اختبار جديد لـ«واقعية» الكاظمي في واشنطن

الأميركيون يريدون المزيد لردع الفصائل المسلحة

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
TT

اختبار جديد لـ«واقعية» الكاظمي في واشنطن

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)

‏قبل نحو أسبوع، تحدث جوي هود، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي، خلال منتدى افتراضي، عن حالة العراق وتعقيدات «تثبيت الاستقرار في وجود الميليشيات المدعومة من إيران». وقال إن «عليها تركنا، والعراقيين، وشأننا»، وإن بلاده «ليست في حالة حرب معها».
وإلى حد ما؛ فإن المفهوم الذي يسوقه هود عن الشراكة مع العراق، يستخدمه الإيرانيون في وصف علاقتهم مع هذا البلد، في المصالح المشتركة معه التي تقتضي «مناهضة المشروع الأميركي» في المنطقة، في لحظة اشتباك نادرة ترفع الضغط أكثر على حكومة بغداد، وتقلل فرصها في اعتماد استراتيجية مستقلة بشأن الوضع الإقليمي والدولي.
ومع نشر هذا التحليل الإخباري، سيكون رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في طريقه إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، وإنجاز الجولة الرابعة من «الحوار الاستراتيجي»، والذي يشمل جدولاً منوعاً، لكن التركيز والجدل ينصب على جدولة انسحاب القوات القتالية من البلاد.
وحين يلتقي الرئيسان، سيكون عليهما التحدث بصراحة عن مسارات البلدين المتقاطعة بشأن الصراع مع إيران والتغييرات التي طرأت على ملف العراق منذ لقاء الكاظمي الرئيس السابق دونالد ترمب، في أغسطس (آب) 2020.
ويذهب الكاظمي إلى البيت الأبيض ومن خلفه مشهد محتدم مع الفصائل المسلحة التي تكتسب نفوذاً ميدانياً وسياسياً، بشكل متسارع، من دون أي مؤشرات على وجود سياسة حكومية واضحة لردع الجماعات الخارجة عن القانون، وفرض إرادة المؤسسات الحكومية على مرافق حيوية من الدولة.
ونقلت «الشرق الأوسط»، الأسبوع الماضي، عن مسؤولين أميركيين مقربين من إدارة بايدن، أجواءً «خائبة» من أداء رئيس الوزراء العراقي، ذلك أن «عليه فعل المزيد لردع الفصائل المسلحة»، في حين يقول صناع قرار فاعلون في بغداد إن «الكاظمي شخص واقعي جداً، وإن سياسة الاحتواء التي يعتمدها أكثر فاعلية من فتح جبهة عريضة من العنف».
وتخوض غرف صناعة القرار في بغداد وواشنطن في أسئلة افتراضية عمّا يمنع الكاظمي من القيام بما هو أكثر من «الاحتواء»، التي تطمئن، بحسب دبلوماسيين أميركيين، الفصائل العراقية إلى أن أفعالها الخارجة عن القانون لن تنتهي إلى المساءلة والعقاب، وفق القانون.
والحال أن الكاظمي وفريقه الحكومي يتمركزون في مساحة نفوذ ضئيلة داخل الخريطة السياسية والميدانية في البلاد، وأن ما يقوم به هو أقصى الممكنات المتاحة بين يديه.
ويقول ضابط عراقي رفيع لـ«الشرق الأوسط» إن «المواجهة بين الطرفين غير ممكنة، وإن نفوذ الفصائل يبدأ حرفياً من المنطقة الخضراء».
واستمعت «الشرق الأوسط»، الأسبوع الماضي، إلى تقييمات من ضباط في الجيش العراقي، ودبلوماسيين غربيين، ومسؤولين حزبيين رفيعي المستوى، لاحتمالات المواجهة بين الحكومة والفصائل، وتقاطعت جميعها على «استحالة فتح هذه الجبهة، نظراً لقدرات الفصائل على الأرض، وداخل المؤسسات الرسمية وخارجها».
وبحسب معلومات ميدانية؛ فإن 50 ألف مسلح من الفصائل بحوزتهم نحو 52 ألف قطعة من السلاح الخفيف، و25 ألفاً من السلاح المتوسط، و8 آلاف من السلاح الثقيل، لا تشمل الصواريخ الإيرانية الجديدة من نوع «آرج» التي يصل مداها إلى نحو 700 كيلومتر.
ومع ذلك، فإن حساب المواجهة بين الحكومة والفصائل لا يجري قياسه بالأرقام فحسب؛ إذ يقول الضابط العراقي الرفيع إن «حساب المواجهة متعلق كثيراً مع بنية القوات الأمنية، إذ يصعب فرز الانتماءات المركبة مع الفصائل في لحظة الاشتباك».
ويبدو أن الأميركيين يدركون تماماً المعادلة الصعبة في العراق، فالجنرال كينيث ماكينزي؛ قائد «القيادة المركزية الأميركية»، كان شديد القرب من التفاصيل الميدانية للعراق، وقد وفر سيلاً من البيانات والمعلومات عما يواجه العراق مع الفصائل المسلحة.
لكن بغداد تواصل الرهان على «مبدأ الحوار» في تحقيق الحد الأدنى من التهدئة. وأخيراً؛ دعا فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، إيران إلى التدخل لوقف الهجمات على البعثات الدبلوماسية... «التدخل لمنع الفصائل التي تدعي الارتباط بكم عقائدياً».
«لا يبدو ذلك كافياً»؛ يقول دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» إن الكاظمي عليه «ابتكار حلول أخرى، وأن يتحلى بشجاعة أكبر»، كان هذا قبل يومين فقط من أن تحط طائرة رئيس الوزراء العراقي في واشنطن.
ورغم ذلك، فإن موقف البيت الأبيض يتجه إلى مواصلة دعم الكاظمي، لاعتبارات موضوعية؛ أهمها أنه «شخص مستقل لا يوالي إيران كما كان الوضع مع سلفه عادل عبد المهدي»، وأن فرصة تحقيق معادلة أكثر استقراراً لا تزال متاحة، كما تقول مصادر دبلوماسية أميركية؛ تزعم أن بايدن «سيشجع الكاظمي خلال لقائه المرتقب على فعل المزيد».



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».