انقسام مبكر حول التمديد للسلطة الليبية

تحذيرات من رهان على تأجيل الانتخابات وتكرار سيناريو «الوفاق»

لقاء بين المنفي والدبيبة الشهر الماضي (المجلس الرئاسي)
لقاء بين المنفي والدبيبة الشهر الماضي (المجلس الرئاسي)
TT

انقسام مبكر حول التمديد للسلطة الليبية

لقاء بين المنفي والدبيبة الشهر الماضي (المجلس الرئاسي)
لقاء بين المنفي والدبيبة الشهر الماضي (المجلس الرئاسي)

مع العد التنازلي للمهلة المحددة أممياً لإجراء الانتخابات العامة الليبية في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، انقسم سياسيون حيال الموقف من التمديد للسلطة التنفيذية الحالية (المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة) إذا ما أخفقت في إجراء الاستحقاق بموعده، وفق ما هو منوط بها منذ انتخابها من «ملتقى الحوار السياسي».
وزاد من طرح هذا التساؤل فشل «ملتقى الحوار» خلال اجتماعه الأخير بجنيف في التوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية للانتخابات. لكن عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب رفض محاولة البعض إلقاء المسؤولية عليهما في عدم التوافق حول القاعدة الدستورية.
وقال معزب لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن يمكن للبرلمان والمجلس الأعلى للدولة والبعثة الأممية التوافق على قاعدة دستورية وإجراء الانتخابات بموعدها، وحينذاك سيتحتم على الحكومة والرئاسي تسليم السلطة والرحيل، أو قد يستمران لفترة قليلة بعد هذا التاريخ ربما لا تزيد على أربعة أشهر». واستكمل: «لا أستبعد تأجيل الانتخابات إلى أبريل (نيسان) 2022، لكن في ظل تمسك الدول المتنفذة في المشهد الليبي وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا بضرورة إجرائها، لا يمكن قبول تأجيلها إلا لفترة محدودة تتطلبها الإجراءات الفنية».
واعتبر معزب رهان المجلس والحكومة بالبقاء في الحكم لفترة أطول، «ليس إلا قراءة خاطئة وناقصة للمشهد»، مذكراً بإصرار البعثة الأممية والمجتمع الدولي على أنه في حال فشل المجلس الأعلى للدولة والبرلمان في التوافق على القاعدة الدستورية فسيتم اللجوء إلى «ملتقى الحوار». وتابع: «نعم الملتقى فشل في التوافق ولكن هذا لم يكن نتاجاً لتعدد آراء الأعضاء بقدر ما كان نابعاً من سوء إدارة الجلسات من قبل فريق البعثة الذي سمح بفتح المناقشات لمراجعة أمور كان قد تم حسمها بالفعل».
في المقابل، رأى عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة أن بقاء الحكومة والمجلس الرئاسي في الحكم «لن يكون مقبولاً بعد تاريخ 24 ديسمبر». وعزا رفض بقائهما «لما تردد عن وجود لوبي من أعضاء ملتقى الحوار مؤيد لإطالة عمر حكومة الوحدة الوطنية».
ولم يستبعد أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تُقدم حكومة الدبيبة على تكرار السيناريو الذي اتبعته سابقتها (حكومة الوفاق) بتمديد إطار وصلاحيات عملها من عام واحد إلى ما يقرب من خمسة أعوام». ودعا مجلس النواب إلى «القيام بدوره في اعتماد قاعدة دستورية يتم بموجبها إجراء الانتخابات في موعدها»، محذراً من أن «التأخير في إنجاز هذا الاستحقاق سيتسبب في حدوث انقسام سياسي أكثر حدة مما سبق».
وقلل النائب علي التكبالي من تعويل بعض المراقبين والنشطاء على دور متوقع للشارع في التصدي لمساعي التمديد للسلطة التنفيذية، وتساءل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «عن أي شارع يتكلمون؟ لقد أنهكوا الليبيين بالوقوف ساعات طويلة أمام المصارف للحصول على رواتبهم، وساعات أطول بل ولأيام انتظاراً لعودة الكهرباء، أو البحث عن دواء وعلاج، هؤلاء ينسون أيضاً أن الميليشيات موجودة بالعاصمة وستتكفل بحماية من سيدفع لها».وزاد: «بالطبع المجلس الرئاسي شريك في السلطة الانتقالية مع الحكومة، وكل من نسب لهم المساهمة بإفشال التوافق على القاعدة الدستورية من أعضاء الملتقى السياسي هم من الموالين لقيادة الحكومة، لا على المجلس الرئاسي».
وقلل التكبالي من أحاديث تردد عن اعتزام دول كبرى سحب الشرعية من حكومة الوحدة الوطنية إذا لم تمهد جدياً للانتخابات، وقال: «لو كانت البعثة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي مهتمين فعلياً فلماذا فرضوا على الشعب أعضاء ملتقى الحوار السياسي الـ75؟ ولماذا لم يسمعوا للاعتراضات حول أن بعض هؤلاء الأعضاء يتبعون تنظيم الإخوان أو أنهم محسوبون عليه؟». وكان رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح أعلن عن انطلاق عمليات تحديث سجل الناخبين كأول مرحلة للعملية الانتخابية، وسط ترحيب أممي.
ودعا عضو مجلس النواب محمد عامر العباني مجلسه «كونه السلطة الشرعية المنتخبة من كل الليبيين» إلى «الاضطلاع بدوره التشريعي والعمل على إخراج القاعدة الدستورية»، معتبراً أن هذا الإجراء قد يوقف حكومة الدبيبة المؤقتة «عن بذل المساعي للبقاء في الحكم ربما لعام آخر بعد تاريخ انتهاء ولايتها». واعتبر العباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ثمن هذا البقاء أو الاحتكام لسياسة الأمر الواقع وفرضه سيدفعه المواطن الليبي باستمرار معاناته مع الأوضاع المعيشية الصعبة التي لم تنجح الحكومة الراهنة إلى الآن في التقليل من حدتها بدرجة تذكر».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم