موسكو تؤكد مواصلة دعم دمشق وتدعو إلى «رفع فوري للعقوبات»

نشر تفاصيل عن منظومة «بوك» الصاروخية التي «تصدت للإسرائيليين»

الأسد مستقبلاً ألكسندر لافرينتييف مبعوث الرئيس الروسي مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
الأسد مستقبلاً ألكسندر لافرينتييف مبعوث الرئيس الروسي مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

موسكو تؤكد مواصلة دعم دمشق وتدعو إلى «رفع فوري للعقوبات»

الأسد مستقبلاً ألكسندر لافرينتييف مبعوث الرئيس الروسي مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
الأسد مستقبلاً ألكسندر لافرينتييف مبعوث الرئيس الروسي مساء أول من أمس (إ.ب.أ)

بالتزامن مع تحول أعمال اللجنة السورية - الروسية المشتركة لمناقشة ملف عودة اللاجئين، التي عقدت اجتماعاتها في دمشق خلال اليومين الماضيين، إلى مناسبة لتأكيد استمرار الدعم الروسي لحكومة الرئيس بشار الأسد، بدا أن الأوساط العسكرية الروسية عمدت إلى توسيع النقاش الجاري حول «جدية موسكو» في التعامل مع الغارات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية.
وبعد مرور أيام على ظهور معطيات حول تزويد الجيش الروسي دمشق بمعدات حديثة للدفاع الجوي، كشف موقع روسي مختص بالصناعات العسكرية عن تفاصيل جديدة حول النظام الصاروخي الذي استخدم في الأسبوعين الأخيرين بنشاط في مواجهة الغارات. وأبرزت وسائل إعلام روسية أن بين أسباب تحول موسكو لوضع قواعد جديدة للتعامل مع ملف حماية «السيادة السورية»، غياب التنسيق بين موسكو والحكومة الإسرائيلية الجديدة في تل أبيب.
وكان مصدر روسي أبلغ «الشرق الأوسط» قبل أيام أن موسكو عمدت إلى إمداد دمشق بمعدات حديثة للدفاع الجوي، وأن الخبراء الروس لعبوا أدواراً مباشرة في مساعدة العسكريين السوريين على التعامل مع المضادات الحديثة، مما أسفر عن النجاح في إسقاط غالبية الصواريخ التي استهدفت مواقع في سوريا خلال الأيام الأخيرة. وعزا المصدر أسباب التحول في الموقف الروسي الذي التزم الصمت طويلاً حيال الغارات الإسرائيلية، إلى فتح أبواب التنسيق والحوار بين موسكو وواشنطن أخيراً، فضلاً عن امتناع إسرائيل طويلاً عن التعاون مع مبادرة روسية هدفت إلى تقليص المخاطر الأمنية على إسرائيل، ووقف الهجمات التي تشنها الأخيرة على الأراضي السورية في الوقت ذاته.
وكان لافتاً أن موقعاً مختصاً بالصناعات العسكرية كشف، أمس، عن تفاصيل حول النسخة الحديثة من نظام «بوك» الصاروخي الروسي الذي قال إن الجيش السوري نشره أخيراً وبدأ استخدامه على نطاق واسع. وذكر الموقع أن الجيش السوري اعترض 4 صواريخ «جو - أرض» أطلقت على محافظة حمص السورية، في تأكيد على معطيات قدمها في وقت سابق رئيس «مركز المصالحة» في قاعدة «حميميم» فاديم كوليت.
ووفقاً للموقع، فإن صواريخ «بوك إم2» الروسية التي استخدمت في صد الهجمات الإسرائيلية أخيراً، توصف بأنها منظومة متنقلة متوسطة المدى قادرة على اعتراض الطائرات والصواريخ المجنحة، وقد صُممت لاستكمال الأنظمة ذات المدى الأكثر تكلفة مثل «إس300» و«إس400».
ولفت الموقع إلى أن سوريا لديها أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى مثل «إس200»، التي تتميز بمدى إصابة يفوق بنحو 6 أضعاف صواريخ «بوك»، إلا إن هذه أنظمة قديمة تعود إلى حقبة الحرب الفيتنامية، وهي أقل تعقيداً بكثير.
يذكر أن منظومات صواريخ «بوك إم2»، دخلت الخدمة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد أثبتت مراراً فاعليتها العالية في القتال، إلا إنه استُبدلت بها بعد ذلك منظومات «بوك إم3» و«إس350» ذات الأدوار المماثلة.
وأشار الموقع إلى أن دمشق تسلمت من موسكو في عام 2019 أنظمة «إس300»، لكنها لم تحصل بعد على سلطة تشغيلية لهذه الأنظمة المتطورة، في حين تشير المعطيات إلى أن الجيش السوري بدأ تشغيل نظام «بوك» فور نشره أخيراً.
في السياق، لفتت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية إلى سبب آخر دفع بموسكو إلى تبني سياسة أكثر حزماً في التعامل مع الغارات الإسرائيلية على سوريا. فبالإضافة إلى موضوع فتح الحوارات الروسية - الأميركية التي دلت على أن واشنطن ليست راضية عن استمرار الغارات الإسرائيلية وتوسيع نطاقها، أشارت الصحيفة إلى أن تشكيل حكومة جديدة في الدولة العبرية خلق واقعاً جديداً في الاتصالات الروسية - الإسرائيلية بشأن سوريا.
ورأت أن «الحكومة الإسرائيلية الجديدة أبعد بكثير عن الكرملين من حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو».
ولفتت إلى أن وزير الخارجية يائير لابيد ذكر عند تنصيبه الشهر الماضي عدداً من المجالات التي ستكون من أولويات «حكومة التغيير»، ولم يتطرق إلى تفاصيل تخص العلاقة مع روسيا وسوريا، واكتفى بالقول إنه سيتحدث عن خطط على هذا المسار لاحقاً. ولذلك رأت الصحيفة الروسية أنه «ليس من شأن ذلك إلا أن يولّد تساؤلات عن مدى استعداد (كتلة التغيير) للالتزام بالمصالح الروسية في الساحة السورية».
في غضون ذلك، تلقت دمشق دفعة جديدة من الدعم الروسي خلال أعمال اللجنة المشتركة لعودة اللاجئين. وأجرى الأسد جلسة حوار مع المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف على هامش الاجتماعات، وقال بعدها إن بلاده «تعمل بشكل حثيث ومتواصل من أجل عودة اللاجئين، عبر خطوات عدة؛ بينها إعادة تأهيل البنية التحتية وتسريع المصالحات». وزاد أن البحث مع المبعوث الروسي تطرق إلى «الجهود المشتركة والتعاون الثنائي القائم بين سوريا وروسيا في موضوع عودة اللاجئين السوريين الذين اضطرتهم جرائم الإرهابيين لمغادرة بلدهم».
وقالت الرئاسة السورية إن الجانبين أكدا «ارتياحهما للتقدم الذي يحصل في هذا المجال نتيجة الجهود المشتركة»، ونوها بالاجتماع المشترك لمتابعة أعمال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجرين السوريين المنعقد في دمشق. وأوضح الأسد أن سوريا تعمل على إعادة اللاجئين من خلال «إعادة تأهيل البنية التحتية التي خربها الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار للمناطق التي تم تحريرها، ومن خلال تسريع عملية المصالحات بما يضمن عودة آمنة للاجئين والمهجرين السوريين إلى قراهم وبلداتهم».
وذكرت الرئاسة السورية أن لافرينتييف أعرب من جانبه عن ثقته بأن الطرفين السوري والروسي سيصلان إلى نتائج ملموسة في هذا الإطار «نظراً للخطوات والإجراءات الفعالة التي تقوم بها الحكومة السورية لتوفير الظروف الملائمة والأرضية المناسبة لعودة اللاجئين السوريين». وأشار لافرينتييف إلى استعداد بلاده للاستمرار في العمل مع سوريا لتذليل الصعوبات والعقبات التي يمكن أن تعوق هذه العملية.
وكان الاجتماع المشترك السوري - الروسي لمتابعة أعمال المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجرين السوريين، انطلق الاثنين في دمشق. وقال لافرنتييف، في جلسة الافتتاح، إنه «يجب وضع حد للعقوبات الجماعية للشعب السوري؛ فقط لأنه يؤيد الحكومة الشرعية».
في حين لفت رئيس مركز التنسيق السوري - الروسي ميخائيل ميزينتسيف، إلى أنه «عاد حتى الآن أكثر من مليونين ومائتي ألف مهجر سوري من الداخل والخارج، وأكبر عدد منهم عاد من الدول المجاورة... روسيا مستمرة، وفقاً للأعراف الدولية والاتفاقات، في تقديم المساعدات الشاملة لاستعادة الحياة السلمية في سوريا». ولفت ميزينتسيف إلى أن الدول الغربية تواصل «اتخاذ موقف مدمر، ولا بد من مساعدة الحكومة الشرعية لعودة السوريين إلى مناطقهم»، منوهاً بأن العقوبات الغربية «تعوق إعادة الإعمار في سوريا، وتسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية ورفعت حدة الفقر في البلاد». وأكد ميزينتسيف على أن الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة «تمثل رمزاً لنهاية مرحلة من عملية التسوية السورية».
وتطرق إلى أن الوجود «غير الشرعي للقوات الأجنبية» على الأرض السورية يحول دون استقرار الوضع في «المناطق المحتلة».
ويناقش الاجتماع على مدار 3 أيام الإجراءات التي تقوم بها دمشق لتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين وتوفير ظروف معيشية كريمة وبيئة مريحة، بالتنسيق والتعاون مع روسيا الاتحادية. ويضم الوفد الروسي، بالإضافة إلى مسؤولين عسكريين، ممثلين عن 30 هيئة فيدرالية تنفيذية ومنظمات مختلفة و5 مناطق روسية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».