ماذا يقرأ الإرهابيون؟

زيارة خاطفة لمكتبات العنف المجانية

ماذا يقرأ الإرهابيون؟
TT

ماذا يقرأ الإرهابيون؟

ماذا يقرأ الإرهابيون؟

مثير للتساؤل، أن يخلو إعلام الإرهاب، من «القاعدة» وأخواتها وصولا إلى «داعش»، من لقطة ولو عابرة أو غير مقصودة يظهر فيها أحد عناصر التنظيم وهو يقرأ كتابا أو يطالع مرجعا أو حتى أضابير وأوراقا مصوّرة لأبحاث شرعية أو ملفات حربية وسياسية.
فعل القراءة الغائب أو المغيّب لا يبدو غريبا على تنظيمات تقوم بتجريف أي ثقافة مضادة أو مختلفة، ولم يكن مستغربا والحال هذه أن يبادر تنظيم داعش إلى نهب مكتبات الموصل دون تمييز وإحراقها، وهو يعيد التساؤل ذاته: لماذا تكره هذه التنظيمات كل ما يتصل بالثقافة؟ إذا ما فهمنا جرائمها ضد التراث والآثار والفنون فهي تأتي في سياق مشابه لرؤى متشددة أخرى تجاه هذه التجليات للثقافات المحلية والعالمية.
هي حرب تجريف ليس للأفكار أو الملفات السياسية أو حرب على الأنظمة السياسية كما يقال، بل ثقافة جاهلة تسعى إلى سحق كل خصومها والمختلفين معها في المستوى ذاته، فضلا عن المناوئين والمخالفين.
وإذا كان الحديث عن حرب الإرهاب ضد منتجات ثقافية قادمة من الخارج، بما فيها تلك الكتب الشرعية التي تطرح مفاهيم الجهاد والحرب والسلم بشكل موضوعي يستعرض فيها الجانب التاريخي لهذه القضايا الفقهية، فإن إصدارات «القاعدة» ذاتها لا تعدو أن تكون «انتقاءات» متحيّزة من كتب تراثية ومدونات فقهية مع تنزيلها على الواقع عبر آلية «الإزاحة»، بمعنى إنتاج معنى جديد للنصوص «المنتقاة» من رموز المدرسة السلفية بهدف استقطاب كوادر الجماعات الأخرى، ويمكن الحديث عن 3 حقب تنوعت فيها إصدارات «القاعدة»، حيث البدايات الأسطورية وحضور مؤلفات عبد الله عزام عن الكرامات والرؤى لـ«المجاهدين» بطريقة سردية قصصية لا تخلو من مبالغات وأكاذيب كانت مفتاح التغيير لكثير من جيل الثمانينات (جيل الكتيبات والكاسيت الإسلامي) الذين عادة ما تصطادهم هذه المؤلفات المكتوبة بعاطفة مشبوبة ولغة مستوفزة ومضامين استعدائية ومحرضة، لكن داخل التنظيم لم تتجاوز مكتبة «المجاهد» سوى إعادة إنتاج لكتب تأسيسية قادمة من الخارج لأسماء لامعة في الإسلام السياسي يأتي على رأسها «معالم على الطريق» لسيد قطب، و«العمدة في إعداد العدة» لسيد إمام، و«الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج، و«ملة إبراهيم» لأبي محمد عصام المقدسي (أفرج عنه مؤخرا للمرة الثانية في الأردن)، و«الاجتهاد والجهاد» لأبي قتادة المقدسي.
* من السلب إلى التأليف
* في المرحلة الثانية من النتاج الفكري والثقافي لـ«القاعدة» وجماعات التنظيم، تم الانتقال من مرحلة الانتقاء والسلب لمؤلفات أصولية من خارج المجموعة أو لرموز تنظيرية لا تتماس مع واقع المتشددين على الأرض إلى مرحلة التأليف المباشر والرد على الخصوم، ولم تكن المرحلة الثانية التي يمكن التأريخ لها مع انفجار «الحالة الجهادية» في المنطقة في بدايات التسعينات وتأزم الإسلام السياسي وانفصاله عن جسد المدارس التقليدية والمؤسسات الدينية الرسمية، وبالتالي انشقاق الجماعات المتشددة عن جسد الإسلام السياسي، مما استدعى إنتاجا مختلفا موجها لكوادر وعناصر التنظيمات الإسلامية المعتدلة والمتشددة، فكانت المؤلفات التي تتناول مباشرة الواقع، إما بتكفير دول إسلامية بعينها كما فعل المقدسي، أو بالرد على أبرز علماء العصر المعاصرين، وربما كانت المفارقة أن الشيخ الراحل محمد ناصر الدين الألباني أكثر من نالته سهام «القاعدة» والتنظيمات المسلحة بسبب مرجعيته الحديثية وتأثيره الكبير في صفوف تلك الجماعات فيما يخص كل الملفات الفقهية والعقائدية والحركية ما عدا «فقه الجهاد» وكانت الردود متباينة من «القاعدة» كما فعل أبو الوليد السوداني أحد الشخصيات العلمية في مرحلة «القاعدة» المبكرة، وكما فعل أبو إسراء الأسيوطي من «جماعة الجهاد» المصرية، وفعل سلفيون آخرون متعاطفون مع التيار المتشدد آنذاك.
* مرحلة التأسيس الثانية

* تبعت ذلك مرحلة التأليف المباشر من قيادات التنظيم، وكان حظ الظواهري وأبو مصعب السوري هو الأكثر، حيث كتب الظواهري عن تجربته ونقده لـ«الإخوان»، وكتب أبو مصعب السوري أهم مدونات التشدد المعاصرة «المقاومة الإسلامية المعاصرة».
المرحلة التأسيسية الثانية لمنتجات الإرهاب جاءت بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث انتعش التنظيم بسبب حجم الدعاية والماكينة الإعلامية الهائلة، إضافة إلى استثماره لتأثيرات الحدث والتعاطف معه وآثار الحرب على الإرهاب الفاشلة التي فاقمت الأزمة بعدها باحتلال العراق، ثم بانهيار الحالة العراقية، وتدهور الأوضاع في مناطق توتر وجبهات جديدة، وكان لدخول عناصر بخلفيات شرعية للتنظيم وبعضهم تلقى شهادة عالية في الشريعة والفقه، كما هو الحال مع أبو شويل فارس الزهراني وأبو حفص الموريتاني الفقيه الذي رافق بن لادن وانقلب على «داعش»، وآخرين.
لكن ولادة تنظيم داعش من رحم مناطق التوتر وبالتوازي مع غموض في علاقتها بالاستخبارات وخلفية آيديولوجية البعث الصارمة التي تصبغ فكر قادتها العسكريين، إضافة إلى تحسن ظروف الحرب على الإرهاب، ونجاح التجربة السعودية في المناصحة، مما أفقر التنظيم من قيادات شرعية بارزة عادة تنحاز لـ«القاعدة» أكثر من «داعش» في البدايات، وإن كانت الهيمنة الآن لـ«داعش» بسبب ما حققه من مشروع على الأرض في سابقة.
أكبر خزان معرفي على الشبكة
وإذا ما جاز لنا التساؤل عن ماذا يقرأ عناصر التنظيم، إن كانوا يقرأون؟ فإنه من نافلة القول أن أكبر مصدر للكتب المجانية على الشبكة تتفوق فيه المجموعات المتشددة على الجميع، بما في ذلك المبادرات والمشاريع الشبابية العربية الحكومية والأهلية في تدعيم القراءة المجانية أو مشاريع نوادي القراء وما تقدمه من كتب ومنتجات ومعلومات.
تتفوق «القاعدة» بما يقارب 4 آلاف منتج ما بين مادة صوتية ومرئية وكتب وملخصات وحقائب معدة تحاول أن تحاصره بما يحتاج إليه من معلومات بحيث ينحصر فعل القراءة في هذه المواد.
إطلالة سريعة على خزانات الإرهاب المعرفية على الإنترنت تقودنا إلى تشكيلة واسعة من تلك الحقائب، أبرزها «المكتبة الشاملة» التي تتضمن ملخصات عسكرية وأمنية وفكرية تتناول الإعداد البدني للمقاتل، والإسعافات الأولية، والتدريب على الأسلحة والتفجيرات، وطرائق التكتيك والتنفيذ العسكري وتشتيت الأمن واستراتيجية الحروب، وهنا برامج مخصصة لمعسكرات بعينها أشهرها «برنامج معسكر البتار» وهي دورة حربية وفكرية متقدمة، وإذا تجاوز الكادر هذه المرحلة ينتقل إلى مرحلة أخرى تحضر فيها مؤلفات مثل «المرجع الأكبر في استخدام المتفجر» - أبو عمر الفلسطيني في باب هندسة المتفجرات، وكتاب «موسوعة التصنيع» لأبو خباب المصري، وهي - رغم السجع والعناوين الضخمة - أشبه بملخصات وترجمات كتب عسكرية غربية.
الجنرال شميل باسايف أحد أهم القادة العسكريين الشيشان لمدة 15 عاما، حيث كان يشغل منصب قائد القوات المسلحة الشيشانية ضد العدوان العسكري الروسي. لديه موسوعة محببة لدى عناصر التنظيم كتبها قديما بأسلوب تحفيزي؛ كتاب باسم عبد الله شميل أبو إدريس، وهو يصف ما سماه «فلسفة المجاهد الحيوية وشخصيته وخبرته»، كما يتم وصف استراتيجية تكتيكية بطريقة فنية من وجهة نظر إسلامية.
* المكثرون من التأليف

* وإذا ما تجاوزنا المؤلفات الفردية، فإن المكثرين من التأليف في تاريخ مجموعات العنف قلة نادرة يقف على رأسهم أبو محمد المقدسي، يليه أبي بصير الطرطوسي (قرابة 180 رسالة)، ثم أبو قتادة المقدسي بما يناهز 100 رسالة وكتيب، ثم أبو يحيى الليبي بـ25 رسالة أغلبها ردود مختصرة، ويظل كتاب أبي بكر ناجي «إدارة التوحش» واحدا من أهم نصوص الإرهاب وأخطرها بالمطلق.
الترويج لنتاج «القاعدة»
ينتشر على شبكة الإنترنت الترويج لكتب «القاعدة» وإصداراتها حتى من مواقع دردشة وشات وترفيه بشكل غير مقصود، فأسماء هذه المؤلفات لا يوحي بمحتواها، كما أن مجانيتها ووجودها في أكثر من موقع ساهما في الانتشار، إضافة إلى أن جزءا كبيرا من انتشار منتجات «القاعدة» ومؤلفاتها لا يعود إلى طبيعة المحتوى وإنما إلى الآلة الإعلامية الضخمة لتلك التنظيمات التي تتبع استراتيجيات عديدة للانتشار، أبرزها:
إصدار البيانات الفورية حول الأحداث الدولية، وبيان موقفهم من بعض القرارات التي تتخذها الحكومات، وفق خطاب تحريضي صاخب، يعمد إلى تشويه صور الرموز السياسية، والتشكيك في نوايا العلماء الرسميين.
الاستراتيجية الثانية تكمن في طرح نجوم ومرجعيات دينية جديدة، يحرصون على إبداء رفضهم للهيمنة الغربية وتسلط الأنظمة الحاكمة، كما يوظفون في سجالات الخصوم عبر مناقشة الحجج الدينية، كما هو الحال في توظيف علي الخضير وناصر الفهد والخالدي.
وتأتي الاستراتيجية الثالثة في طرح كُتّاب إنترنت دائمين، ممن يكتبون بأسماء مستعارة، ويطرحون تأييدهم المباشر والعلني لأهداف التنظيم، عبر خطابات عاطفية وحماسية، يتم نشرها في أشهر المنتديات التي تحظى بمتابعة السعوديين، كما هو الحال مع الشخصية الأبرز تاريخيا «لويس عطية الله».
أما الاستراتيجية الأخطر وهي عادة غير مرصودة، فهي حجم التدفق الهائل وتبادل المعلومات الأمنية والخبرات العسكرية، عبر رسائل مشفرة مخفية (Steganography)، وهناك العديد من التقارير الأمنية التي نشرت في مجلات غربية، أكدت أن مجموعة من المتعاطفين مع «القاعدة» استخدموا وسيلة إخفاء الرسائل في ملفات صور وملفات موسيقى وغيرها في عمليات التراسل فيما بينهم، لا سيما أن هذه المهارات أصبحت سهلة المنال متاحة عبر قنوات التدريب ومواقع التعليم.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.