سخط يمني من استطالة أمد الحرب واستمرار الانقلاب

سياسيون يدعون إلى إصلاح الأخطاء وإنهاء تفكك الجبهة الوطنية

يمنيون يتسوقون في أحد شوارع لحج جنوب البلاد (أ.ف.ب)
يمنيون يتسوقون في أحد شوارع لحج جنوب البلاد (أ.ف.ب)
TT

سخط يمني من استطالة أمد الحرب واستمرار الانقلاب

يمنيون يتسوقون في أحد شوارع لحج جنوب البلاد (أ.ف.ب)
يمنيون يتسوقون في أحد شوارع لحج جنوب البلاد (أ.ف.ب)

مع استطالة أمد الحرب التي أشعلتها الميليشيات الحوثية للسنة السابعة على التوالي، بات الشارع اليمني يعيش حالة من الغليان والسخط، إذ ترفض الميليشيات الحلول السياسية وتراهن على القوة للانفراد بحكم اليمن ضمن الأجندة الإيرانية، في حين تهيمن على القوى اليمنية المناوئة للانقلاب حالة من الشتات والانقسام جعلتها غير قادرة خلال هذه السنوات على الحسم العسكري على رغم الدعم غير المحدود الذي يقدمه تحالف دعم الشرعية على الصعد كافة.
هذا الانغلاق في مسار الأزمة اليمنية، مع ما يحيل إليه من استمرار معاناة نحو 30 مليون نسمة، من جراء الفقر وغياب الخدمات وتغوّل الميليشيات وتوقف الرواتب، وتجريف الهوية الوطنية، دفع العديد من السياسيين الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» إلى الدعوة للإسراع بتجاوز هذه الحال الراهنة، من خلال إنهاء تفكك الجبهة الوطنية المناوئة للانقلاب الحوثي، والتشديد على أهمية إصلاح منظومة الشرعية، على الصعيدين السياسي والعسكري، لجعلها أكثر قدرة على حسم مستقبل البلاد واستعادة الدولة المختطفة من قبل الانقلابيين.
- انتهازية القوى السياسية
في هذا السياق، يحاول الكاتب اليمني وضاح الجليل أن يقدم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» مقاربة توصيفية للحالة في بلاده، إذ يرى أن «ما يحدث من انتكاسات متتالية يعود إلى حالة التفكك والانقسام في الجبهة الوطنية التي كان سببها مرض وشيخوخة القوى السياسية والاجتماعية وانتهازيتها وتنافسها على مصالح ضيقة وغنائم تخصها وحدها دون المجتمع».
ويتهم الجليل هذه القوى السياسية بأنها «نتاج عقود طويلة من الشمولية والإقصاء والتهميش والصراع الآيديولوجي والتعبئة المتراكمة ضد بعضها، حتى وصلت إلى مرحلة لم تعد قادرة على تجاوز ضغائنها، والعمل ضمن جبهة واحدة لمواجهة التحديات المصيرية التي يمثلها الانقلاب الحوثي وشبح الإمامة الذي أسفر عن وجهه من خلال هذا الانقلاب».
ويرى أن هذه القوى «عطلت إمكانية قيام المجتمع بدوره في إنتاج تنظيمات وتشكيلات تقوده في معاركه المصيرية؛ فمن جهة وقع المجتمع في فخ الركون على هذه القوى لأداء مهامها المنوطة والمفترضة. ومن جهة أخرى فإن قطاعات واسعة من فئة الشباب في المجتمع تنتمي لهذه القوى والأحزاب وقعت في فخ التربص والمكايدات الحزبية واستهوتها نظرية المؤامرة، فتوجهت أغلب أنشطتها وأفكارها للتآمر والتحريض والتنافس».
ويجزم الجليل بأن ذلك كله «أسهم في منح الحوثي مساحة في حياة المجتمع اليمني ليشغلها بطريقته، وبمساعدة خارجية من طرف نظام الحكم في إيران، ومن خلال ممارساته ومنهجه، إذ تمكن من إعلان أفضليته في الاستحواذ والسيطرة وتمكين مشروعه».
ويعتقد أن اليمنيين يحتاجون إلى «تجاوز الحال القائمة من خلال تجاوز الأحزاب والقوى السياسة وطي صفحتها، وإنتاج بدائل قادرة على التعاطي مع التحديات المصيرية ومواجهة الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن».
- أخطاء وتقاعس
ولا يذهب الباحث والأكاديمي اليمني الدكتور فارس البيل بعيداً عن إلقاء اللائمة على أخطاء القوى اليمنية وتقاعسها بصفتها المتسبب الأول في إطالة أمد الحرب وعدم حسم المعركة مع الانقلاب المدعوم إيرانياً. ويقول لـ«الشرق الأوسط» معبراً عن حال اليأس والإحباط التي باتت تكتنف الشارع اليمني: «يصل اليمنيون إلى قناعة مغلفة باليأس حول مآلات أزمتهم التي تكاد تنغلق على الفك والفهم، ذلك لأنهم بين نيران كثيرة، نار الحوثي التي لا يبدو معها من حل سوى إطفائها من جذعها، وهي النار التي بدأت صغيرة وكبرت بأخطاء اليمنيين وتقاعسهم عنها».
وينتقد البيل استمرار بقاء الحوثيين في التمدد بالتزامن مع عجز خصومهم وتشتتهم، ويقول: «سبع سنوات والحوثية تتمدد في الفراغ، والعالم يضع لها الخيارات بدلال وهي المغتصبة لكل شيء، حتى أنها ترفض اتفاقيات السلام التي ستجعلها كياناً شرعياً، لأنها ليست بحاجة، فعجز خصومها مُغرٍ لها بالبقاء على هذه الحال».
وفي حين يمتدح البيل ما تلقته الشرعية اليمنية بكل صفوفها من دعم كبير من التحالف الداعم لها بقيادة السعودية، إلا أنه يعتقد أن السبب في تأخر الحسم يعود إلى ما وصفه بـ«ضعف الشرعية وتشظيها وفسادها»، وهو ما أفشل - من وجهة نظره - استعادة الدولة، إذ إن «حجم الحوثي وقوته مقارنة بالشرعية لا يوزن».
من ناحية ثانية، ينتقد البيل «ركون الشرعية إلى التفاوضات السياسية مع أنها تدرك ألا مفاوضات ستنجح في استعادة دولة». ويعلق مستغرباً: «هل تُفاوِض لصاً على خروجه من منزلك الذي اغتصبه من دون أن تقدم له تنازلات ترضي رغبته؟ مجرد التفاوض مع لص هو تنازل عن نصف ما تملك»، في إشارة إلى الحوثيين.
ولفت إلى أن «ضعف الشرعية وعنف الحوثي يطحنان اليمنيين، حتى أنهم الآن في أسوأ أزمة على وجه الأرض، وحكومتهم الشرعية لا تبذل ما يمكن أن نقول إنه أقل الواجب، وباستطاعتها أن تفعل الكثير لرفع معاناة الناس، لكن الشرعية تعيش صراعات داخلية وانتهازات واستراتيجيات، الأطراف فيها لا تنظر إلا إلى مصلحتها وحسب».
وبخصوص ما يقترحه البيل من حلول، يقول: «لدى اليمنيين حل واحد، أن تصحو الشرعية من سباتها وتصحح أخطاءها سريعاً، وتحشد الجميع بصدق ووضوح كالنفير لهدف واحد، وهو استعادة الدولة وهزيمة المشروع الإيراني. عندها سيلتف الجميع وسنرى الحوثية تتساقط ويفر غلمانها كالفئران من كل المدن».
وحذر مما وصفه بـ«الانتظار المضر للمفاوضات من دون أن يكون هناك نجاح من الشرعية أولاً، وحزم وسرعة وشمول». وأضاف: «بإمكان هذه المشكلة اليمنية أن تحل في أقصر وقت، لو توافرت العزيمة والقيادة المخلصة وتنازلت كل الأطراف عن مصالحها الانتهازية، فسينهار الحوثي حتى قبل الوصول إليه».
- غياب التخطيط والانقسام
ويصوّب الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، من جهته، سهام انتقاداته للشرعية، مشيراً إلى «غياب التخطيط الاستراتيجي والانقسام في صفوفها» إلى جانب اتهامه لفصيل سياسي - لم يسمه – بـ«السيطرة على الشرعية ورفض مشاركة المكونات القتالية الأخرى في المعركة الوطنية المصيرية»، فضلاً عما وصفه بـ«حالة التخوين بين المكونات السياسية التي تسببت بهشاشة النتائج العسكرية للجيش».
ويقول الطاهر لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة الحقيقية للأسف الشديد، تكمن في الشرعية اليمنية، وإلا لو كانت الشرعية يقظة لهذه المعركة لما سمحت للقبائل التي انتفضت في البيضاء بخوض القتال منفردة ضد الحوثيين. كان يجب أن تشعل كل الجبهات في وقت واحد، لإجبار الحوثي على السلام».
وأشار إلى أنه «منذ تحرير المحافظات الجنوبية والجوف وصولاً إلى مأرب، بشكل سريع وسلس، استمعت الحكومة اليمنية لنصائح المجتمع الدولي لوقف الحرب، وإفساح الطريق أمام المجال السياسي، وهو ما سمح للحوثيين بالتقاط أنفاسهم واللعب على إطالة أمد الحرب، والتوغل وسط القبائل، وتشكيل مصالح سياسية وآيديولوجية ومالية، استطاعوا من خلالها التحول من الدفاع إلى الهجوم».
ويشدد الطاهر على أن من أهم الأسباب التي أخرت حسم المعركة ضد الانقلاب «الخلافات السياسية الموجودة الآن لدى كل الأطراف المناهضة للمشروع الحوثي». ويوضح: «زادت الانقسامات الحادة، حينما طالبت القوات المشتركة في الساحل الغربي المشاركة في الدفاع عن مأرب، وقوبل ذلك بالرفض، واستغلتها الميليشيا في تغذية ذلك الصراع».
ويشير كذلك إلى ما وصفه بـ«فساد السياسيين والقيادات العسكرية الذين حولوا الحرب إلى مصالح اقتصادية خاصة بهم»، وإلى «غياب التخطيط الاستراتيجي السياسي والعسكري والإعلامي، في إدارة المعركة مع الميليشيا الحوثية».
وعن مآلات الحال في اليمن، في ظل المعطيات القائمة ميدانياً وسياسياً، يعبر الطاهر عن خشيته من «تقسيم اليمن لدويلات مع استمرار الحرب الأهلية الداخلية، ومن ثم القضاء على كل المعارضين للمشروع الإيراني». لكنه في الوقت نفسه لا يستبعد تحقق «نصر يمني» ضد الانقلاب «شريطة إصلاح الأخطاء وتوحيد كافة المكونات السياسية نحو هدف واحد».
ويضيف: «لن ينتصر اليمنيون طالما هناك قوات في المحافظات الجنوبية متأهبة لبعضها، متناسية الخطر الإيراني الذي يداهمها، وطالما رفضت القوات الحكومية في مأرب إشراك القوات من الساحل، وطالما لا تزال الشرعية اليمنية تنظر إلى بقية المكونات السياسية المناهضة للحوثيين، على أنها مكونات خارج إطار الشرعية».
وعن المساعي الدولية وما إن كانت ستحسم الأزمة اليمنية، يستبعد الطاهر ذلك، ويقول: «لن ينتصر اليمنيون أو الشرعية اليمنية، طالما تنتظر من المجتمع الدولي أن يحقق السلام لأن المنتصر على الأرض هو من يضع الشروط ويغير الأحداث ويكتب التاريخ».
- منعطف صعب
ويقر الكاتب والإعلامي اليمني أحمد عباس في سياق تعليقه على جمود الأزمة في بلاده واستطالة أمد الحرب وعدم وصول مساعي السلام إلى غايتها، بأن البلاد واقعة «في منعطف صعب وخطير للغاية». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «تكريس الحوثي سيطرته على اليمن يعني دخول البلد في دوامات من محاولات مسخ هويته وإعادته إلى مجاهل مظلمة ستغرق فيها كل أجياله المقبلة. وهذا السيناريو الذي يُساق إليه اليمن ليس سببه قوة الحوثي العسكرية أو قوة حججه السياسية، وإنما تكمن المشكلة في الطرف الآخر المناوئ لهذه الحركة الطوطمية»، في إشارة إلى القوى والأحزاب المناوئة للانقلاب التي تمثلها الشرعية بأطرافها كافة.
وأوضح أن «المتابع العادي للمشهد يستطيع بكل سهولة استنتاج أن الهدف الذي من المفترض أنه يوحد هذه المكونات وهو التخلص من الانقلاب لم يعد هو الأولوية لكل طرف، وهنا تكمن المشكلة. هذه الخلافات والتباينات السياسية هي التي يستغلها الحوثي ببراعة ويحاول توطيد سيطرته المطلقة على المناطق التي تحت يديه، والتوسع تباعاً في المناطق التي لم يكن يحلم بالوصول إليها».
وينتقد عباس محاولات بعض الأطراف اليمنية «التشكيك في جهود التحالف الداعم للشرعية، أو تحميله وزر ما آلت إليه الأمور من جمود عسكري وسياسي». ويقول: «لولا هذا التحالف لكان اليمن في وضع كارثي أكثر مما هو عليه الآن».
ويعتقد أن الحوثي «لن يقبل إلا بالسيطرة المطلقة على اليمن إذ يعلن ذلك بلا أي رتوش أو مواربة». أما عن الحل من وجهة نظره، فهو «التخلص من الحوثي عسكرياً». لكنه يعود ويجزم أن ذلك «لن يحدث ما لم تتغير الأدوات السياسية والعسكرية في الشرعية».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.