«المرقوق»... والعودة إلى الخبز الريفي التقليدي

اللبنانيون يعيدون رونق الصاج مستغلين مهارات ربات المنازل

الخبز المرقوق من الريف اللبناني إلى موائد أهم المطاعم في بيروت
الخبز المرقوق من الريف اللبناني إلى موائد أهم المطاعم في بيروت
TT

«المرقوق»... والعودة إلى الخبز الريفي التقليدي

الخبز المرقوق من الريف اللبناني إلى موائد أهم المطاعم في بيروت
الخبز المرقوق من الريف اللبناني إلى موائد أهم المطاعم في بيروت

عديدة هي أنواع الخبز اللبناني فمنها ما يعرف بخبز التنور والكماج والصاج، وبينها ما جرى تعديله بنكهات «حبة البركة» والصعتر وأعشاب أخرى منتشرة في الطبيعة.
مؤخرا يروج في لبنان تناول الخبز المرقوق الذي يخبز على الصاج (قطعة معدنية كبيرة) وينصح به اختصاصيو التغذية، لأن عملية هضمه تكون سريعة، ولا يتسبب بالسمنة. وتكثر المحلات والأفران الشعبية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا الخبز. فتنتشر على طول المناطق اللبنانية، محطات تقدم هذا المكون طازجا، تحت اسم «صاج أم يوسف» وصاج المعلم وصاج الأمير وخبز الصاج وغيرها من الأسماء التي تشير لتوفر هذا النوع من الخبز.
ويعدّ خبز الصاج تقليداً معروفاً في الريف اللبناني، ما لبث أن انتشر ليصل إلى العاصمة، ويشكل عنصراً يجذب رواد المطاعم والمقاهي. بعض أصحاب تلك المحلات يعتمده كعنصر أساسي على موائدها. فيتعاقدون مع نساء وربات منازل يجدن صنع خبز الصاج، ويقدمونه ساخنا لزبائنهم. وعادة ما تفترش تلك النسوة زاوية أو ركناً من أركان المطعم، ويحضرنه مباشرة أمام الزبائن، ضمن مساحة مفتوحة، يسهل رؤيتها عند مدخل المطعم. أما رائحة خبز الصاج اللذيذة، فتلعب دورا أساسيا في فتح شهية الزبون لتناول الطعام. وهو الأمر الذي يسهم في الترويج لهذا المطعم أو ذاك المقهى، ويدفع بالناس إلى ارتياده لأنه يقدم خبز الصاج طازجاً.
ولصنع خبز الصاج الطازج طرقه وقواعده الشائعة. وتختلف قماشته ومكوناته عن خبز الصاج التجاري الذي يباع في الدكاكين بأحجام مختلفة. وتقول «أم علي» التي تصادفها يوميا على مدخل أحد المطاعم في بلدة دير القمر الشوفية: «الخبز التجاري تدخله أحياناً مواد لا نستعملها نحن أهل الريف في صناعة خبز الصاج». وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك من يضيف إلى عجينته الحليب أو السكر وأحيانا لا يعرفون دوزنة نوعيتي الدقيق المستخدم فيه، فيكون مذاقه مختلفا ويتطلب الأمر مضغه بدل أن يذوب بسرعة في الفم أثناء تناوله».
السهرات والصبحيات حول الصاج مشهورة في لبنان وتدخل ضمن التقاليد المتوارثة عبر الأجيال في القرى. فيتجمع الجيران والأقارب حول الصاج الذي عادة ما يسخن على الحطب أو على الغاز وأحياناً بواسطة الكهرباء. وتواكب هذه الجلسات أطباق تحتوي على اللبنة والصعتر المخلوط بالسمسم وزيت الزيتون. وكذلك أطباق أخرى تحتوي على البيض المقلي مع القاورما (لحم غنم مجفف) والمربات على أنواعها. وتتوارث طريقة صنع خبز الصاج من الأجداد الى الأحفاد كي لا تندثر، فتبقى حاضرة على المائدة اللبنانية الأصيلة.
وتشير تيريز داغر من مجدلونا إحدى بلدات إقليم الخروب، إلى أن سر خبز الصاج يكمن في طريقتي عجنه ورقّه. وقلة حسب رأيها يعرفون أن مزيجه يجب أن يتألف من كمية دقيق مخلوط من الأبيض والأسمر. وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يبلغ حجمه نحو النصف متر وهو يأخذ الشكل الدائري. لا يدخل على مكوناته السكر ولا الحليب ولا الزيت. ويتم عجنه قبل ساعات من خبزه كي ترتاح عجينته، ويصبح من السهل استخدامها وهي منتفخة بفعل الخميرة، وتكون خفيفة الوزن في الوقت نفسه».
وتعدد تيريز المراحل التي يجب أن يمر بها تحضير خبز الصاج التراثي الأصيل وهي يدوية بامتياز. وتقول: «بعد أن ترتاح العجينة نقوم بتقطيعها إلى أرغفة وهذه العملية نسميها في القرية (الترويج). وبعدها يجري رق العجين على طبلية (طاولة منخفضة الارتفاع) من الخشب مفروش عليها طحين الذرة. هذا يسهل مهمة تكبير حجم دائرة الخبز حسب الطلب، ومن دون أي صعوبات. عملية الرق تجري بأصابع اليد بدءاً من أطراف رغيف العجين نحو داخله. لا يصح أن تكون هذه الأطراف قاسية بحيث يقوم البعض بنزعها عن الرغيف بعد خبزه ورميها، إذ يصعب ابتلاعها».
وبعد هذه المرحلة يتطلب الرغيف تكبيره عن طريق تطبيق عملية الهلّ. وتوضح تيريز في سياق حديثها: «الهل يعني تحويل رغيف العجين إلى مساحة رقيقة يسهل نقلها من يد إلى أخرى عن طريق التلويح، أي نقل العجينة من يد إلى أخرى،. وهنا تكمن شطارة ربة المنزل في صنع خبز المرقوق. فكلما كان رقيقاً افتخرت بذلك. عندما يكبر حجم الرغيف يستريح على وسادة دائرية تعرف باسم (الكارة). وتكون مصنوعة من القماش الخفيف، يستلقي عليها رغيف العجين، وتعمل المرأة الخابزة على تكبير حجمه بشدّ أطرافه فقط».
وتعتبر الكارة آخر المراحل التي يشهدها رغيف العجين قبل وضعه على الصاج الساخن. فتبدأ طريقة خبزه التي تستغرق نحو 90 ثانية إلى حين خروج كمية الماء المتبخر منه. وتعلق تيريز: «كلما كان أكثر جفافاً، جاء الخبز ألذّ. وهو ما يسهم في الاحتفاظ به لمدة أطول بحيث لا يصيبه العفن. كما لا يصح أن تنال منه النار بشكل كبير فيحترق ويتكسّر بسرعة».


مقالات ذات صلة

«الست بلقيس» لـ«الشرق الأوسط»: أنصح بالابتعاد عن الطعام المالح

مذاقات الست بلقيس (الشرق الاوسط)

«الست بلقيس» لـ«الشرق الأوسط»: أنصح بالابتعاد عن الطعام المالح

تنشغل ربّات المنازل خلال شهر رمضان بالتحضير للمأكولات التي تزيّن مائدة الشهر الفضيل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تشارلز مغرم بالباذنجان بكل وصفاته

تشارلز مغرم بالباذنجان بكل وصفاته

زار الملك تشارلز، الأربعاء، الطاهي السوري عماد الأرنب في مطعمه «عماد سيريان كيتشان (Imad’s Syrian Kitchen)» الواقع في منطقة سوهو بوسط لندن قبل أيام من قدوم شهر

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات «شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)

الشيف فيليب خوري يبتكر «شوكولاته بيروت»

يقول إنه إذا رُزق يوماً بولد فسيطلق عليه اسم «سيدر (أَرز)» من شدة تعلّقه بوطنه الأم، لبنان. فالشيف الأسترالي، اللبناني الأصل، فيليب خوري متخصص بصناعة الحلوى.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات شوربة الطماطم (فيسبوك)

الحساء... أشكال وألوان تفتح الشهية

في لبنان يعرف بطبق «الشوربة» الذي يزوّد متناوله بالدفء في فصل الشتاء. ويعتمد هذا الطبق المعروف بالعالم العربي بالحساء في شهر رمضان.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات التمر هندي... مكون أساسي في أطباق جنوب شرقي آسيا وشرق الهند

التمر هندي... مكون أساسي في أطباق جنوب شرقي آسيا وشرق الهند

بعيداً عن تناوله بشكل منفصل عن الوجبات، أصبحت استخدامات التمر هندي كثيرة ومتنوعة، ما بين دمجه في أطباق أخرى أو الحصول عليه في شكل سلطات

نادية عبد الحليم (القاهرة)

الشيف فيليب خوري يبتكر «شوكولاته بيروت»

«شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)
«شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)
TT

الشيف فيليب خوري يبتكر «شوكولاته بيروت»

«شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)
«شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)

يقول إنه إذا رُزق يوماً بولد فسيطلق عليه اسم «سيدر (أَرز)» من شدة تعلّقه بوطنه الأم، لبنان. فالشيف الأسترالي، اللبناني الأصل، فيليب خوري متخصص بصناعة الحلوى، ويحرص دائماً على التعبير عن حبّه للبنان خلال تحضيره لها. منذ نحو 6 سنوات يشرف الشيف خوري على مطبخ الحلويات في متجر «هارودز» الشهير في لندن، ولم يخلُّ مشواره خلالها من إبراز طعم ونكهات لبنانية في حلويات يصنعها.

مؤخراً أصبح اسم الشيف فيليب على كل شفّة ولسان. وذلك إثر ابتكاره «شوكولاته بيروت»، فتصدّر «التريند» على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى المنصات والمواقع الإلكترونية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتوقّع أن تحقق هذه الشوكولاته هذه الشهرة كلها. فهي حازت اهتماماً كبيراً طال الدول العربية والغربية. وأخطط لترويجها في مشروعات عدة مستقبلية».

الشيف اللبناني الأسترالي فيليب خوري (الشرق الأوسط)

يعترف الشيف خوري بأنه استلهم الفكرة من منتج «شوكولاته دبي». أما سبب صناعته له فيعود لحفل خيري أُقيم في لندن: «لدي صديقة هي أنجيلا زاهر تهتم بالأعمال الخيرية من خلال جمعية تديرها اسمها (بداياتي). اتصلت بي تطلب مني المشارَكة في سوق يعود ريعها لمساعدة المحتاجين. وكما غيري من المشاركين، رحت أفكر بالمنتج الذي يمكن ابتكاره لهذه المناسبة. وحضرتْ في ذهني لا شعورياً فكرة صنع شوكولاته مميزة. فوُلدت (شوكولاته بيروت)، التي مزجتُ فيها مكونات نباتية تعبق بعطر وطني، لبنان».

ويشير الشيف خوري إلى أن كثيرين طالبوه، أكثر من مرة، بضرورة صنع «شوكولاته دبي» على طريقته. ولأنه لا يحب تقليد ونسخ مذاقات حلويات يصنعها، امتنع عن القيام بذلك. وأوضح: «ولكن عندما عرضت علي صديقتي المشارَكة في السوق الخيرية التي تنظمها، فكرت مباشرة بشوكولاته تحمل اسم بيروت».

«شوكولاته بيروت» المحشوة بالبقلاوة (الشرق الأوسط)

تتألّف مكونات هذا المنتج من أصابع حلوى البقلاوة والكراميل المخلوط بهريس مكسرات الكاجو المنكهة بماء الزهر. ويروي الشيف خوري لـ«الشرق الأوسط» كيفية صنعها: «أنا من محبي حلوى البقلاوة اللبنانية، فاخترتها مكوناً أساسياً لـ(شوكولاته بيروت). وبعد هرسها أخبزها في الفرن كي تخرج مزودة بقرمشة إضافية، ومن ثم أطحن حبوب الكاجو وأغلّفها بالكراميل. وهو ما نسميه في عالم الحلوى الكاجو (برالينيه) بالكراميل. وأنكّه هذا المزيج بماء الزهر. وهو شراب لبناني مشهور استقدمته معي من بيروت في زيارتي الأخيرة إليها في الربيع الماضي. أما الشوكولاته فهي مصنوعة من الكاكاو وحليب اللوز. وقسّمت الكمية لتتوزع بين المكونين بنسبة 50 في المائة لكل منهما. ومع قليل من السكر مزجت المكونات، إذ لم أرغب في أن تكون حلاوتها منفرة».

الشيف فيليب خوري يبتكر «شوكولاته بيروت» على طريقته الخاصة (الشرق الأوسط)

ولكن ما جعل هذه الشوكولاته تتميز عن غيرها أيضاً، هو حملها تصميماً يرتبط ارتباطاً مباشراً بلبنان. فطبع عليها رسمةً لطابع بريدي لبناني قديم، ووسمه بتوقيع بريد لندن، وأوضح: «أردت هذا المنتج بمثابة رسالةً أبعث بها من بيروت إلى لندن مع الحب. لقد رغبت في تقديم هدية صغيرة للبنان وأهله. وبالطبع توّجته بالأرزة التي تعني لي كثيراً. وإذا ما رُزقت يوماً بولد فسأطلق عليه اسم (سيدر/ أرز). فأنا مغرم بوطني الأم وأحب كل شيء فيه. والأرزة رمز من رموزه الخالدة التي تشعرني بروعة بلدي الأم».

نشر الشيف فيليب مقطعاً مصوراً لمنتجه الجديد على حسابه عبر «إنستغرام»، وأرفقه بأغنية لفيروز «أنا لحبيبي». وعلّق يقول: «أنتظر بفارغ الصبر رأيكم بطعم ابتكاري الجديد (شوكولاته بيروت)».

يخطط الشيف فيليب للترويج لهذا المنتج في مشروعات مستقبلية، فيقول: «قد أحوِّله إلى شوكولاته بأحجام صغيرة لتكون بمثابة (بونبون). وبما أن عقدي مع (هارودز) ينتهي قريباً، فإنني أخطط لافتتاح محل حلويات في لندن. وسيتصدّر هذا المنتح الحلويات فيه. كما أنني سأزور بيروت في أبريل (نيسان) المقبل للمشاركة في (صالون هوريكا) للخدمات الغذائية. وهناك سأصنع (شوكولاته بيروت) مباشرة على الأرض. فتكون فرصة تذوقه متاحةً للجميع. وأنوي إقامة مسابقة خاصة بتلامذة المدارس لصناعة ألذّ حلوى. ومَن يفوز بها فسيحصل على شهادة تقدير. فأنا من الأشخاص الذين أسهم هذا النوع من المسابقات في تنمية موهبته. فزوّدتني بفرص كثيرة أوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم. فالمسابقات تولّد عند المشاركين فيها الثقة بالنفس والخبرة وحبّ الابتكار».

سبق وتذوَّق الشيف فيليب خوري «شوكولاته دبي» وأُعجب بطعمها. ولكن ماذا عن رأيه بـ«شوكولاته بيروت»؟ يردّ: «أعمل في مجال الحلويات منذ نحو 15 عاماً، وأعرف تماماً كيفية تنسيق المذاقات لأحصل على منتج لذيذ. وعندما ركنت إلى (ماء الزهر) لم أكن أعرف كيف ستكون النتيجة مع باقي المكونات. ولكنها جاءت رائعةً كما توقعت. وعندما تذوّقها أحد أصدقائي الخبير بعالم الشوكولاته كان ردّ فعله مفاجئاً لي. وصفه بـ(الطعم الخارج عن المألوف والغامض في آن). فأهل الغرب ليسوا ملمّين كثيراً بمذاقات تتميز بها منطقتنا الشرق أوسطية. وبالتالي يجهلون الأثر الذي يتركه ماء الزهر على أي خليط يُمزَج معه. وأعتقد أن هذا المكوّن أسهم في تجميل طعم المزيج، فصنع الفرق».

يشدِّد الشيف فيليب خوري على استخدامه في صناعة هذه الشوكولاته مكونات طبيعية مائة في المائة، موضحاً: «كل ما استعملته في هذا الخليط نباتي، ولا منكهات أو مكونات مصطنعة فيه. فأنا أحرص على هذا الأمر في التحضير لجميع حلوياتي».

قريباً ينطلق الشيف فيليب خوري في رحلة مهنية من نوع آخر. وسيكون لبنان ضمن محطاته. ويوضِّح لـ«الشرق الأوسط»: «إضافة إلى محل الحلويات الذي أنوي افتتاحه في لندن، سأعمل على التنقل في بلدان عدة. ربما سأمارس التعليم في معاهد عالمية وعربية، ومن بينها دبي وأستراليا. وأخصّ لبنان بمشروع خاص لن أتحدّث عن تفاصيله اليوم».