لبنان ينزلق إلى «الحالة الفنزويلية» مع اجتياح الغلاء للأمن المعيشي

التكلفة الشهرية لغذاء الأسرة ترتفع إلى 3.5 مليون ليرة

أعاد تدهور الوضع المعيشي اللبنانيين إلى الشارع (د.ب.أ)
أعاد تدهور الوضع المعيشي اللبنانيين إلى الشارع (د.ب.أ)
TT

لبنان ينزلق إلى «الحالة الفنزويلية» مع اجتياح الغلاء للأمن المعيشي

أعاد تدهور الوضع المعيشي اللبنانيين إلى الشارع (د.ب.أ)
أعاد تدهور الوضع المعيشي اللبنانيين إلى الشارع (د.ب.أ)

لم تترك الوقائع الميدانية المتوالية في أسواق الاستهلاك مجالاً للشك بأن لبنان انزلق فعلياً إلى الحالة الفنزويلية في مكابدة سكانه لموجات غلاء جديدة هي أقرب إلى «التسونامي»، في ظل إدخال السلع الأساسية، باستثناء الطحين ولوائح منتقاة من الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة والمستعصية، إلى أتون التسعير بالدولار الذي يحطم يومياً مستوياته القياسية إزاء العملة الوطنية.
وتكتسب مؤشرات موجات الغلاء المتزايدة وتفاقمها إلى «التضخم المفرط»، صدقية من خلال جنون أسعار أغلب المواد الغذائية والاستهلاكية بنسب تراوحت بين 50 و100% خلال الشهر الحالي وحده، بما فيها المواد المنتجة محلياً كالألبان والأجبان والبيض واللحوم بأصنافها كافة والخضراوات والفواكه وغيرها من الاحتياجات اليومية والملحّة للأسر، فيما طاول ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تعدت نسبته 14 ضعفاً على السعر الرسمي لليرة، أسعار السلع المستوردة غذائية كانت أم مستهلكة.
ولا تقتصر مخاوف المستهلكين على التداعيات المحققة حتى الساعة، إذ تعلو، بحدة غير مسبوقة، الهواجس في أوساطهم من «الآتي الأعظم»، ربطاً برفع الدعم الكلي والجزئي، خلال أسابيع قليلة، عن المشتقات النفطية من بنزين وديزل وغاز منزلي، وتخصيص مبلغ لا يزيد على 40 مليون دولار شهرياً لتمويل دعم الدواء وحليب الأطفال ومستلزمات طبية تتصف بالضرورة القصوى، بسبب نفاد احتياطي العملات الصعبة في البنك المركزي وتلويح جمعية المصارف باللجوء إلى إجراءات للحؤول دون المس بالاحتياطي الإلزامي من الدولة أو المصرف المركزي.
وقدر التقرير الدوري الأحدث الصادر أمس عن مرصد الأزمة التابع للجامعة الأميركية في بيروت، أنه ووفقاً لمحاكاة أسعار المواد الغذائية في النصف الأول من شهر يوليو (تموز) 2021، فإن كلفة الغذاء بالحد الأدنى لأسرة مكونة من 5 أفراد أصبحت تتطلب شهرياً أكثر من 3.5 مليون ليرة، من دون احتساب كلفة المياه والغاز والكهرباء، وهي بدورها في ارتفاع باهظ».
ورغم إغفال أبواب إنفاق تتصف بالضرورات المعيشية، فقد استنتج المرصد بناءً على هذه التقديرات، وبشكل أوّلي، أن موازنة الأسرة لتأمين غذائها فقط يتعدى نحو خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور. وبذلك ستجد الأكثرية الساحقة من الأسر في لبنان صعوبة في تأمين قوتها بالحد الأدنى المطلوب من دون دعم عائليّ أو أهليّ أو من دون مساعدة مؤسسات الإغاثة، علماً بأن بيانات إدارة الإحصاء المركزي تُظهر أن نحو 72% من الأسر في لبنان لا تتعدى مداخيلها 2.4 مليون ليرة شهرياً، مما يعني أن هذه الأكثرية الشعبية وقعت حكماً في عجوزات مالية مفتوحة على تراكم يتعذر تعويضه، رغم اللجوء إلى التقشف الشديد في إدارة المصاريف الشهرية.
وبشأن الارتفاع الجنوني لموجة الغلاء التي تطاول الضرورات المعيشية اليومية، رصد التقرير صعود أسعار سلع غذائية أساسية بأكثر من 50% في أقل من شهر. مما يؤشر الارتفاع المتصاعد والأسبوعي لأسعار المواد الأساسية إلى بداية انزلاق لبنان نحو التضخم المفرط. وهو الوصف المطابق للحالة الفنزويلية التي تقود هذا المؤشر عالمياً، مع توقع تعزيز تموضع لبنان في المرتبة الثانية هذا العام، بعدما تخطى سريعاً منافسيه الأقرب وفي مقدمهم زيمبابوي وسوريا.
فاستناداً إلى مقارنة مؤشر أسعار الاستهلاك خلال السنتين الماضيتين، يكشف المرصد جانباً من الآثار المترتبة على الارتفاعات الكبيرة في كلفة الغذاء والحاجات الأساسية، حيث زادت أسعار 10 سلع غذائية أساسية أكثر من 700% على مدار سنتين، أي قبل الانهيار المالي والاقتصادي. والموجع في هذه المقارنة أنها تركز على ما تحتاج إليه الأسر كمكونات أساسية في غذائها كالخضراوات والحبوب والألبان، ولحم البقر والبيض والزيت. حتى الخبز العربي الذي يُفترض أنه مدعوم عبر دعم استيراد القمح والطحين على سعر الصرف الرسمي ارتفع ثمنه 233% منذ شهر مايو (أيار) من العام الماضي.
وتكمن المخاوف الأكثر ألماً في حقيقة ارتفاع حدة المخاطر الجدية على حياة الأطفال وأمنهم الغذائي جراء الغلاء من جهة وفقدان الحليب المعلب للمواليد الجدد وحتى عمر السنتين من جهة موازية، مما سيدفع قدماً بأرقام تقرير منظمة «يونيسيف» السابقة التي قدّرت أن 30% من أطفال لبنان ينامون ببطون خاوية، علماً بأن البلاد لم تبلغ بعد عصف الأزمة العميقة في حدها الأقصى، وهو ما حذرت منه خلاصات الدراسة، منوهة إلى أن الوصول إلى يوم تتغير الأسعار فيه بين الصباح والمساء ليس مستحيلاً «في ظل تغيب القرار السياسي للتعاطي المسؤول مع الأزمات، والتباطؤ في إطلاق البطاقة التمويلية، وعدم وضع خطة إنقاذ وتعافٍ، والاستمرار في زيادة حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق وبلا ضوابط».



هوكستين: القوات الإسرائيلية ستنسحب قبل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

هوكستين: القوات الإسرائيلية ستنسحب قبل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

أكد المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، الأربعاء، أن القوات الإسرائيلية ستنسحب من المناطق الجنوبية قبل انتشار الجيش اللبناني، وذلك غداة إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وأضاف هوكستين في تصريحات تلفزيونية لوسائل إعلام لبنانية: «(حزب الله) انتهك القرار 1701 لأكثر من عقدين وإذا انتهك القرارات مجدداً سنضع الآليات اللازمة لذلك».

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس، وقفاً لإطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» دخل حيّز التنفيذ في الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلّي.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الاتفاق سيسمح لبلاده التي ستحتفظ «بحرية التحرّك» في لبنان، وفق قوله، بـ«التركيز على التهديد الإيراني»، وبـ«عزل» حركة «حماس» في قطاع غزة.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن اتفاق وقف النار في لبنان يجب أن «يفتح الطريق أمام وقف للنار طال انتظاره» في غزة.

وأعلن الجيش اللبناني، اليوم، أنه بدأ نقل وحدات عسكرية إلى قطاع جنوب الليطاني، ليباشر تعزيز انتشاره في القطاع، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي بدأ سريانه منذ ساعات.

وقال الجيش في بيان إن ذلك يأتي «استناداً إلى التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار (1701) الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة، والالتزامات ذات الصلة، لا سيما ما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وأضاف أن الوحدات العسكرية المعنية «تجري عملية انتقال من عدة مناطق إلى قطاع جنوب الليطاني؛ حيث ستتمركز في المواقع المحددة لها».

وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي قد أعلن في وقت سابق أن لبنان سيعزز انتشار الجيش في الجنوب في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال ميقاتي بعد جلسة حكومية إن مجلس الوزراء أكّد الالتزام بقراره «رقم واحد، تاريخ 11/10/2014، في شقه المتعلق بالتزام الحكومة اللبنانية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701... بمندرجاته كافة لا سيما فيما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وطالب في الوقت نفسه «بالتزام العدو الإسرائيلي بقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من كل المناطق والمواقع التي احتلها، تنفيذا للقرار 1701 كاملا».

وأرسى القرار 1701 وقفا للأعمال الحربية بين إسرائيل و«حزب الله» بعد حرب مدمّرة خاضاها في صيف 2006.

وينصّ القرار كذلك على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.وأعرب ميقاتي في الوقت نفسه عن أمله بأن تكون الهدنة «صفحة جديدة في لبنان... تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية» بعد عامين من شغور المنصب في ظلّ الخلافات السياسية الحادة بين «حزب الله» حليف إيران، وخصومه السياسيين.

من جهته، دعا رئيس البرلمان اللبناني وزعيم حركة أمل نبيه بري النازحين جراء الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، للعودة إلى مناطقهم مع بدء سريان وقف إطلاق النار. وقال في كلمة متلفزة «أدعوكم للعودة إلى مسقط رؤوسكم الشامخة... عودوا إلى أرضكم التي لا يمكن أن تزداد شموخاً ومنعة إلا بحضوركم وعودتكم إليها».ودعا كذلك إلى «الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية» بعد عامين من شغور المنصب.

ومن المنتظر أن تتولى الولايات المتحدة وفرنسا فضلاً عن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وقال هوكستين إن بلاده ستدعم الجيش اللبناني الذي سينتشر في المنطقة. وأكد: «سندعم الجيش اللبناني بشكل أوسع، والولايات المتحدة هي الداعم الأكبر له، وسنعمل مع المجتمع الدولي جنبا إلى جنب».