سيناريوهات حقبة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان

لكل من اللاعبين الإقليميين الكبار حساباته وطموحاته

سيناريوهات حقبة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان
TT

سيناريوهات حقبة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان

سيناريوهات حقبة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان

مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن 31 أغسطس (آب) باعتباره الموعد النهائي للانسحاب من أفغانستان، ثمة مخاوف حقيقية طفت على السطح. ويدور التساؤل أساساً في أوساط المتابعين حول ما الذي ينتظر أفغانستان الفترة المقبلة؟ في الواقع، يصعب التنبؤ بذلك، لكن الأمر المؤكد أنه لا تلوح في الأفق أي سيناريوهات وردية، لا سيما أن الحرب «المنخفضة المستوى» التي ظلت مستعرة بين حكومة كابل وحركة «طالبان» لسنوات الآن، بدأت تزداد حدة بالفعل، وتوحي التطورات على الأرض باحتمالية اشتعال حرب أهلية.
أما المسألة الكبرى التي يجري طرحها والجدل حولها راهناً، فتتعلق بحقبة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة، ومن ثم، التداعيات الجيوسياسية على المنطقة بوجه عام. والمؤكد أن الولايات المتحدة ستخلّف وراءها فراغاً سياسياً كبيراً تتركز عليه أنظار بعض القوى الإقليمية والدولية. ومن المؤكد أيضاً أن لدى كل من الهند وإيران والصين وباكستان وروسيا مصالح وأطماعاً سياسية في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأميركي؛ لذا من شأن هذا الموقف خلق مزيد من الارتباك وغياب الاستقرار والفوضى.
وحقاً، تخلق التوترات القائمة بين ثلاث من هذه القوى (الهند وباكستان والصين) سيناريوهات صعبة. ويذكر أنه لدى باكستان والصين مخططات بالفعل للتعاون داخل أفغانستان فيما بعد الانسحاب الأميركي. وفي الوقت ذاته، ينبغي الانتباه هنا إلى أن القوات الأميركية ستنسحب من أفغانستان، لكن الولايات المتحدة لن تترك المنطقة. وعليه، ثمة احتمال كبير للغاية أن تسقط المنطقة في صراع دموي جديد تتمثل الأطراف الأساسية المقاتلة فيه في الولايات المتحدة وأفغانستان وباكستان والصين و«القاعدة» و«طالبان» الأفغانية، ناهيك عن خطر جماعة «داعش» الذي يلوح في الأفق.
يشير محللون سياسيون هنود إلى أن غياب الإجماع الداخلي في أفغانستان ييسِّر على الدول المجاورة لها أن تجد شركاء مفضلين لديها هناك. والملاحظ أن روسيا عزّزت دورها داخل أفغانستان بالفعل خلال السنوات الأخيرة من خلال فتح قنوات اتصال مع «طالبان» ودعمها «عملية الدوحة».
وفيما يخص الهند، فإن التطوّرات المتسارعة على الأرض لصالح «طالبان» داخل أفغانستان لا تبشر بخير ولا تحمل خيارات جيدة أو حتى بارقة أمل، وهذا رغم حقيقة أن الهند أطلقت في الفترة الأخير مباحثات مباشرة مع «طالبان»، متخلية بذلك عن سياستها السابقة الرافضة للتعامل مع الحركة المتشددة. وفي هذا الصدد، قال السفير الهندي السابق راكيش سود «بمقدور دلهي نسيان التواطؤ بين باكستان و(طالبان)، وحوادث مثل اختطاف الطائرة (آي سي 814) وتفجير السفارة الهندية في كابل والتعاون مع (طالبان)، وإما سيتوجب عليها مواجهة قوة قد تزعزع استقرار المنطقة. أعتقد من الأفضل اختيار مسار المباحثات. ومن بين جميع العناصر الإقليمية، تواجه الهند تحديداً الرهانات الأكبر، بغض النظر عن مسار التطورات المستقبلية، خاصة إذا ما تحرّكت الأمور في مسار يعزز (طالبان) ومن خلفها باكستان».
وأضاف الدبلوماسي الهندي «علاوة على ذلك، فإن علاقات الهند اليوم بالصين، التي تعدّ أحد العناصر الإقليمية المحورية والمنافسة للهند، أكثر توتراً الآن عما كانت عليه منذ عدة عقود مضت. فعلى مرّ السنوات، حاولت الهند بناء علاقات ودية مع أفغانستان من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتعليم وتطوير منظومة الري ومشاريع توليد الطاقة. وتعتمد المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية الهندية على مسألة صعود (طالبان)».
من ناحيته، ينظر الرأي العام الأفغاني إلى الهند باعتبارها قوة عظمى صديقة لا تهدّد مصالح بلادهم وقادرة في الوقت نفسه على تقديم المساعدة لهم. وحتى الآن، حرصت الهند على تقليص حجم مشاركتها في الصراع الأفغاني، وقدمت مساعدات محدودة لـ«التحالف الشمالي» خلال حكم «طالبان». كذلك، رغم كل المحاولات الأميركية للاستعانة بقوات هندية داخل أفغانستان، اختارت نيودلهي التحلّي بالحذر، وقصرت دورها على تقديم مساعدات إنسانية والمشاركة في بناء البنية التحتية وتدريب ضباط الشرطة. وفي المقابل، دعمت الهند النظام في كابل باستمرار لأسباب استراتيجية.
في هذا السياق، أعرب الخبير المعني بالشؤون الاستراتيجية سي. راجا موهان عن اعتقاده بأنه «يتوجب على نيودلهي التميز بحراك استراتيجي أكبر من أجل تأمين مصالحها وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ومن الضروري التخلي عن التردد القديم وبناء تحالفات جيوسياسية جديدة لضمان التفاعل الهندي الناجح مع الوضع داخل أفغانستان».

النفوذ الصيني قد يزيد
من ناحية ثانية، في خضم الانسحاب الأميركي، يبدو أن الصين تعد لتعزيز حضورها داخل أفغانستان، ويبدو أن أنظار بكين تتركز على البلد الذي مزقته الحروب باعتباره يحمل فرصاً للاستثمار وتعزيز النفوذ. ومنذ فترة طويلة، راودت الصينيين الرغبة في الاضطلاع بدور قيادي في أفغانستان، بدعم من باكستان المجاورة. ولا تعدّ الصين بغريبة عن «طالبان»، ذلك أن وفوداً من الحركة زارت الصين بانتظام، واحتفت الأخيرة بهم بتنظيم رحلات سخية عبر أرجاء البلاد.
وعام 2016، عندما صدرت إشارات مبكّرة من الأميركيين عن رغبتهم في الرحيل عن أفغانستان، نقلت وسائل إعلام عن مؤسسة فكرية صينية رائدة توقعها بأنه بعد رحيل الأميركيين، ستصبح الصين الراعية الأولى لمصير أفغانستان. والمثير أن تقارير إعلامية نقلت عن المتحدث الرسمي لـ«طالبان» قوله «ننظر إلى الصين باعتبارها صديقاً لأفغانستان». كذلك، حرصت «طالبان» على طمأنة بكين أنها لن تأوي مسلحين إسلاميين من الأويغور من إقليم سنكيانغ (تركستان الشرقية) المتوتر، وهذه مسألة تثير قلقاً بالغاً لدى الصين. ولقد جاءت هذه التعليقات في وقت أحرزت «طالبان» مكاسب إقليمية داخل أفغانستان في خضم انسحاب القوات الأميركية. وما يجدر ذكره هنا أن الصين أجلت رعاياها بالفعل من أفغانستان.
في هذا الصدد، قال العقيد الأميركي المتقاعد لورانس سيلين «رحيل الولايات المتحدة عن أفغانستان سيترك فراغاً كبيراً في السلطة، والذي تبدو الصين حريصة للغاية على ملئه لأنها لطالما رغبت في الهيمنة على جنوب آسيا اقتصادياً وعسكرياً. اليوم، تعمل الولايات المتحدة على نحو وثيق للغاية مع الهند لصياغة سياسة لمنع الصين من الهيمنة على المنطقة. إننا نحتاج إلى سياسة احتواء ضد الصين على غرار ما فعلناه في مواجهة الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة، والاستفادة من خطوط الصدع العرقية في باكستان، خاصة بلوشستان، حيث سيطرت الصين بصورة كاملة تقريباً على ميناء غوادار (على بحر العرب) في إطار مشروع الممرّ الاقتصادي بين الصين وباكستان (سي بي إي سي)، وهي تهدف لبناء قاعدة عسكرية لها هناك؛ الأمر الذي سيجعل شمال بحر العرب تحت سيطرتها المباشرة». وأردف سيلين «وفي حين لا ترحب الصين بوجود القوات الأميركية في أفغانستان، فإنها لا ترغب في الوقت نفسه في أن تصبح المنطقة أكثر عرضة للإرهاب».
في السياق نفسه، يشار إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، شاركت الصين بحذر في الجهود الدبلوماسية لإرساء السلام في أفغانستان. ثم إن حكومة كابل و«طالبان» تنظران إلى الصين باعتبارها شريكاً قيّماً. وهنا يعلّق سهاليني شاولا، زميل «سنتر فور إير باور ستديز»، أنه «في حال نجاح (طالبان) في تشكيل حكومة جديدة، فإن الفائز الحقيقي حينئذ ستكون الصين، التي تقبل بها باكستان باعتبارها زعيمتها الوحيدة. وسترغب الصين حينذاك في زيادة تفاعلها داخل أفغانستان؛ سعياً لتأمين مصالحها الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية. ولطالما أثارت القلاقل في إقليم سنكيانغ والدعم الذي يحصل عليه المسلمون الأويغور من جانب قوى متشددة داخل أفغانستان، ضيق بكين باستمرار». وما يستحق الذكر في هذا الصدد، أن إقليم سنكيانغ يتشارك مع أفغانستان في حدود تمتد لمسافة قرابة 80 كيلومتراً. ولكن الصين تتعرض لانتقادات حادة وتواجه ردود فعل عالمية غاضبة وإجراءات عقابية بسبب سياساتها القمعية في الإقليم. وفي الوقت الراهن، ترغب الصين في جذب أفغانستان نحوها وضم كابل إلى مشاريع مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
ويبدو هذا التحول الهيكلي ممكناً من خلال تمديد «الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني» إلى داخل أفغانستان. وللعلم، في الوقت الراهن، يبدا هذا الممر من ميناء غوادار الباكستاني على بحر العرب ويمتد حتى كاشغر في أقصى غرب سنكيانغ. ومع ذلك، فإنه من الممكن تمديده إلى داخل أفغانستان التي تعد بمثابة البوابة إلى أوزبكستان وقلب آسيا الوسطى.
من جهتها، لطالما رغبت الصين في دفع استثمارات ضخمة في أفغانستان بالنظر إلى أنها تملك أكبر احتياطيات غير مستغلة على مستوى العالم من النحاس والفحم والحديد والغاز الطبيعي والكوبالت والزئبق والذهب والليثيوم والثوريوم، بقيمة إجمالية تتجاوز تريليون دولار أميركياً. وفي عام 2011، فازت الشركة الصينية الوطنية للبترول بصفقة بقيمة 400 مليون دولار أميركي لحفر ثلاث آبار نفطية على امتداد 25 سنة، تحوي قرابة 87 مليون برميل من النفط. كما فازت شركات صينية بحقوق تعدين عن الفحم في منطقة ميس أيناك في ولاية لوغار الأفغانية.

المخاطر أمام روسيا
رغم ذلك، لا يمكن القول بأن دخول الصين في تحالف مع محور باكستان - «طالبان» أصبح أمراً منتهياً؛ ذلك أنه من المؤكد أن روسيا ستعارض أي محاولات صينية للتوغّل داخل آسيا الوسطى، حيث الجمهوريات السوفياتية السابقة، والمنطقة التي لطالما شكلت الساحة الخلفية لموسكو.
والواقع، ترتبط روسيا بتاريخ طويل ومتوتر من العلاقات مع كابل. ومن وجهة نظر روسيا، فإن التاريخ يعيد نفسه اليوم مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، على غرار الانسحاب السوفياتي هناك منذ ثلاثة عقود بعد هزيمة القوات السوفياتية على أيدي «المجاهدين» المدعومين من واشنطن. ومع أنه خلال السنوات الأخيرة، اضطلعت موسكو بدور «صانع السلام» في أفغانستان، أظهرت كل من «طالبان» والحكومة الأفغانية حذراً إزاء الجهود الروسية، خاصة بعد إعلان موسكو أنها لن تدعم قيام إمارة لحركة «طالبان» في البلاد، الأمر الذي أغضب قادة الحركة. وفي هذا الصدد، قال السفير السابق سود إن المصلحة الجوهرية لروسيا داخل أفغانستان تكمن في الحؤول دون حدوث زعزعة استقرار بالمنطقة. وتابع القول، إن روسيا لا تحتاج إلى أن تتحول أفغانستان إلى «دولة عميلة» لها؛ لأنها لا تملك تكاليف تنميتها، لكنها في الوقت ذاته تدرك أنه من الخطر بقاء أفغانستان في حالة من الفوضى؛ نظراً لأن لروسيا مصلحة قوية في الحؤول دون تزعزع الاستقرار في آسيا الوسطى؛ لأن هذا قد يحمل تهديداً للحدود الروسية. وبناءً عليه، فإن روسيا تدرك جيداً أن وجود أفغانستان معادية لها سيشكل تهديداً كبيراً.

باكستان اللاعب الأكبر
تشير غالبية الاحتمالات إلى أن دولة واحدة سيبقى لها دور أكبر من حجمها في العلاقات مع أفغانستان، هي جارتها وراعية «طالبان»: باكستان. وفي مقال نشره في «هندوستان تايمز»، كتب شيشير غوبتا «هناك شعور في باكستان بالثأر والقلق. والمعروف أن (طالبان) صنيعة المؤسسة الأمنية الباكستانية. وبعد الغزو الأميركي لأفغانستان، انتقلت عناصر (طالبان) إلى ملاذات آمنة داخل الأراضي الباكستانية. وكانت باكستان من أقنع (طالبان) بإبرام صفقة مع إدارة ترمب. أما الجيش الباكستاني، فلطالما نظر إلى أفغانستان باعتبارها تشكل (العمق الاستراتيجي في عدائه الدائم مع الهند. وعليه، فإن سيطرة «طالبان» على أفغانستان يعني سقوط البلاد أخيراً في قبضة قوة صديقة في كابل بعد 20 سنة)».
وفي هذه الأثناء، فإن أحد الضحايا المؤكدين للانسحاب الأميركي سيكون مستقبل العلاقات الأميركية ـ الباكستانية. في الوقت الراهن، من الصعب إيجاد كثير من الدعم داخل الكونغرس الأميركي لتقديم مساعدات عسكرية لباكستان. وللعلم، حاولت باكستان من جانبها لعب دور في التقريب بين الصين و«طالبان» لمعاونة الأولى على لعب دور القوة الأولى التالية في أفغانستان بعد روسيا والولايات المتحدة. وتبعاً لما ذكره السفير الهندي السابق غاوتام موخوبادهايا، الذي عمل في أفغانستان وسوريا، فإن الدولة الباكستانية العميقة ستعمل على ضمان تأثر الهند من الناحية الأمنية بصعود «طالبان»، على الأقل فيما يخص الحدود المشتركة بين جامو وكشمير وشرق أفغانستان، التي توفر عمقاً استراتيجياً لجماعات مثل «العسكر الطيبة» و«جيش محمد».
وجدير بالذكر هنا، أن «لجنة العمل المالي» لم تقتنع بالخطوات التي اتخذتها باكستان للالتزام بشروط اللجنة، وبالتالي قررت الإبقاء على باكستان بـ«القائمة الرمادية» خلال اجتماعها الأخير.
ومن المحتمل أن يسهم وجود أفغانستان تحت قيادة «طالبان» في تعزيز العلاقات بين الصين وباكستان من ناحية والولايات المتحدة والهند من الناحية الأخرى، مع وجود روسيا وإيران في المنتصف ويحاولان تعديل سياساتهما تبعاً لما يرونه من تهديدات. والمؤكد أن المنطقة ستتأثر بشدة بهذا الوضع، بجانب أن باقي أرجاء العالم لن تكون بمأمن من التحولات التي تطرأ على التوازن الجيوسياسي وما يتعلق بالإرهاب والعنف.

إيران: قنوات اتصال
وباعتبارها دولة تتشارك في حدودها مع باكستان وأفغانستان، ترى إيران أن ثمة تهديدات أمنية نشطة صادرة عن كلا البلدين. ثم إنها ترى من شأن ظهور نظام لـ«طالبان» في كابل تأجيج هذا التهديد. إلا أنه نظراً لعلاقة طهران بأقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان، تفاعلت إيران في الفترة الأخيرة مع جميع الأطراف. ورغم العداء المتبادل والصدع الديني بين الجانبين، حرصت إيران على فتح قنوات مع «طالبان» منذ سنوات قليلة، بل واستضافت في وقت قريب وفداً من «طالبان» في طهران. والواضح، أن طهران ستسعد بوصول أي نظام معتدل وصديق لسدة الحكم في كابل، بحيث يبدي تعاطفه مع المصالح الإيرانية في المناطق التي يسكنها الشيعة ولا يكون تحت السيطرة الأميركية.

الجانب الجيوسياسي لـ«الحوار الأمني الرباعي»
> استثمرت جميع الدول الأعضاء في «الحوار الأمني الرباعي»، المعروف اختصاراً باسم «كواد»، في أفغانستان فيما مضى، وكذلك في مستقبلها. وتعتبر الهند فعلياً أكبر دولة إقليمية مانحة في جهود إعادة إعمار أفغانستان، بينما تعهدت اليابان بتقديم 720 مليون دولار أميركي لإعادة إعمار أفغانستان خلال السنوات الأربعة المقبلة.
أيضاً، كانت أستراليا من الشركاء النشطين في جهود التنمية وإعادة الإعمار في أفغانستان، وأسهمت بأكثر عن 750 مليون دولار في أفغانستان منذ عام 2001. ومن شأن المشاركة في أفغانستان إعادة تفعيل قنوات التعاون الثنائي، بجانب فتح قنوات أخرى متعددة الأطراف أمام دول «كواد» داخل آسيا الوسطى.
من ناحيته، يرى راشي رانديف، الأستاذ بجامعة جواهرلال نهرو، أن إدارة بايدن تحاول تحويل أولوياتها بعيداً عن الشرق الأوسط الذي استنزف اهتمام الولايات المتحدة ومواردها طوال عقدين. واليوم، ينظر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الصين باعتبارها المنافس الأكبر للولايات المتحدة، وبالتالي تبدو إدارته عاقدة للعزم على احتواء الصين وتقويض مساعيها لتعزيز قدراتها ومصالحها فيما وراء حدودها البحرية.
وأضاف رانديف، أنه من وجهة نظر واشنطن، تعتبر «كواد» أداة أساسية لضمان الأمن البحري وحماية حرية الملاحة في المنطقة. ويذكر أن سبعة من أكبر عشرة جيوش في العالم موجودة بمنطقة المحيط الهندي - المحيط الهادي، منها خمس دول تنفق أقصى قدر ممكن على موازنتها الدفاعية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.