تعثر الميزانية يعيد «شبح الانقسام» إلى ليبيا

استبعاد تمريرها بوضعها الحالي لقرب انتهاء ولاية الحكومة

جانب من جلسة مناقشة الميزانية الأسبوع الماضي (مجلس النواب الليبي)
جانب من جلسة مناقشة الميزانية الأسبوع الماضي (مجلس النواب الليبي)
TT

تعثر الميزانية يعيد «شبح الانقسام» إلى ليبيا

جانب من جلسة مناقشة الميزانية الأسبوع الماضي (مجلس النواب الليبي)
جانب من جلسة مناقشة الميزانية الأسبوع الماضي (مجلس النواب الليبي)

تباينت آراء الكثير من السياسيين في ليبيا حول مدى إمكانية إقرار مجلس النواب للميزانية العامة التي تقدمت بها حكومة عبد الحميد الدبيبة منذ أبريل (نيسان) الماضي، ولم تحصل على الموافقة حتى الآن. ففيما دفع البعض بأن البرلمان سيصوت عليها عقب عطلة عيد الأضحى، تخوف عدد من النواب من أن «يفتح الوضع الراهن الباب لحرب جديدة أكثر شراسة تتمحور حول السيطرة على مصادر الثروة النفطية، أو أن يسهم في التكريس للانقسام السياسي».
واعتبر رئيس «مجموعة العمل الوطني» خالد الترجمان أن إقرار ميزانية ضخمة بقيمة تزيد على 90 مليار دينار في ظل المدة المتبقية للحكومة وهي أقل من خمسة أشهر «بات أمراً مستبعداً إلى حد كبير». وقال الترجمان لـ«الشرق الأوسط» إنه يؤيد الاكتفاء بتوفير مخصصات للمفوضية العليا للانتخابات إلى جانب ما أقره البرلمان سابقاً من بند الطوارئ وعدم إقرار أي بنود أخرى بالميزانية المقدمة من الحكومة التي اتهمها بـ«الإخفاق في رفع المعاناة عن المواطن رغم كثرة وعود رئيسها بتحسين الأوضاع المعيشية وحل أزمة الكهرباء».
وشهدت الجلسة الخامسة التي عقدها مجلس النواب لمناقشة الميزانية منتصف الأسبوع الماضي، تجاذبات وخلافات انتهت بتأجيلها إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى. وقال المتحدث باسم المجلس عبد الله بلحيق إن «التأجيل جاء لعدم توافر النصاب القانوني للتصويت الذي يتطلب موافقة 120 صوتاً في حين أن الحاضرين للجلسة بلغ عددهم 82 نائباً فقط بمن فيهم الرافضون للميزانية».
غير أن النائب زياد دغيم اعتبر ما جرى «بدعة وذريعة جديدة لجأت إليها إدارة مجلس النواب لرفض إقرار الميزانية». وقال: «لم يكن هناك نية لإقرارها منذ بداية المناقشات حولها في أبريل الماضي». وطالب دغيم لـ«الشرق الأوسط» مجلس النواب بالكشف عن محاضر إقرار ميزانيات الحكومات السابقة «لإيضاح الحقائق ومعرفة هل تم إقرارها في وجود النصاب القانوني أم لا؟». واتهم «بعض الأطراف في المجلس» بوضع العراقيل أمام تمرير الميزانية. وقال النائب إنه «بات يحق للدبيبة تفعيل نصوص الاتفاق السياسي، وتقديم ميزانيته إلى المجلس الرئاسي، ومجلس إدارة المصرف المركزي لاعتمادها، وهو ما قد يضيع على البرلمان حق مراقبة الإنفاق».
وخلافاً لآراء كثيرة، اعتبر دغيم أن الميزانية المقترحة هي الأقل على مدار العقد الأخير مقارنة بغيرها، لافتاً إلى تغير سعر الصرف بشكل رسمي هذا العام بما يقترب من أربعة دنانير ونصف مقابل الدولار «أي أن الميزانية هي في حدود 21 مليار دولار».
وفي إطار تعليقه على بعض الأصوات الغاضبة في الغرب الليبي على تعثر إقرار الميزانية إلى الآن، حذر دغيم من مغبة أن يفتح الوضع الراهن الباب «لحرب جديدة شرسة تتمحور حول السيطرة على مصادر الثروة النفطية».
وتحدثت النائب ربيعة أبو رأس عن مجموعة من أعضاء البرلمان «عملوا على إفشال إقرار الميزانية». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المجموعة كانت واضحة من البداية في السعي لعرقلة المشروع. باقي النواب بمن فيهم رئيس المجلس عقيلة صالح، كانوا حريصين على إقرار الميزانية ودعوا إلى الحوار والتفاوض مراراً لتخفيف حدة اعتراضات تلك المجموعة، ولكن من دون جدوى».
ورأت أن «الأمر لا يحتاج لتكهنات. حتى لو عقدت جلسة جديدة بعد عطلة العيد لن يتوفر النصاب القانوني في ظل عدم تحمس النواب لتحمل مشقة وعناء السفر إلى طبرق، والدخول في مناقشات من دون فائدة».
في المقابل، رفض النائب سعيد أمغيب الآراء السابقة. وقال إن «إقرار الميزانية سيكون مرهوناً بتوفر النصاب القانوني المؤيد لها، لتجنب الطعن القانوني عليها» رغم وجاهة ومنطقية ما يتردد عن قصر المدة المتبقية للحكومة التي من المفترض أن تسلم السلطة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهو الموعد المحدد لإجراء الانتخابات العامة.
وفند أمغيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما يتردد بحق النواب الرافضين مشروع الميزانية بشكله الراهن. وقال: «طالبنا مراراً بضرورة تبويب باب التنمية لتوضيح أوجه الصرف في ظل ضخامة مخصصاته البالغة 20 مليار دينار، وإلغاء باب الطوارئ لعدم وجود ما يبرره، مع إمكانية إقراره بسهولة لاحقاً إذا جد جديد».
وتابع: «لقد تخوفنا من أن تنهب الأموال وتستغل في شراء الذمم ونحن نقترب من موعد الانتخابات خاصة في ظل انقسام الأجهزة الرقابية، وللأسف لم تستجب الحكومة لنا رغم تكرار مطالبتنا. نحن في مرحلة لا تتطلب ميزانية ضخمة، المطلوب من هذه الحكومة فيما تبقى لها من أشهر قليلة التمهيد للانتخابات ورفع المعاناة عن المواطنين بتوفير الكهرباء والسيولة، أما سعر الصرف فقد يعدّل بعد إقرار الميزانية وربما يساهم بمضاعفتها».
وبمواجهة ما يطرح من أن عدم وجود مخصصات لـ«الجيش الوطني» هو السبب وراء تعطيل إقرار الميزانية، قال أمغيب: «هذا ليس حقيقياً، علماً بأن المقدم يتضمن مخصصات مالية لتشكيلات وأجهزة لا تتبع وزارتي الداخلية والدفاع، في حين لم يحصل (الجيش الوطني) الذي يحمي الحدود على أي شيء، وهذه من الأمور التي نرى أن الحكومة قد أخطأت فيها، ولكننا لم نتوقف عندها لرفض الميزانية».
وحذر أمغيب من أن «توجه الدبيبة لفرض الميزانية من خارج البرلمان الذي يعد صاحب الاختصاص الأصيل والشرعي، سيكون مدخلاً للفساد، وتكريساً للانقسام السياسي والمؤسساتي، خاصة في ظل عدم تغيير المناصب السيادية، كما أنه سيفتح عليه أبواب المراقبة الدولية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.