هل يلجأ الدبيبة لمجلس الدولة و«المركزي» الليبي لإنهاء مُعضلة الميزانية؟

رئيس مجلس الدولة ورئيس «المركزي» في اجتماع مع رؤساء أجهزة رقابية في ليبيا (مجلس الدولة)
رئيس مجلس الدولة ورئيس «المركزي» في اجتماع مع رؤساء أجهزة رقابية في ليبيا (مجلس الدولة)
TT

هل يلجأ الدبيبة لمجلس الدولة و«المركزي» الليبي لإنهاء مُعضلة الميزانية؟

رئيس مجلس الدولة ورئيس «المركزي» في اجتماع مع رؤساء أجهزة رقابية في ليبيا (مجلس الدولة)
رئيس مجلس الدولة ورئيس «المركزي» في اجتماع مع رؤساء أجهزة رقابية في ليبيا (مجلس الدولة)

في ظل تعقد المشهد السياسي في ليبيا راهناً، وتوقف مجلس النواب عن إقرار مشروع الميزانية العامة للدولة إلى ما بعد عيد الأضحى، طرح سياسيون واقتصاديون عدة أسئلة حول إمكانية تقدم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» الوطنية، إلى المجلس الأعلى للدولة والمصرف المركزي للبحث عن حلول بديلة لتغطية إنفاق الحكومة.
فبعد أربع جلسات لم يتمكن خلالها مجلس النواب من إقرار الميزانية، التي تقدم بها الدبيبة قبل نحو ثلاثة أشهر، لأسباب كثيرة، آخرها عدم اكتمال النصاب القانوني للتصويت عليها، رغم تحدث بعض النواب عن تعمد «وضع العراقيل لمنع تمرير مشروع الميزانية، وفرض حالة من الترهيب على المجلس وأعضائه».
ورأت الدكتورة ربيعة أبو راص، عضو مجلس النواب، أن مجلس النواب وأعضاءه وحتى رئيسه عقيلة صالح «يقعون تحت ضغوط وتحديات أكبر من وزنهم الحقيقي في المشهد» السياسي، مبرزة أن المجلس «خارج الحماية البروتوكولية والسياسية والأمنية والاجتماعية، التي يجب أن يتمتع بها كأعلى سلطة تشريعية ورقابية منتخبة في البلاد». وذهبت أبو راص في تصريح صحافي أمس إلى أن المجلس «تتقاذفه مجموعة من السيناريوهات التي يحاول فرضها النافذون مالياً وسياسياً وأمنياً ودولياً»، وبالتالي فإن المصادقة على الميزانية «خطوة محفوفة بالمخاطر أكثر من عدم المصادقة عليها»، وتابعت ساخرة: «البعض يتحدث وكأننا نعيش في سويسرا من استقرار أمني وسياسي، وليس في بلد ممزق جراء الحروب والفتن، وتسيطر على مصيره شلة من المارقين، الذين لا يتورعون عن ارتكاب الفظائع».
مشددة على أن «مسرحية التئام البلاد وتوحيدها من خلال حكومة الوحدة الوطنية لم تنضج بعد لتصبح واقعاً، لأنها محكومة بنظرية الغالب والمغلوب... فهناك مخربون لديهم استعداد لوضع كل من يقف في طريقهم في مقابر جماعية، دون رحمة أو شفقة، ومجلس النواب يهرب من الواقع لأنه لا يتمتع بحصانة كافية تمكنه من لعب دوره الطبيعي والاستراتيجي في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية للبلاد، وهذا لا يعني أن مجلس النواب بريء؛ لكن ليس هو المذنب».
وسبق لمجلس النواب الاعتراض على بنود الإنفاق في الميزانية، التي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ البلاد، و«لافتقارها إلى الشفافية». وفي 19 من مايو (أيار) الماضي رضخ الدبيبة لرغبة مجلس النواب، وأجرى تعديلاً على مشروع الميزانية، على أمل انتزاع مصادقته لتصبح 93.8 مليار دينار ليبي، بعد أن كانت 97 مليار دينار.
وأمام تكرر تأجيل البرلمان الموافقة على الميزانية العامة، دخل خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، على خط الأزمة، ودعا رؤساء الجهات الرقابية والمالية في البلاد للبحث عن حل بديل.
وقد التقى المشري في مقر المجلس بمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية سليمان محمد الشنطي، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نعمان الشيخ، بهدف بحث الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وسبل مواجهة المشاكل المعيشية اليومية، في ظل عدم اعتماد الميزانية. وقد انتهى هذا الاجتماع إلى الموافقة على صرف الميزانية للحكومة مع الأخذ بالاعتبار تغيير سعر صرف الدينار الليبي، بالإضافة إلى التأكيد على قيام الأجسام الرقابية بدورها في منع عمليات «انحراف الميزانية».
وفي حديثهم إلى «الشرق الأوسط»، دافع عدد من النواب عن مجلسهم، ورأوا أنه «لا يخضع للوصاية من أي طرف أو جهة»، مشيرين إلى أن الميزانية التي تقدمت بها الحكومة في صورتها الأولى «اتسمت بعدم الوضوح في كثير من بنود الإنفاق، مما يفتح الباب لمزيد من إهدار المال العام». غير أن النائبة أسماء الخوجة كشفت عن جانب من كواليس الجلسة الأخيرة، التي أقر فيها المجلس تأجيل البت في الميزانية إلى ما بعد العيد، وتحدثت عن الأجواء التي استهدفت «ترهيب النواب». وقالت الخوجة وهي عضو بـ«تجمع الوسط النيابي»، إنه «خلال الجلسة أطلقت النيران بالقرب من مقر المجلس، وسمعنا تهديدات للنواب من خارج القاعة»، و«منذ بداية الجلسة ونحن نرى تحفّزاً ونية لعدم السماح بتمرير الميزانية».
لكن الناطق الرسمي باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، نفي ما أثير حول «وجود إطلاق نار قرب مقر مجلس النواب».
وذهبت النائبة إلى أن «اللجنة التشريعية بالمجلس اشترطت نصاباً من 120 عضواً، وهو شرط تعجيزي، الغاية منه إفشال الجلسة، وهي تعلم جيداً أن عدد الحضور لن يتجاوز الـ80 عضواً».
وانتهت النائبة قائلة: «لو تم إقرار الميزانية في هذه الجلسة لكان من المحتمل أن يتعرض بعض الأعضاء للأذى؛ فأغلب النواب أُصيبوا باليأس والإحباط، وبعضهم قرّر عدم حضور أي جلسة أخرى»!



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.