رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد

صعوده يعكس التغييرات البنيوية التي يشهدها الحزب الجمهوري

رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد
TT

رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد

رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد

قد يكون رونالد دي سانتيس حاكم ولاية فلوريدا الأميركية في طريقه ليكون أحد أبرز الشخصيات السياسية، التي سجلت اندفاعة صاروخية قياسية في المشهد الأميركي العام، والحزب الجمهوري بشكل خاص، خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.
عام 2018 عندما كان في الأربعين من عمره، أصبح دي سانتيس أصغر حاكم ولاية في الولايات المتحدة، عبر مسيرة قادته للصعود سريعا، من خدمته العسكرية كضابط ومحامٍ في مكتب المحامي العام للبحرية الأميركية، إلى مقاعد مجلس النواب الأميركي نهاية عام 2012. وفي الفترة الأخيرة برز اسمه كأحد أبرز المرشحين، لنيابة الرئيس الأميركي، في حال ترشح الرئيس السابق دونالد ترمب في انتخابات 2024. وهو ما أوحى به في أحد خطاباته الأخيرة، أو لمنصب الرئاسة نفسها إذا أحجم ترمب عن الترشح... وهذا، بعدما تمكن من تقديم نفسه كأحد أخلص ورثة «الترمبية»، متبنيا خطابا زايد فيه على معظم «يمينيي» الجمهوريين و«وسطييهم» على حد سواء.
تمكن رون دي سانتيس سريعاً من التموضع تحت شعارات دونالد ترمب، منذ أعلن الأخير خوضه انتخابات الرئاسة الأميركية صيف العام 2015. ثم تحول إلى أحد أبرز المؤيدين لخطابه السياسي الشعبوي، المتناغم تماماً مع أفكاره ومعتقداته التي وصفت بـ«المتطرفة»، في العديد من الملفات والقضايا الخلافية التي شهدتها ولا تزال الولايات المتحدة. واليوم يقول منتقدوه إنه يدرك تماماً بأن حظوظه السياسية، سواءً في حال أراد خوض انتخابات التجديد لمنصب حاكم فلوريدا عام 2022 أو انتخابات الرئاسة عام 2024، مرهونة بعلاقته بـ«صانع الملوك» ترمب في الحزب الجمهوري.
كانت لافتة جداً اندفاعة دي سانتيس الأخيرة لتبني العديد من التشريعات المتشددة الهادفة إلى تقييد حق التصويت في ولايته وعلى المستوى الوطني. إذ دعا إلى إلغاء صناديق الاقتراع خارج مراكز الاقتراع، فضلاً عن الحد من التصويت عن طريق البريد من خلال مطالبة الناخبين بإعادة التسجيل كل عام للتصويت بالبريد والمطالبة بأن التوقيعات على بطاقات الاقتراع بالبريد «يجب أن تتطابق مع أحدث توقيع في الملف». وفي موضوع كوبا، هناك من يقول إن حرص دي سانتيس على الحفاظ على العلاقات المتوترة والقطيعة مع كوبا بشكل خاص، يعادل الاحتفاظ بولاية فلوريدا في قبضة الجمهوريين. ولذا عندما أعلن الرئيس الأسبق باراك أوباما عن إعادة العلاقات معها، مع ما كان يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل النظام الشيوعي نفسه في كوبا، كان الجمهوريون أكثر المتوترين.
- سيرته الشخصية
ولد رون دي سانتيس يوم 14 سبتمبر (أيلول) 1978 في مدينة جاكسونفيل الكبيرة بشمال شرقي ولاية فلوريدا. وهو كاثوليكي، والده رونالد دي سانتيس من أصل إيطالي ووالدته كارين روجرز. وهو متزوج من كايسي بلاك، المذيعة التلفزيونية السابقة.
انتقلت عائلته إلى مدينة أورلاندو، ثم إلى دنيدن بفلوريدا، عندما كان عمره ست سنوات. وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية عام 1997، التحق بجامعة ييل العريقة، حيث كان قائد فريق البيسبول (كرة القاعدة) في الجامعة وانضم في العام نفسه إلى أخوية دينية كاثوليكية. وبعد التخرج في جامعة ييل عام 2001 بدرجة البكالوريوس في التاريخ بامتياز مع مرتبة الشرف، أمضى سنة علم للتاريخ في إحدى المدارس، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، العريقة أيضاً، وتخرج فيها عام 2005 مجازاً في القانون بامتياز.
وعام 2004 تلقى دي سانتيس دورة ضابط احتياط بحري، وعين في فيلق المحامي العام في مركز الاحتياط البحري الأميركي في مدينة دالاس بولاية تكساس، بينما كان لا يزال طالبا في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وأكمل مدرسة العدل البحرية في 2005. وفي وقت لاحق من ذلك العام، عين مدعيا عاما في مكتب خدمة القيادة الجنوبية الشرقية في القاعدة البحرية «ماي فورت» بفلوريدا.
وفي عام 2006 رقي دي سانتيس إلى رتبة ملازم حيث عمل مع قائد «قوة المهام المشتركة» في قاعدة غوانتانامو، وعمل مباشرة مع المحتجزين في المعتقل. وعام 2007 عين مستشاراً قانونيا للقوات الأميركية الخاصة «نافي سيل» المنتشرة في الفلوجة في العراق، حيث خدم لمدة سنة، ليعين مجددا بعد عودته من العراق في الخدمة القانونية للمنطقة البحرية الجنوبية الشرقية.
بعدها، عينته وزارة العدل كمساعد المدعي العام الأميركي في المنطقة الوسطى بفلوريدا، ثم محامي دفاع للمحكمة حتى تسريحه من الخدمة الفعلية في فبراير (شباط) 2010. وحصل خلال هذه المسيرة على وسام النجمة البرونزية، وميدالية تكريم سلاح البحرية وميدالية الحرب العالمية على الإرهاب وميدالية الحملة العراقية.
- مسيرته في الكونغرس
سجل دي سانتيس في مجلس النواب يشهد بالتزامه السياسي اليميني، إذ تبنى عام 2017 تشريعاً يلغي القيود على الرئيس لمنعه من إقالة المستشارين الخاصين، مستهدفاً المستشار روبرت مولر الذي حقق في تدخل روسيا بالانتخابات. وقبل ذلك عام 2016 تبنى تشريعاً يلزم وزارة العدل على تقديم تقارير ولوائح إلى الكونغرس، في حال امتنعت أي وكالة فيدرالية عن إنفاذ القوانين تقديمها لأي سبب من الأسباب، مستهدفاً الرئيس الأسبق باراك أوباما. أيضاً، تبنى عام 2018 تشريعاً يدعو إلى تقييد فرض ضرائب جديدة، خصوصاً على الشركات، يتضمن تصويت الغالبية العظمى لإبطاله، وعارض السماح للبالغين الأصحاء الذين ليس لديهم أطفال الحصول على خدمات برنامج الرعاية الصحية «ميديكيد».
أيضاً تبنى دي سانتيس تشريعاً يدعم الذين يحملون تراخيص بحمل أسلحة نارية بعرضها علانية بدلا من إخفائها. وبينما شجع عمداء الشرطة المحليون في فلوريدا، على التعاون مع الحكومة الفيدرالية في القضايا المتعلقة بالهجرة، عارض بقوة مشروع «داكا» الخاص بالمهاجرين «الحالمين» الذين قدموا إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية عندما كانوا أطفالا. ووقع في يونيو (حزيران) 2019 قانونا يفرض على الشركات استخدام برنامج التأكد «إي فيريفاي»، الذي يفرض حظرا على مستوى الولاية لحماية الملاذات الآمنة للمهاجرين غير الشرعيين، علما بأن ولاية فلوريدا ليس لديها تشريعات من هذا القبيل، ما دعا المدافعين عن الهجرة إلى القول إن القانون دوافعه سياسية.
وهكذا، باختصار شديد يمثل دي سانتيس نموذجا مثاليا للشخصيات السياسية الإشكالية التي تتصارع، سواء مع الطبقة السياسية التقليدية داخل الحزب الجمهوري نفسه، أو مع الحزب الديمقراطي وتياراته المختلفة. وصعوده السياسي قد يشكل مثالا صارخا عن التغيير البنيوي الذي يمر به الحزب الجمهوري، الذي بات يطلق عليه اليوم «حزب ترمب»، مبتعدا عن وسطيته وتقاليده السياسية التي وفرت للحياة السياسية الأميركية توازنا دقيقا، ما قد يهدد بنمو قوى التطرف السياسي في المقلب الآخر، مع قيادات يسارية راديكالية باتت تفرض يوما بعد يوم حضورها القوي، رغم انضباطها حتى الآن تحت سقف المحصلة العامة لدى الديمقراطيين.
- نحو منصب الحاكم
عام 2012، أعلن درون ي سانتيس أنه سيخوض الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عن الدائرة السادسة لمجلس النواب في فلوريدا، حيث فاز على 6 مرشحين جامعاً 39 في المائة من الأصوات، ثم هزم مرشحة الحزب الديمقراطي هيذر بيفن في الانتخابات العامة بنسبة 57 مقابل 43 في المائة. وبقي في منصبه حتى العام 2018 ليترشح على منصب حاكم الولاية في ذلك العام.
خلال حملة انتخابات عام 2016 أعلن دي سانتيس ترشحه لمنصب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، بعدما ترشح السيناتور الجمهوري من أصل كوبي ماركو روبيو لمنصب الرئاسة الأميركية في مواجهة دونالد ترمب. ولكن بعد خسارته الانتخابات التمهيدية أمام ترمب، أعلن روبيو نيته الترشح مجدداً لمجلس الشيوخ، الأمر الذي أجبر دي سانتيس على الانسحاب من السباق، بضغط من الحزب الجمهوري الذي كان يخشى تشتت أصوات الناخبين، وخصوصاً الكتلة اللاتينية ذات الأغلبية الكوبية، ما قد يعرضهم لخسارة مقعد عزيز في «ولاية جمهورية». ومجدداً، اختار دي سانتيس الترشح مجددا لمقعده النيابي في مجلس النواب حيث غدا واحدا من أشد مناصري ترمب.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن ترمب أنه سيدعم دي سانتيس إذا ترشح لمنصب حاكم ولاية فلوريدا. وبالفعل، في يناير (كانون الثاني) 2018، أعلن دي سانتيس ترشحه لخلافة الحاكم الجمهوري المنتهية ولايته ريك سكوت. وخلال الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، شدد دي سانتيس على دعمه لترمب، عرض مقطعاً انتخابياً مصوراً يظهر فيه كيفية تعليم أطفاله «بناء الجدار» مع المكسيك. وردد شعار «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، كما ألبس أحد أبنائه قبعة حمراء مطبوعا عليها ذلك الشعار.
وفي أغسطس (آب) 2018 ربح الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لمنصب الحاكم، ليفوز في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) على منافسه الديمقراطي الأسود أندرو غيلوم، عمدة مدينة تالاهاسي، بعد إعادة فرز الأصوات. إلا أنه أثار لغطاً كبيراً لكلمات قالها زعم أنها عنصرية، حين قال إن «آخر شيء علينا القيام به هو محاولة رفع قرد يتبنى أجندة اشتراكية وزيادات ضريبية ضخمة وإفلاس الولاية». واعتبرت كلمة «قرد» عبارة عنصرية، لكون خصمه غيلوم أميركياً أسود من أصل أفريقي. وحظي الحادث بتغطية إعلامية واسعة، نفى بعدها دي سانتيس أن يكون تعليقه قد تعمد توجيه إشارات عنصرية.
وبعد ثلاثة أيام من تأديته اليمين الدستورية في 8 يناير 2019، أصدر عفواً عن أربعة رجال سود أدينوا زورا بالاغتصاب عام 1949، لينفي عنه تهمة العنصرية. ولكن في الأسبوعين الأولين له في المنصب، عين 3 قضاة، هم باربرا لأجوا وروبرت جيه لوك وكارلوس جي مونييز، لملء الشواغر الثلاثة في المحكمة العليا في فلوريدا، ما أدى إلى تحويل غالبية المحكمة من ليبرالية إلى محافظة.
- مواقفه من كوفيد ـ 19
لعل المبارزات السياسية الأكثر إثارة للجدل التي خاضها دي سانتيس، هي تلك المتعلقة بالتعامل مع جائحة كوفيد19. إذ قرر في مارس 2020، ألا يعلن حال الطوارئ في فلوريدا. وبعد إلغاء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عام 2020 في مدينة تشارلوت في أعقاب النزاع بين ترمب وحاكم ولاية نورث كارولينا روي كوبر، بسبب اعتراض الأخير على تنظيم تجمع كبير بغياب «بروتوكولات» للصحة العامة لمنع انتشار الفيروس. أطلق دي سانتيس حملة ناجحة لجعل مدينة جاكسونفيل في فلوريدا مكاناً بديلاً للمؤتمر، متنافسا مع ولايات جمهورية أخرى هي تينيسي وجورجيا. ولكن في النهاية، تقرر إلغاء الحدث بأكمله لصالح التجمعات عبر الإنترنت والتلفزيون.
ووفقاً لصحيفة «صن سنتينال»، فإن الرجل الذي يدين بمنصبه إلى الدعم المبكر من ترمب، فرض نهجا يتماشى مع آرائه وقاعدته القوية من مؤيديه. فلقد رفض دي سانتيس تنفيذ قرار ارتداء الكمامات الفيدرالي في ولايته، وتأخر في تطبيق قرار البقاء في المنازل «لأن الرئيس ترمب لم يصدر قراراً بعد»، في الوقت الذي كانت فلوريدا واحدة من أكثر المراكز العالمية التي ينتشر فيها الفيروس، حيث اتهم بتهميش خبراء الصحة والعلماء. وإبان حملة إعادة انتخاب ترمب، عمل على مساعدته في الفوز بفلوريدا، حيث حضر تجمعاته من دون ارتداء الكمامة، خلافاً لتوجيهات الصحة العامة في ذلك الوقت.
- سياسي يميني محافظ
كسياسي محافظ، يتبنى دي سانتيس مواقف يمينية تتراوح من معارضته الإجهاض وموانع الحمل، إلى «خفض الإنفاق بدلا من زيادة الضرائب لتقليل العجز في الميزانية الفيدرالية وتقليص حجم الدولة لتحفيز النمو الاقتصادي». وحقاً، صوت لمصلحة قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017. وقال إن مشروع القانون سيؤدي إلى «معدل ضرائب أقل بشكل كبير» و«إنفاق كامل للاستثمارات الرأسمالية» وضمان المزيد من الوظائف لأميركا.
أخيراً يعارض دي سانتيس برامج التعليم الفيدرالية مثل قانون «عدم ترك أي طفل وراء الركب»، بحجة أن سياسة التعليم يجب أن تقر على المستوى المحلي. وفي يونيو الماضي، قاد دي سانتيس جهدا لحظر تدريس نظرية العرق النقدي في المدارس العامة في فلوريدا، رغم أنها لم تكن أبدا جزءا من المنهج الدراسي في الولاية. وفي المقابل، قدم مواد جديدة لتعليم التربية المدنية، بما في ذلك دروس حول «شر الأنظمة الشيوعية والشمولية»، ما دعا منتقدو القانون، بما في ذلك جمعية فلوريدا التعليمية، إلى القول إنه سيكون له «تأثير مخيف على الحرية الفكرية والأكاديمية»، وأن مشاريع القوانين صممت لترهيب المعلمين وقمع التبادل الحر للأفكار.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.