دراسات معمقة حول عوالق البحر الأحمر

باحثو «كاوست» يدققون في أبرز الآليات المؤثرة عليها

موقع «كاوست» ومواردها تتيح لها دراسة العوالق البكتيرية في البحار الاستوائية بتفاصيل أدق عن ذي قبل
موقع «كاوست» ومواردها تتيح لها دراسة العوالق البكتيرية في البحار الاستوائية بتفاصيل أدق عن ذي قبل
TT

دراسات معمقة حول عوالق البحر الأحمر

موقع «كاوست» ومواردها تتيح لها دراسة العوالق البكتيرية في البحار الاستوائية بتفاصيل أدق عن ذي قبل
موقع «كاوست» ومواردها تتيح لها دراسة العوالق البكتيرية في البحار الاستوائية بتفاصيل أدق عن ذي قبل

تكشف مجتمعات العوالق البيكوية Picoplanktons الدقيقة التي تعيش في المحيطات عن كثير مما يتعلّق بصحة النظم البيئية البحرية والشبكات الغذائية. لذا، درس باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) كيفية اختلاف أعداد هذه الكائنات الحية على مدار العام في المناطق الساحلية وتلك البعيدة عن الساحل في البحر الأحمر، كما تحرّوا في الوقت ذاته المفترسات والفيروسات المؤثرة فيها.

- عوالق بحرية
والعوالق البحرية (الهوائم) هي الطحالب الدقيقة والحيوانات التي تدعم شبكة الغذاء البحرية بأكملها. وتلك العوالق لا أصل ثابت لها تعتمد عليه، فلا جذور تتغلغل في التربة، بل يحيط بها الماء من كل اتجاه، تحركها أمواجه كيفما شاءت، ومع ذلك تظل عالقة فيه. جدير بالذكر أن تاريخ اهتمام العلماء بالعوالق يعود إلى عام 1845حينما أجرى العالم الألماني جوهانس بيتر مولر أول دراسة لحياة تلك المجتمعات، أما عالم وظائف الأعضاء الألماني فيكتور هنسن فقد اقترح استخدامها بدلالتها الحديثة وذلك في عام 1891.
تُحفّز العوالق البكتيرية بدرجة كبيرة تدفّقات الطاقة في الشبكة الغذائية البحرية بالمناطق الفقيرة بالمغذيّات عن طريق استخدام الكربون الذائب، وغيره من المواد المغذّية في عمليات التمثيل الضوئي وإعادة التدوير. وتعتبر البكتيريا الزرقاء (الزراقم) - كائنات مجهرية شائعة في الماء وتوجد أحياناً في التربة، ولا تنتج جميعها سموماً - ذاتية التغذية، أي أنها تُنتج غذاءها باستخدام موارد، مثل الضوء وثاني أكسيد الكربون، وفي المقابل تتغذّى البكتيريا غير ذاتية التغذية على المواد العضوية الذائبة في الماء.
توفّر المجموعتان الغذاء للكائنات الأخرى، ومنها الكائنات العشبية مثل السوطيات النانوية غير ذاتية التغذية، وهي مخلوقات وحيدة الخلية ولها سوطان يساعدانها على الحركة اللولبية.
يقول الدكتور خوسيه أنكسيلو جي موران، أستاذ علوم البحار المشارك في «كاوست»، والذي أشرف على الطالبتين إيمان الصباغ ونجوى العتيبي ومؤلفيهما المساعدين: «تسد هاتان الدراستان الحديثتان إحدى ثغرات فهمنا للنظم البيئية البحرية الاستوائية؛ وهي كيفية تشكّل مجتمعات العوالق البكتيرية، وكيف تؤدِّي وظيفتها في هذه المناطق الشاسعة غير المكتَشفة».

- نظم بحرية استوائية
ويضيف موران: «أجرت دول تقع في مناطق معتدلة المناخ وشبه قطبية بنصف الكرة الشمالي كثيراً من الأبحاث في مجال علم المحيطات، وقد كان يُفتَرَض لفترة طويلة أن البحار في المناطق الاستوائية لا تتمتع بالتعاقب الموسمي ذاته فيما يتعلق بديناميكيات المجتمعات البكتيرية كما هو الحال في المناطق المعتدلة. غير أن موقع «كاوست» ومواردها تمكننا من دراسة العوالق البكتيرية في البحار الاستوائية بتفاصيل أدق عن ذي قبل».
وقد اهتمَّت ورقة إيمان الصباغ البحثية بالمياه الساحلية الضحلة، إذ حلّلت عيّنات من مرفأ «كاوست» كل أسبوع على مدار عام، إذ أراد الباحثون فهم هذه المجتمعات ذاتية التغذية وتأثير العوامل تنازلياً في امتداد الشبكة الغذائية - مثل الهجوم الفيروسي وتغذّي السوطيات النانوية غير ذاتية التغذية عليها - فضلاً عن تأثير العوامل تصاعدياً، مثل وفرة المواد المغذّية.
تقول إيمان الصباغ: «إن تحرّي الدقة في الحصول على عيّناتنا يعني أننا وثّقنا الديناميكيات المباشرة والمستدامة بين المفترس والفريسة، وذلك بين الفيروسات وعوائلها البكتيرية، إذ جاء أغلب الفقد في العوالق البكتيرية الساحلية في البحر الأحمر على مدار أغلب العام بسبب الفيروسات وتغذّي السوطيات النانوية عليها، وهذا يشير إلى ضرورة هيمنة التأثير التنازلي في تنظيم الوفرة البكتيرية». أما ورقة نجوى العتيبي البحثية، فقد اهتمَّت بموقع داخل المياه في وسط البحر الأحمر، حيث جمع الفريق البحثي عينات مائية من أعماق ثابتة حتى عمق 700 متر بصورة دورية على مدار عامين، وقاس الفريق وفرة مجموعات العوالق البيكوية ذاتية التغذية وغير ذاتية التغذية، ودراسة خصائصها الخلوية، مع رصد المتغيرات البيئية.
تقول نجوى العتيبي: «أظهرت نتائجنا تبايناً موسمياً واضحاً، ولا سيّما في المجموعات التي تعيش في المياه السطحية (في الأمتار المائة العليا)، إذ بلغتْ أعداد العوالق البيكوية ذاتية التغذية ذروتها في فصل الصيف وانخفضت في الشتاء»،
وأضافت أن دراستهم تلك هي أوّل سجل تفصيلي لتأثير التدرّجات الرأسية في توزيع مجتمعات العوالق البيكوية على مدار المواسم، «وينبغي إدراج عامل التعاقب الموسمي هذا في جميع الدراسات المستقبلية للنظم البيئية السطحية في مياه البحر الأحمر»، على حد قولها.
من جانبه، يوضح موران: «سيكون من الضروري إجراء دراسات محكمة طويلة الأمد على المواقع الاستوائية من أجل إثبات الفرضيات الحالية عن الاتجاهات المستقبلية للتغيير في أدفأ المسطحات المائية على سطح الأرض، علاوة على ذلك، قد يُتاح لنا فهم محيطاتنا في المستقبل، لأننا إذا لم نُبطئ من وتيرة التغيّر المناخي، فإن الظروف الحالية في المناطق الاستوائية ستتحقّق قريباً في المناطق الواقعة على خطوط العرض الأعلى من خط الاستواء».
ويخطط الفريق لمواصلة استكشاف ديناميكيات مجتمع العوالق البكتيرية على مقياس أدق مع التقاط عيّنات يومية وإجراء دراسات تمتد على فترات زمنية أطول للمناطق الساحلية وتلك الواقعة في عرض البحر الأحمر.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
TT

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)

يحتل الذكاء الاصطناعي حالياً مكانة بارزة في النقاشات العالمية؛ حيث يتم استكشاف مدى اعتماده وتأثيره الواسع على المنظمات والأعمال والمجتمع. ووفق تقرير صادر عن شركة «آي بي إم»، بلغ معدل تبني الذكاء الاصطناعي عالمياً 35 في المائة عام 2022، مسجلاً بذلك زيادة ملحوظة بمقدار 4 نقاط عن العام السابق.

تخلف الدول النامية

ورغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات الصحية، وتعزيز التعليم، ودعم أنظمة الطاقة، ورفع كفاءة الحوكمة، فإن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تزال تعاني من نقص الأبحاث والتطبيقات المتاحة في هذا المجال.

وفي هذا السياق، سعى باحثون من الولايات المتحدة واليابان إلى وضع استراتيجيات تتيح لهذه الدول دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة والحوكمة، مؤكدين أهمية تقليص الفجوة الرقمية لضمان وصول فوائد الذكاء الاصطناعي للجميع.

وأشار الباحثون، في دراستهم المنشورة بعدد 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بدورية «Humanities and Social Sciences Communications» إلى العقبات الأساسية التي تواجه البلدان ذات الدخل المنخفض في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، التي تشمل محدودية الوصول إلى التكنولوجيا، وضعف البنية التحتية، وقلة الكوادر المتخصصة، مشددين على أن هذه التحديات تعيق قدرة هذه الدول على توظيف الذكاء الاصطناعي بفاعلية لدعم التنمية المستدامة، ما يستدعي استراتيجيات تكاملية لمعالجة هذه الثغرات وتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

يقول الدكتور محمد سالار خان، أستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، إن المضي قدماً في مجال الذكاء الاصطناعي ليس خياراً، بل ضرورة لهذه البلدان. ومن خلال تعزيز البنية الرقمية، وتدريب الكوادر البشرية، وتبني سياسات فعّالة؛ يمكن لهذه الدول الاستفادة من القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة لمواطنيها.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «على صانعي السياسات إدراك الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية العادلة، وإعطاء الأولوية للمبادرات التي تدعم دمجه في هذه البلدان، ومن خلال الجهود التعاونية، يمكن للمجتمع الدولي ضمان ألا تتخلف البلدان منخفضة الدخل عن ثورة الذكاء الاصطناعي».

استراتيجيات فعالة

تواجه الدول ذات الدخل المنخفض تحديات فريدة في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يستدعي اقتراح استراتيجيات تتماشى مع احتياجاتها الخاصة. وفقاً لأستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية نهجاً متعدد الجوانب.

ووفق خان، تتمثل إحدى التوصيات الأساسية في تعزيز البحث والتطوير، من خلال دعم الجامعات والمؤسسات المحلية في إجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي الموجهة إلى التحديات المحلية، وإنشاء مراكز ابتكار تركز على تطوير تقنيات مناسبة للصناعات المحلية. كما يُنصح بتوفير التمويل والموارد للشركات الناشئة المحلية المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتشمل التوصيات أيضاً بناء أنظمة ذكاء اصطناعي متكاملة، عبر تطوير استراتيجية وطنية لتعزيز القدرات في هذا المجال، وإنشاء شبكات تعاونية بين الكيانات المحلية والمنظمات الدولية.

ونبه خان إلى ضرورة تشجيع مشاركة القطاع الخاص في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعالج القضايا المحلية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، وتنفيذ مشاريع تجريبية تُظهر التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.

تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية

وشدد خان على ضرورة ضمان وصول عادل للتكنولوجيا، مع التركيز على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات في هذا المجال، وتعزيز الاستقلال التكنولوجي عبر تطوير تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية.

وأوصى خان بضرورة التعاون مع الدول المتقدمة للحصول على دعم في مجال نقل التكنولوجيا؛ حيث يمكن للبلدان ذات الاقتصاديات المتقدمة والمنظمات الدولية ذات الصلة مثل اليونيسكو، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والبنك الدولي؛ دعم هذه الدول في مساعيها من خلال نقل التكنولوجيا، وتقديم المنح، والمساعدات.

ونصح خان بضرورة تحسين الأطر السياسية من خلال وضع إرشادات تنظيمية واضحة، وإشراك جميع أصحاب المصلحة في عملية صنع القرار، لضمان وضع المبادئ التوجيهية واللوائح الأخلاقية التي تضمن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وعادل.

ومن خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية، ما يعزز التنمية ويقلل الفجوات الحالية في اعتماد التكنولوجيا، على حد قول خان.