل ضد رفع الحصانات وهذا افتراء».
وقال: «عندما طالب سعد الحريري، ورؤساء الحكومات السابقون، وكتلة المستقبل بتحقيق دولي بهدف إسقاط كل الحصانات، تعرضنا للمعارضة والتخوين».
وأعلن «أننا تقدمنا اليوم (أمس) باقتراح يسقط الحصانات عن الجميع، وشكلنا لجنة نيابية لزيارة الكتل وسنطلب منهم التوقيع على اقتراحنا لتعليق كل هذه البنود»، مطالباً القوى السياسية في ظل ظروف كهذه «اتخاذ قرارات استثنائية». واقترح الحريري «تعليق كل المواد القانونية التي تقدم الحصانات لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والنواب ‏والوزراء وحتى المحامين». وقال: «قررت اليوم أنا وكتلة المستقبل، أن نضع العالم كله أمام مسؤولياته وضميره وأخلاقه. ومن يريد الحقيقة من دون مزايدات «يتفضّل يمشي معنا باقتراحنا».
وكان المحقق العدلي استدعى الوزراء السابقين نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر (وهم نواب الآن) والوزير الأسبق يوسف فنيانوس، وذلك بتهمة التقصير الجنائي عندما كانوا وزراء في الحكومات.
واقترح المشنوق أمس بعد لقائه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في الاستشارات في البرلمان، «تعديل الدستور لرفع الحصانات في قضية انفجار مرفأ بيروت وفي كل القضايا المحالة على المجلس العدلي، من رئيس الجمهورية وحتى آخر موظف»، في موقف يلتقي فيه مع موقف الحريري. وذكر أنه في «مؤتمره الصحافي الأخير دعا إلى رفع الحصانات على قاعدة أن كل القضايا التي تحال إلى المجلس العدلي، وعادة تكون قضايا كبرى في لبنان، ترفع الحصانة عن الجميع، من رئاسة الجمهورية إلى آخر موظف»، وقال: «سأسعى مع الزملاء إلى تقديم اقتراح قانون لتعديل الدستور».



الحارس الحوثي القضائي يشعل خلافات مع أجنحة الجماعة

مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
TT

الحارس الحوثي القضائي يشعل خلافات مع أجنحة الجماعة

مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

فجّرت ممارسات الحارس القضائي الجديد الذي كلفه الحوثيون مصادرة أموال معارضيهم، خلافاً بين أجنحة الجماعة الانقلابية بعد أن امتدت هذه الممارسات إلى أحد وجهاء القبائل المتعاونين معهم.

الحوثيون أوكلوا بعد اجتياح صنعاء إلى تاجر السلاح صالح مسفر الشاعر المعين مسؤولاً للشؤون اللوجيستية بوزارة الدفاع في الحكومة غير المعترف بها، مهمة الاستيلاء على شركات وممتلكات المعارضين السياسيين والمسؤولين في الحكومة اليمنية وأعضاء مجلس النواب، بما فيها مساكنهم الشخصية، بتهمة الخيانة.

استمر الشاعر في هذا المنصب حتى عام 2021، حيث أحلّت الجماعة الانقلابية في مكانه شخصاً آخر اسمه صالح دبيش ومُنح من قِبل مجلس القضاء التابع لها درجة قضائية عليا، حيث وسّع الرجل نطاق المصادرة إلى عواصم المحافظات وذهب للتفتيش في أسهم الشركات أو المستشفيات وحتى البنايات لمصادرتها بحجة أنها ملك لمعارضين لسلطتهم.

واتهم القيادي الحوثي صادق أبو شوارب دبيش بإثارة الفتنة واستهداف ما أسماه النسيج الاجتماعي ووحدة الجبهة الداخلية وتماسكها؛ لأنه اتهم أحد الوجهاء القبليين في محافظة عمران ويدعى علي تميم بالخيانة مع مصادرة ممتلكاته.

صورة ضوئية لتوجيهات الحارس القضائي الحوثي بمصادرة أملاك عائلة يمنية

ودافع أبو شوارب عن المتهم وقال إنه وأسرته وأتباعه لهم مواقف معروفة لدى عامة الناس وخاصتهم. ورأى أبو شوارب، وهو قيادي حوثي أصبح أخيراً على هامش التأثير في صفوف الجماعة، أن ما قام به الحارس القضائي «محاولة بائسة لاستباحة أملاك وأموال عائلة تميم». وزاد على ذلك واتهم دبيش بإشعال نار الفتنة، ووصف ما قام به بأنه «منكر ومرفوض».

نقد علني

مع إعلان أبو شوارب الوقوف إلى جانب بيت تميم «حتى يرد اعتبارهم وأموالهم»، انضم قيادي وسطي آخر في صفوف الحوثيين يدعى سنان أبو أصبع إلى حملة النقد العلنية الموجهة للحارس القضائي.

وقال أبو أصبع إنه يحتفظ بتوجيهات ورسائل من المدعي العام العسكري للجماعة ويدعى أبو شهاب العياني موجهة إلى الحارس القضائي صالح دبيش تنص على منع اقتحام أي بيت توجد فيه أسرة. وأكد أن التوجيهات واضحة، بما فيها توجيهات من عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة.

ووجّه أبو أصبع نقداً حاداً للرجل وقال مخاطباً قادة جماعته كل يوم «نجد بلطجياً تابعاً لكم» يهدد الناس ويأمرهم بالخروج من المنازل وإلا سوف يتم اقتحامها بناءً على توجيهات قهرية منه.

مسلحو الجماعة الحوثية فرضوا سطوتهم على مناحي الحياة كافة في صنعاء (إ.ب.أ)

وقارن بين دبيش وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقال إن الأخير لم يأمر باقتحام منزل مليء بالأطفال والنساء مثلما يفعل دبيش، مشيراً إلى أنه يأخذ الرجال إلى السجن ويخرِج الأطفال والنساء إلى الشارع.

النقد الموجَّه للحارس القضائي الذي سلَّطه الحوثيون على ممتلكات المعارضين لم يقتصر على القيادات الوسطية وتلك التي أتت من خارج سلالة الحوثيين، لكنها امتدت إلى داخل الجماعة، حيث اتهم القيادي الحوثي المعروف عبد السلام الوجبة من سماهم «بلاطجة الحارس القضائي الجديد» ومدير عقوده المدعو أبو أمير الدين بالاعتداء على إحدى الأسواق المؤجرة في شارع جمال عبد الناصر التجاري في صنعاء لمستثمر يدفع كل ما تضمَّنه العقد الموقَّع معهم.

وأكد الوجيه أنه أحد شهود ذلك العقد، ووصف ما حدث بأنه يخالف كل الأعراف والقيم والمبادئ، وتساءل عما إذا كان هناك مجيب أو عاقل وراشد يرفع هذه المظلمة عن تجار المحال المؤجرة والذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث.

صلاحيات بلا سقف

تظهر واقعة اقتحام دار الأيتام في صنعاء وإغلاق مدرسة «روافد النهضة»، التي كان الأيتام يتلقون فيها التعليم مجاناً، حجم الصلاحيات التي مُنحت لهذا الحارس القضائي الحوثي، حيث افتتح مدرسة تحمل الاسم نفسه وبالتصريح ذاته، لكن الالتحاق بها برسوم دراسية مرتفعة بعد تحويلها مشروعاً استثمارياً.

وتقول مصادر مطلعة في صنعاء إن القيادي دبيش استأجر مبنى جديداً بمبلغ 2000 دولار شهرياً، وضم المدرسة إلى ما تسمى «مؤسسة الشهداء» التي يديرها القيادي الحوثي طه جران، وهي الجهة التي استولت على «مؤسسة اليتيم التنموية». وكان أول قرار لها هو إغلاق المدرسة المجانية واستخدام تصريحها وتجهيزاتها في افتتاح مدرسة استثمارية تتبع الجناح العسكري للجماعة الحوثية.

الحوثيون استولوا على شركتين للأدوية بحجة البحث عن أسهم المعارضين (إعلام محلي)

وكان الحارس القضائي الجديد للحوثيين قد استكمل ما بدأه سلفه، حيث توجّه نحو المشروعات الاستثمارية والبحث عن أسماء المساهمين فيها ومصادرتها كما حدث في عدد من المستشفيات الخاصة في محافظة إب الواقعة على بعد 193 كيلومتراً جنوب صنعاء؛ بحجة وجود معارضين للجماعة من بين المساهمين في تلك المستشفيات. وعيَّن إدارة لهذه المستشفيات وخصص لهم رواتب مبالَغ فيها وحوّل عائداتها لخدمة الجماعة.

كما تولى هذا الحارس الحوثي مهمة الاستيلاء على أكبر شركتين لإنتاج الأدوية في اليمن بحجة اكتشاف وجود مساهمين من المعارضين لم تسلّم إدارة الشركتين أرباحهم للجماعة إلى جانب المساهمين السابقين الذين تتم مصادرة أرباحهم التي بلغت في أحد الأعوام ربع مليون دولار.