جورج هيلد يكتب قصيدة عن «داعش».. وآخرون يعلقون على الأخبار

شعراء اميركيون يتأملون الأحداث السياسية ويحولون تعليقاتهم إلى قصائد

الفنانة نداء بدوان، والكاتب والشاعر جورج هيلد
الفنانة نداء بدوان، والكاتب والشاعر جورج هيلد
TT

جورج هيلد يكتب قصيدة عن «داعش».. وآخرون يعلقون على الأخبار

الفنانة نداء بدوان، والكاتب والشاعر جورج هيلد
الفنانة نداء بدوان، والكاتب والشاعر جورج هيلد

مع وجود مواقع على الإنترنت لعدد من الجمعيات والاتحادات والكليات الشعرية في الولايات المتحدة، ظهرت عادة جديدة، هي التعليق على الأخبار اليومية. يقدم شاعر خبرا في صورة قصيدة. ويقدم آخر تعليقا في صورة قصيدة. ويقدم ثالث تأملات شعرية في أخبار الناس، وطبائعهم، ومحاسنهم، ومساوئهم.
وحسب «أميركان بويتري ريفيو» (دورية الشعر الأميركي) التي تصدر في فلادلفيا (ولاية بنسلفانيا)، فالخبر الشعري ليس جديدا. ذلك لأن أشهر شاعر خبري في التاريخ كان الإغريقي هوميروس، الذي قدّم في «الإلياذة»، تفاصيل دقيقة عن حرب طروادة، ربما لا يقدر عليها صحافيو اليوم، ناهيك عن اللغة الرصينة والخيال الخصب.
في عام 1947، ألف الشاعر الأميركي ويليام ويليامز، قصيدة قال فيها: «صعب.. صعب. أن يأتي خبر من قصيدة. لكن يموت الرجال كل يوم في حوادث مأساوية. ولا يعرفون أن أخبار موتهم يمكن أن تكون قصائد».
وفي عام 1953، كتب الشاعر توني هوغلاند: «كيف يمر شاعر بأرجوحة أطفال محطمة، ولا يرى فيها طفولة زائلة؟ كيف يمر شاعر بحوض سباحة فارغ، ولا يرى فيه متع ماضٍ ولى؟ كيف يرى شاعر ذبابة تطير داخل غرفته في فندق، ولا يرى فيها استهزاء بقدرته على قرض الشعر؟».
يريد هوغلاند أن يقول إن الشاعر يمكن أن يكتب شعرا عن أي شيء في حياته، وليس بالضرورة خبرا سياسيا. يمكن أن يكون ظاهرة اجتماعية، أو كارثة طبيعية، أو مأساة شخصية.
لهذا، تتنوع القصائد الإخبارية اليومية بين سياسة، وعلوم، وتكنولوجيا، واقتصاد، وثقافة، ونساء ورجال، وجنس، ولهو، وطرب. لكن، يبدو أن أغلبها تأملات، ينظر فيها الشاعر إلى «الصورة الكبيرة»، مما يجعل نظرته أكثر شمولا، وأعمق تفكيرا، وتحافظ طبعا، على الوزن الشعري.
في الأسبوع الماضي، ألف الشاعر جورج هيلد، قصيدة عن «داعش»، عوانها: «كونتكست» (الصورة الكبيرة)، كتب فيها: «يرتفع مد التاريخ وينحسر. ويأتي البرابرة ويذهبون. (الدولة الإسلامية) هي محطمة التماثيل الجديدة. سبقها محطمون، وحارقون، ومدمرون، في سلسلة طويلة من الثوار المتطرفين. هل نسيتم من حرق مكتبة الإسكندرية؟ هل نسيتم أن الذي أمر بحرقها كان بابا الأقباط؟ تذكروا عبر التاريخ، رحب ناس بالبرابرة. وهلع منهم أناس. كل التاريخ هو كتب تحرق، وكتب تؤلف».
وفي الأسبوع الماضي، ألف ويليام كولين قصيدة عن لينارد نيموي، بطل سلسلة أفلام «ستار وورز» (حروب النجم)، الذي اشتهر بشخصية «كابتن سبوك»، وتوفي الأسبوع الماضي.
كتب الشاعر: «يوم توفي سبوك، ظن ناس أن عالمنا صار أفضل. ظنوا أن صوتا من أصوات التعقل قد صمت. يوم توفى سبوك، فرح ناس مهرجون في عالمنا. لكن، تأمل ناس العوالم الأخرى. في العوالم الأبدية، لن يطول الانتظار. سيأتي من عالمنا من يشاركهم».
وفي الشهر الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» قصيدة الفلسطينية نداء بدوان، واسمها: «كل شيء في غرفتي جميل. لكن، في غرفتي. وليس في غزة».
كتبت بدوان: «قولوا أنا راديكالية، لأنكم تسيطرون على العالم. قولوا أنا فنانة، لأنكم معجبون بجمال غرفتي.. قولوا أنا تقليدية، لأني أتحدث عن الزنانة (درون إسرائيلية)».
بالإضافة إلى قصائد الأحداث الجارية في دورية «أميركان بويتري ريفيو»، تنشر دورية أكاديمية الشعر الأميركية (إيه إيه بي)، قصائد خبرية من الماضي. شعار هذه الدورية هو: «ليس الشعر فقط تسجيل خواطرنا الداخلية والخارجية. يستخدم الشعر الكلمات لخلق أبعاد، وتوقعات، وإمكانيات جديدة».
قبل سنوات، ألف الشاعر مايكل بروشاسكا قصيدة «عن الحرب». وفيها: «الهزيمة. يسيل الدم من جرح الجندي (في العراق)، مثلما تسيل القاذورات من مرحاض منزل سياسي (في واشنطن)».
وفي ذلك الوقت، ألفت الشاعرة فورتسيا فيسيلاج قصيدة «دارفور»، عن الحرب بين حكومة السودان وثوار ولاية دارفور في غرب البلاد. وفيها: «ألوان وجوههم. الدموع التي تنزل من أعينهم. الكتابات والرسوم على الجدران. والآباء والأمهات على حافة الموت». في عام 2008، عندما ترشح السيناتور أوباما لرئاسة الجمهورية، ألف الشاعر راندي جونسون قصيدة «أوباما». وفيها: «سيناتور ورب عائلة. ولد في هاواي. عنده زوجة وطفلتان. عندما نتحدث عن آرائه في القضايا الإنسانية، فإنه يعرف ما يقول».
وألفت الشاعرة آشلي نلسون قصيدة «السيدة الأولى ميشيل». وفيها: «إنها أم. إنها زوجة. إنها مثقفة. عندها ما يسعد زوجها. إنها حقيبة ملأى بكل شيء جميل».
وألفت الشاعرة برندا يونغ قصيدة «أميركا الجميلة»، على وزن قصيدة تاريخية بالعنوان نفسه، هي جزء من الأناشيد الوطنية الأميركية. وفيها: «أميركا الجميلة. هل نقول أميركا الجميلة؟ نحن سببنا لأنفسنا الاحتقار بهذه الحروب. نحن سببنا للآخرين الكراهية. كيف نكون أميركا الجميلة؟».
وعن السياسيين الأميركيين، ألف فيجاي فيشاي قصيدة «صورة السياسي». وفيها: «الطائر المدمر. الذي يدمر الغصن الذي يقف عليه».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.