واشنطن تفرض عقوبات على كوبا وبايدن يعتبرها «مجرد بداية»

واشنطن تفرض عقوبات على كوبا وبايدن يعتبرها «مجرد بداية»
TT

واشنطن تفرض عقوبات على كوبا وبايدن يعتبرها «مجرد بداية»

واشنطن تفرض عقوبات على كوبا وبايدن يعتبرها «مجرد بداية»

حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن من أن العقوبات التي فرضتها واشنطن على كوبا «ليست إلا البداية»، مضيفاً أن الولايات المتحدة «ستواصل فرض عقوبات على المسؤولين عن قمع الشعب الكوبي». وندّد بايدن «بشكل لا لبس فيه بالتوقيفات الجماعية والمحاكمات الصورية» التي تستهدف «أولئك الذين يجرؤون على الكلام». وفرضت الولايات المتحدة الخميس عقوبات مالية تحمل طابعاً رمزياً على وزير الدفاع الكوبي وذلك على خلفية «قمع المظاهرات السلمية والمؤيدة للديمقراطية» التي شهدتها كوبا في الآونة الأخيرة، متوعدة في الوقت نفسه بتدابير عقابية جديدة. غير أن تأثير هذه الإجراءات العقابية التي تُضاف إلى عقوبات أوسع نطاقاً تستهدف الجزيرة الكاريبية منذ عقود، محدود للغاية. وأقر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس بأن الهدف يتمثل «إلى حد كبير في بعث رسالة». وعلى غرار بايدن، شدد برايس على أن الولايات المتحدة «ستواصل درس» الإجراءات من أجل «محاسبة» المسؤولين عن القمع.
وتعهد الرئيس الأميركي، كما نقلت الصحافة الفرنسية عنه «الضغط على النظام ليُفرج فوراً عن السجناء السياسيين المعتقلين ظلماً وإعادة الوصول إلى خدمة الإنترنت والسماح للكوبيين بالتمتع بحقوقهم الأساسية».
ونزل آلاف الكوبيين في 11 و12 يوليو (تموز) إلى الشوارع في عشرات المدن والقرى، احتجاجاً على الأزمة الاقتصادية والصحية، مردّدين هتافات بينها «نحن جائعون» و«حرية» و«تسقط الديكتاتورية». وإثر هذه التجمعات التي أسفرت عن مقتل متظاهر وجرح العشرات، أوقِف نحو مائة شخص، وفق جمعيات معارضة. ووجد بايدن نفسه تحت ضغط متزايد من جانب الكونغرس والجالية الكبيرة من الأميركيين من أصل كوبي، لاتخاذ إجراءات محددة. لذلك، أعلنت وزارة الخزانة الخميس عقوبات مالية تستهدف وزير الدفاع الكوبي ألفارو لوبيز مييرا و«القبعات السود»، وهي وحدة خاصة تابعة لوزارة الداخلية نُشر عناصرها خلال المظاهرات «لقمع» المشاركين أو «مهاجمتهم». وستُجمد أي أصول لهؤلاء في الولايات المتحدة وسيُمنع عليهم من الآن فصاعداً الوصول إلى النظام المالي الأميركي. من جهتها، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في بيان إن «الشعب الكوبي يتظاهر من أجل الحقوق الأساسية التي ينبغي أن تضمنها له حكومته»، واعدة بمواصلة تطبيق العقوبات على الجزيرة لدعم «سعيها إلى الديمقراطية».
في المقابل، رفضت كوبا العقوبات التي أعلنت واشنطن الخميس فرضها على وزير دفاعها. وكتب وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز على «تويتر» أن الولايات المتحدة «يجب أن تُطبق على نفسها قانون ماغنيتسكي الشامل، بسبب أعمال القمع اليومية وعنف الشرطة التي أودت بحياة 1201 شخص عام 2020» على أراضيها. وأضاف رودريغيز «أرفض العقوبات التي لا أساس لها من الصحّة (...) التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة ضد ألفارو لوبيز مييرا واللواء الوطني الخاص»، واصفاً إياها بأنها «افتراء». ورفضت وزارة الخارجية الأميركية تحديد موعد نهائي فيما يتعلق بمسألة زيادة عدد الدبلوماسيين في كوبا، لأن من الضروري أولاً ضمان سلامتهم، في بلد ظهرت فيه «متلازمة هافانا»، في إشارة إلى «حوادث صحية» غامضة استهدفت دبلوماسيين أميركيين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟