الفيضانات تفضح هشاشة العالم أمام التغير المناخي

بحيرة ميد القريبة من سد هوفر على نهر كولورادو في أريزونا... وناقش الكونغرس الأميركي تخصيص 26 مليار دولار من أجل إصلاح السد (أ.ب)
بحيرة ميد القريبة من سد هوفر على نهر كولورادو في أريزونا... وناقش الكونغرس الأميركي تخصيص 26 مليار دولار من أجل إصلاح السد (أ.ب)
TT

الفيضانات تفضح هشاشة العالم أمام التغير المناخي

بحيرة ميد القريبة من سد هوفر على نهر كولورادو في أريزونا... وناقش الكونغرس الأميركي تخصيص 26 مليار دولار من أجل إصلاح السد (أ.ب)
بحيرة ميد القريبة من سد هوفر على نهر كولورادو في أريزونا... وناقش الكونغرس الأميركي تخصيص 26 مليار دولار من أجل إصلاح السد (أ.ب)

تقول دراسة نشرت يوم 30 يونيو (حزيران) في دورية «جيوفيزيكال ريسيرش لترز» إن من المرجح أن يؤدي التغير المناخي في أوروبا إلى زيادة عدد العواصف الضخمة بطيئة الحركة التي يمكن أن تستمر لفترة أطول في منطقة واحدة وتتسبب في أمطار شديدة الغزارة مثل ما شهدته ألمانيا وبلجيكا من أمطار. وقلبت الفيضانات القاتلة مظاهر الحياة رأسا على عقب في كل من الصين وألمانيا وأصبحت تذكارا حيا أن التغير المناخي يتسبب في ظواهر جوية أكثر تطرفا في مختلف أنحاء العالم. إذ سقط أكثر من 160 قتيلا في ألمانيا و31 قتيلا في بلجيكا الأسبوع الماضي لتؤكد على أنه سيكون من الضروري إجراء تغييرات كبيرة للاستعداد لمثل هذه الأحداث مستقبلا. وقال إدواردو أرارال الأستاذ المساعد والمدير المشارك بمعهد سياسات المياه بكلية لي كوان يو للسياسات العامة في سنغافورة: «على الحكومات قبل كل شيء أن تدرك أن البنية التحتية التي أقامتها في الماضي أو حتى الوحدات الحديثة ضعيفة في مواجهة هذه الأحداث الجوية المتطرفة». وقد نشرت اللجنة الدولية للسدود الكبيرة منذ فترة وجيزة إعلانا عالميا بشأن أمن السدود موجّها إلى السلطات العامة ومؤسسات التمويل في ظلّ تزايد المخاطر المحدقة بالسدود وإقدام مزيد من البلدان على تشييدها. ولا بدّ من تعزيز تدابير الاحتياط، لا سيّما في البلدان النامية. وقد صُممت السدود بحيث تقاوم الارتفاع الشديد في منسوب المياه منذ مئات السنين. غير أن التغير المناخي بات يغير المعادلة. وفي الصين وشمال غربي أوروبا وقعت كارثتان بعد فترة أمطار غزيرة على غير العادة تعادل في حالة الصين انهمار كمية الأمطار التي تهطل عادة في عام خلال ثلاثة أيام.
ويشكّل ارتفاع منسوب مياه المجاري المائية الخطر الأكبر على أمن السدود في العالم نظراً إلى كونها معرّضة لتداعيات الاختلال المناخي، بحسب ما يؤكد ميشال دي فيفو الأمين العام للجنة الدولية للسدود الكبيرة في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية. وتضمّ هذه الجمعية التي أسِسَت سنة 1928 علماء من 104 بلدان أعضاء. وهي أحصت حوالي 60 ألف سدّ كبير في العالم (يتخطّى ارتفاعها 15 مترا أو أنها تحتبس أكثر من ثلاثة ملايين متر مكعّب من المياه)، نصفها تقريبا في الصين.
وقال دي فيفو إن الخطر الأبرز يكمن في المياه أكثر منه في الهزّات الأرضية. فعندما ترتفع المياه إلى الجزء غير المغمور من السدّ، تتغلغل فيه وتلحق أضرارا بأسس المنشأة وقد تطيح بها في نهاية المطاف. وفي أوروفيل في كاليفورنيا، تمّ إجلاء 180 ألف شخص سنة 2017 إثر تضّرر آلية تفريغ فيض المياه في أعلى سدّ في الولايات المتحدة. ويشتدّ الخطر خصوصا بالنسبة إلى السدود الركامية (الترابية)، وهي الأكثر شيوعا في العالم، من قبيل سدّ أسوان المصري. وقد أقيمت السدود الحديثة في المناطق الجبلية في الصين بتقنية الخرسانة المضغوطة التي تتيح توفير المواد والتسريع في التشييد. ويُعدّ الصينيون والإسبان رائدين في هذا المجال. ويضيف في المقابلة أنه يمكن الحدّ من هذا الخطر من خلال المراقبة المتواصلة للمنشأة ومحيطها بواسطة مجموعة أدوات تقيس مدى تنقّل مكوّناتها. وأغلبية الهيكليات المشيّدة منذ سبعينات القرن الفائت مجهّزة بأدوات من هذا النوع.
وتتيح هذه المراقبة أيضا الاستمرار في تشغيل السدّ، حتّى عند رصد ثغرة. فالثغرات التي لا يتخطّى حجمها بضعة سنتمترات لا تعيق كثيرا عمل السدود، إذ لا بدّ من أن يكون السدّ قد تضرّر بشدّة كي ينهار. ويوصى أيضا بالاستعانة بخبراء في الهندسة المدنية للكشف بانتظام على هذه المنشآت، كون الخطر الأبرز يكمن في صعوبة استباق حدوث ارتفاع في منسوب المياه. فكمّيات المياه لا تتزايد بالضرورة لكن التقلّبات باتت أكثر شدّة، مع فترات جفاف أكثر طولا وارتفاع أكثر حدّة في مستوى المياه.
ولا بدّ من مراجعة التوقعات المحلية بالنسبة إلى كلّ سدّ، إن توافرت. ومن شأن هذه الخطوة أن تساعد على تعزيز قواعد الإدارة وتكييفها. وقال فريد هاترمان من معهد بوتسدام لبحوث أثر المناخ: «نحتاج لتدابير تقنية وتدعيم السدود وحواجز الفيضانات. لكننا نحتاج أيضا لإعادة تصميم المدن». وأضاف أن ثمة تركيزا متزايدا على ما يطلق عليه إجراءات «التكيف الأخضر» مثل مناطق تصريف المياه والسهول التي يمكن غمرها بالماء من أجل تقليل سرعة جريان المياه. وتابع، كما نقلت عنه «رويترز»: «لكن عندما تهطل الأمطار بغزارة شديدة حقا فربما لا يفيد كل ذلك. ولذا علينا أن نتعلم العيش معها».
وتدعيم السدود وإقامة المباني والطرق والبنية التحتية المدنية التي تتحمل الظروف المناخية سيتكلف المليارات. غير أن ثمن الامتناع عن أخذ أي خطوات اتضح من خلال لقطات الهواتف المحمولة لأفراد يكافحون في محطات مترو الأنفاق الغارقة التي وصلت فيها المياه إلى صدور الناس في تشنغتشو في الصين أو الصراخ خوفا من الطين والركام الذي جرفته المياه عبر بلدات ألمانية يرجع تاريخها إلى العصور الوسطى.
قال كوه تيه يونغ خبير الطقس والمناخ بجامعة العلوم الاجتماعية في سنغافورة إن من الضروري إجراء تقييم عام للأنهار وشبكات المياه في المناطق المعرضة للتأثر بالتغير المناخي بما في ذلك المدن والمناطق الزراعية. وأضاف «الفيضانات تحدث عادة بسبب عاملين معا الأول هطول أمطار أغزر من المعتاد، والثاني عدم كفاية القدرة الاستيعابية للأنهار في تصريف مياه الأمطار الإضافية المتجمعة».


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
أميركا اللاتينية أطفال يمشون على شريط رملي في طريقهم إلى المدرسة في مجتمع سانتو أنطونيو في نوفو أيراو، ولاية أمازوناس، شمال البرازيل، 1 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

الجفاف في منطقة الأمازون يعرّض نحو نصف مليون طفل للخطر

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يوم الخميس، إن ندرة المياه والجفاف يؤثران على أكثر من 420 ألف طفل في 3 دول بمنطقة الأمازون.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الولايات المتحدة​ جيف بيزوس مؤسس شركة «أمازون» (رويترز)

جيف بيزوس يهنئ ترمب على «العودة غير العادية... والنصر الحاسم»

هنأ جيف بيزوس، مؤسس شركة «أمازون»، دونالد ترمب على «العودة السياسية غير العادية والنصر الحاسم» بعد فوز المرشح الجمهوري بالإنتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص خلال مشاركة «أمازون» في مؤتمر «ليب 24» وإعلانها عن استثمارات ضخمة في السعودية (الشرق الأوسط)

خاص «أمازون»: السعودية والإمارات الأسرع نمواً في التجارة الإلكترونية

كشف مسؤول في شركة «أمازون» أن المنطقة تشهد تطورات مهمة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، مؤكداً أن السعودية والإمارات هما أسرع الأسواق نمواً.

عبير حمدي (الرياض)
خاص كاميرا «بان تيلت» أول كاميرا داخلية من «أمازون» تدور بزاوية 360 درجة وتميل بزاوية 169 درجة (أمازون)

خاص الكاميرات الذكية أمْ «سي سي تي في»... كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي معايير الأمان المنزلي؟

لا تُعد الكاميرات الذكية مجرد موضة عابرة، بل ضرورة في المنازل الحديثة.

نسيم رمضان (دبي)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».