يتذكر المدير الفني البلجيكي أرييل جاكوبس بوضوح اليوم الذي أدرك فيه أن روميلو لوكاكو سيكون له شأن كبير في عالم كرة القدم. فبعد أن سجل لوكاكو 131 هدفا في 94 مباراة مع فريق الشباب بنادي أندرلخت، تم استدعاؤه للتدريب مع الفريق الأول بالنادي، رغم أنه كان لا يزال يتعين عليه الذهاب إلى المدرسة لاستكمال تعليمه، وكان على بُعد أسابيع قليلة من عيد ميلاده السادس عشر.
يقول جاكوبس، وهو مدافع سابق قضى خمس سنوات في تولي القيادة الفنية لنادي أندرلخت: «لقد أتيحت لي الفرصة لإجراء بعض المناقشات المتعمقة معه، وأصبح من الواضح أنه بالإضافة إلى تسجيل الكثير من الأهداف، فإن الميزة الرئيسية الثانية لروميلو، والتي شعرت بها على الفور، كانت تتمثل في طريقة تفكيره الإيجابية».
ويضيف «كان يستمع إلى كل من يمكنه مساعدته - سواء كانوا مديرين فنيين أو أفرادا في الطاقم الفني أو زملاء في الفريق - ويحاول التعلم منهم. من واقع خبرتي، يمكن أن يكون هناك لاعب لديه كل المواهب التي تجعله من بين الأفضل في العالم، لكن إذا لم يتحل بالعقلية الصحيحة فإنه لن يحقق النجاح أبدا. أما فيما يتعلق بروميلو، فقد شعرت دائماً بأنه متفتح الذهن ولديه استعداد كبير للتحسن». ورغم أن لوكاكو تقدم بخطى ثابتة منذ أن كان مراهقا ليصبح أحد أفضل المهاجمين في العالم، فإن طريقه لم يكن مفروشا بالورود. فبعد فترات مخيبة للآمال في تشيلسي ومانشستر يونايتد، أنهى لاعب إنتر ميلان الإيطالي أخيراً انتظاره الطويل لكي يفوز بثاني لقب للدوري الممتاز - فاز بلقب الدوري البلجيكي الممتاز في 2010 - وبرز كشخصية رئيسية في مكافحة العنصرية في إيطاليا.
ويُعد اللاعب البالغ من العمر 28 عاماً أحد قادة الجيل الذهبي لمنتخب بلجيكا، الذي ودع بطولة كأس الأمم الأوروبية من الدور ربع النهائي بعد الخسارة أمام إيطاليا بهدفين مقابل هدف وحيد. لكن جاكوبس يقول إن لوكاكو لم يصل إلى القمة بسهولة، لكنه بذل مجهودا خرافيا وعمل بكل جد من أجل تحقيق أهدافه في عالم كرة القدم. يضيف المدير الفني البلجيكي: «من الصعب أن تعرف من أين جاء بهذا الإصرار! هل اكتسبه من نشأته في ظروف صعبة؟ منذ تلك اللحظة، بدأ في تحديد بعض الأهداف وقال إنه لا يريد أن يمر بمثل هذه التجربة الصعبة مرة أخرى، وأنه يريد أن يصبح لاعباً محترفاً من الطراز الرفيع، لأنه يريد أن يساعد والديه ويساعد نفسه.
أعتقد أنه كان مزيجاً من ذلك مع حلم كبير بأن يكون أحد أفضل اللاعبين في العالم منذ البداية».
وعندما كان لوكاكو طفلاً، كان مثله الأعلى هو والده روجر ميناما لوكاكو، وهو مهاجم انتقل إلى بلجيكا من كينشاسا ليلعب مع نادي «إف سي بوم» في دوري الدرجة الثانية في عام 1990.
وواصل مسيرته حتى لعب مع منتخب زائير في تصفيات كأس العالم 1994، ومثل منتخب بلاده مرتين في نهائيات كأس الأمم الأفريقية، ولعب موسماً مع نادي «كيه في ميتشيلين» في دوري الدرجة الأولى، وموسما آخر في تركيا مع نادي غنتشلربيرليغي. وبحلول الوقت الذي انضم فيه ابنه البالغ من العمر خمس سنوات إلى فريق «روبيل بوم» للشباب في مدينة أنتويرب البلجيكية، كان لوكاكو الأب يقترب من الاعتزال ويعاني من أجل توفير متطلبات حياة أسرته.
وقال لوكاكو لموقع «بلايرز تريبيون» الإلكتروني في عام 2018: «لقد كان في نهاية مسيرته الكروية ولم يعد لديه أي أموال. كنت أعلم أننا نعاني. لكن عندما كانت أمي تخلط اللبن بالماء لكي يكفينا، أدركت أن الأمر قد وصل لنهايته، هل تدرك معنى ذلك؟ كانت هذه هي حياتنا. لقد قطعت على نفسي وعداً في ذلك اليوم، وكان الأمر وكأن شخصا ما قد أيقظني مما كنت فيه. كنت أعرف بالضبط ما يتعين علي القيام به، فلم أكن أستطيع رؤية والدتي تعيش بهذا الشكل».
اكتشفه نادي ليرس، الذي سجل معه 76 هدفاً في 34 مباراة وهو لا يزال في الثانية عشرة من عمره ويلعب وهو يرتدي حذاء والده القديم. وكشف لوكاكو أن محادثة مع جده لأمه في جمهورية الكونغو الديمقراطية هي التي زادت من رغبته في تحقيق النجاح.
قال لوكاكو: «لقد طالبني جدي بأن أعتني بابنته! وأتذكر أنني كنت في حيرة من أمري آنذاك، وكنت أسأل نفسي عما يعنيه جدي بالضبط! لكن جدي رحل عن الحياة بعد خمسة أيام فقط من كلامه لي! وعندئذ فهمت ما كان يقصده حقاً. كنت أتمنى لو عاش أربع سنوات أخرى ليراني وأنا ألعب مع نادي أندرلخت».
وبحلول الوقت الذي قابل فيه جاكوبس هذا الطفل المعجزة، كانت تقارير تشير إلى اقتراب لوكاكو من الانتقال إلى نادٍ أوروبي كبير بعد تحطيم جميع الأرقام القياسية مع فريق الشباب بنادي أندرلخت. ظهر لوكاكو لأول مرة مع الفريق الأول لأندرلخت في المباراة الفاصلة التي خسرها الفريق أمام ستاندار لييغ لتحديد بطل الدوري البلجيكي، بعد 11 يوماً من بلوغه عامه السادس عشر، لكنه رد الدين لجاكوبس وكافأه على ثقته به بإنهاء الموسم التالي متصدرا لقائمة هدافي المسابقة بعدما قاد أندرلخت لاستعادة لقب الدوري البلجيكي.
يتذكر جاكوبس ما حدث قائلا: «كنت أؤمن بأنه يتعين علي أن أحميه من خلال عدم السماح له بالتحدث إلى الصحافة، وقد وافق روميلو على ذلك. كما تحدثت مع والده حول هذا الموضوع لأن الآباء كثيراً ما يريدون مشاهدة صور ومقالات عن أبنائهم، وقد وافق والده دون أي مشكلة. لقد سمح ذلك للوكاكو بالتطور بعيدا عن ضغوط الإعلام».
سمح أندرلخت للوكاكو بالتحدث إلى وسائل الإعلام لأول مرة في فبراير (شباط) 2010 عندما سُئل عن شعوره بعد التقارير التي تشير إلى رغبة تشيلسي في التعاقد معه مقابل 10 ملايين جنيه إسترليني. وقال لوكاكو: «لقد صُدمت بعض الشيء، لكني سأترك الأمر بالكامل لوالدي».
ووفقا لجاكوبس، فإن قرار الانضمام إلى تشيلسي كان «سهلا» لأن لوكاكو كان يريد في السير على خطى مثله الأعلى، النجم الإيفواري ديدييه دروغبا، لكن حجز مكان في التشكيلة الأساسية للبلوز لم يكن سهلا على الإطلاق. يقول جاكوبس: «أخبرته بأنه ذاهب إلى نادٍ توجد فيه منافسة هائلة، لذلك قد يفشل في حجز مكان له في التشكيلة الأساسية إذا لم تكن هناك إصابات بالفريق، لكنه لم يسمح لي بإنهاء كلامي وقال: (هل تعتقد أنه من الممكن ألا أشارك في المباريات وأن أكتفي بالجلوس على مقاعد البدلاء؟ هذا مستحيل!) لكنني قلت له إن هذا من الممكن أن يحدث بالفعل، وللأسف هذا هو ما حدث في نهاية المطاف!»
كان هذا أول تحدٍ من بين العديد من التحديات التي سيواجهها في إنجلترا، رغم أن لوكاكو ظل محتفظا برغبته في إثبات أن تشيلسي مخطئ بعدم الدفع به في المباريات. أعير لوكاكو إلى وست بروميتش في موسم 2012 - 2013 وتفوق في ذلك الموسم على كل لاعبي تشيلسي وأحرز 17 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز، ووبخ نفسه في النفق المؤدي لملعب المباراة بعد الهزيمة أمام ريدينغ بثلاثة أهداف مقابل هدفين، وأصر على أنه لم يكن سعيداً بالأداء الذي قدمه، وقال: «أنا دائماً ما أتعامل مع نفسي بقسوة. هذه هي شخصيتي دائما، فأنا أتعامل مع كل يوم على أنه فرصة جديدة للتحسن والتطور».
وبعد أربعة مواسم رائعة في إيفرتون سجل خلالها 68 هدفاً في 141 مباراة بالدوري الإنجليزي الممتاز، انتقل لوكاكو إلى مانشستر يونايتد، لكن تجربته هناك لم تنجح كما كان يخطط لها. لقد رفض لوكاكو عرض المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي بالعودة إلى تشيلسي - يعتقد جاكوبس أن لوكاكو أراد «بداية جديدة» - وقال مؤخرا في مقابلة مع مجلة «فوغ» في إيطاليا: «لقد افتقرت إلى القوة الداخلية لمواجهة زملائي في الفريق والمضي قدماً بهم». وقال: «لم أتمكن من تقديم العون لهم عندما كانوا يحتاجونني. ولم تكن لدي القوة لحملهم على أكتافي. لقد حدث ما حدث، وربما كنت بحاجة لخوض تلك التجربة المؤلمة والغامضة أحياناً لكي أتطور وأجد نفسي هنا».
ويعني لوكاكو بكلمة «هنا» نادي إنتر ميلان، الذي قاده للفوز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز وأصبح معشوقا لجماهير النادي. يقول جاكوبس: «الفوز بلقب الدوري مهم جداً بالنسبة له. أعتقد أن الفوز ببعض الجوائز - سواء بشكل فردي أو كجزء من الفريق - أصبح نوعاً من الهوس بالنسبة له». يقول كريستوف تيريور، وهو صحافي بلجيكي يغطي كرة القدم الإنجليزية لصحيفة «لاتست نيوز» التي تتخذ من أنتويرب مقراً لها: «لقد جاء إلى غرفة ملابس مليئة باللاعبين الذين فازوا بالألقاب والبطولات، والآن فاز بلقب واحد أيضاً، لذا فإن كلماته أصبحت مقبولة بشكل أكبر». وفي كأس العالم 2014 أهدى لوكاكو هدف الفوز الذي أحرزه في الوقت الإضافي من مباراة دور الستة عشر ضد الولايات المتحدة، لوالده.
لكنه بعد ذلك دخل في خلافات مع الرجل الذي كان مصدر إلهامه، بعدما انفصل عن والدته. لقد وصل لوكاكو إلى المستوى التالي من مسيرته الكروية بفضل الدعم الذي تلقاه من والدته، ومن أنطونيو كونتي، الذي استقال من القيادة الفنية لإنتر ميلان في مايو (أيار) الماضي.
يقول تيريور: «كونتي كان دائما ما يعبر عن غضبه منه ومن باقي اللاعبين، وكان بهذه الطريقة يدفعهم لتقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر. هناك عدد قليل من اللاعبين في المنتخب البلجيكي الذين تدربوا أيضا تحت قيادة كونتي، ويقولون إن الطريقة التي يتحدث بها لوكاكو الآن تذكرهم كثيراً بالطريقة التي يتحدث بها كونتي. لذلك، فقد اكتسب لوكاكو الكثير من صفات كونتي الآن».
ورغم كل ذلك، فإن اللاعب الذي سجل 24 هدفاً الموسم الماضي في الدوري الإيطالي الممتاز، والذي يعد الهداف التاريخي لمنتخب بلجيكا، ما زال يتعرض لبعض الانتقادات من النقاد الذين اعتادوا على وصفه بأنه «المهاجم البلجيكي من أصل كونغولي». يقول جاكوبس عن ذلك: «إنه بطل في الوقت الحالي لأنه يسجل الأهداف. لكن يتعين عليك أن تكون واقعياً، وهو يعلم أنه حتى وقت قريب جداً - ودون أي سبب واضح - لم يكن ينال التقدير الذي يستحقه. الجميع يبحث عن أسباب لذلك، بمن فيهم أنا. يتم قبوله ما دام تسير الأمور بشكل جيد، لكن إذا ساءت النتائج فإنه يكون أول لاعب يتعرض للانتقادات».
وكان الكثير من الجدل قد أثير حول مستقبل لوكاكو بعد رحيل كونتي عن إنتر ميلان. وكانت تقارير صحافية ذكرت أن لوكاكو قد يرحل عن إنتر صوب تشيلسي أو مانشستر سيتي، خاصة بعد رحيل المدرب الإيطالي. وكان كونتي هو الذي ضم لوكاكو إلى إنتر من مانشستر يونايتد في صيف 2019، وساهما معا خلال الموسم الماضي في تتويج الفريق بلقب الدوري الإيطالي للمرة الأولى بعد غياب 11 عاما. وحسم لوكاكو في تصريحات للإذاعة البلجيكية الجدل بشأن مستقبله، حيث قال: «سأستمر في صفوف إنتر خلال الموسم المقبل». وأضاف «نعم سأبقى، لأنني أشعر بالارتياح في إنتر ميلان، ولا أجد أي سبب للرحيل حتى بعد مغادرة كونتي. وعلّق وكيل أعمال مهاجم فريق إنتر على الشائعات الأخيرة التي ربطت موكله بالرحيل عن الفريق هذا الصيف. وقال باستوريلو وكيل أعمال لوكاكو في تصريحات صحافية: «روميلو سعيد هنا في إنتر، لديه عقد مع النادي … لذلك لا توجد مشكلة على الإطلاق، الوضع هادئ».
ويعتقد لوكاكو أنه يفترض أن يصنف كمهاجم من الطراز العالمي الأول ويقول إن كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة له خلال هذا الموسم. جاءت تصريحات لوكاكو قبل اللقاء بين المنتخب البلجيكي ونظره البرتغالي بقيادة نجمه كريستيانو رونالدو في دور 16 ببطولة أوروبا 2020 والتي انتهت بتأهل بلجيكا إلى ربع النهائي قبل توديعها البطولة أمام إيطاليا. وسيطرت المقارنة بين اللاعبين على المشهد قبل المواجهة المرتقبة بين المنتخبين. وعن النجم البرتغالي المخضرم قال لوكاكو: «في هذه السن يواصل تألقه وأنا من جهتي سأسعى للاقتراب من إنجازاته قدر المستطاع». وأكد لوكاكو أن رونالدو كان مصدر إلهام وتحفيز كبير بالنسبة له.
وأضاف لوكاكو «أحب المنافسة. عندما يقول شخص ما إنه أفضل مني فأنا أرغب في التفوق عليه. ورونالدو يريد أن يكون الأفضل في كل شيء و(المهاجم الفرنسي كيليان) مبابي يريد أيضا الفوز بكل شيء». وقال لوكاكو أيضا: «قطعت خطوة كبيرة. اعتاد الناس على الإشارة إلى (روبرت) ليفاندوفسكي و(كريم) بنزيمة و(هاري) كين كلاعبين من الطراز العالمي الأول. بالنسبة لي كانوا يقولون عني (إنه يقدم أداء جيدا) والآن أنا لاعب من الطراز العالمي الأول أيضا. كان هذا هدفي الشخصي». وأردف المهاجم البلجيكي قائلا: «كان من الضروري الفوز بالألقاب. التتويج بلقب الدوري الإيطالي مع إنتر ميلان منحني دفعة وكنت أريد التتويج مع المنتخب البلجيكي، وهو الأمر الذي كان سيكون بمثابة أفضل إنجاز لهذا الفريق ولكن لم يحدث.
لوكاكو... قصة بدأت بمعاناة وتحديات مؤلمة وانتهت بميلاد نجم جديد
لم يكن طريق المهاجم البلجيكي مفروشاً بالورود لكنه أصبح هداف بلاده التاريخي وفائزاً بلقب الدوري الإيطالي
لوكاكو... قصة بدأت بمعاناة وتحديات مؤلمة وانتهت بميلاد نجم جديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة