لبنان على شفير هاوية حقيقية

أزمات مالية ومعيشية... وإشكالات فردية فاقمت المخاوف الأمنية

لبنان على شفير هاوية حقيقية
TT

لبنان على شفير هاوية حقيقية

لبنان على شفير هاوية حقيقية

يُجمع الخبراء والمعنيون بالشأنين المالي والاقتصادي على أن ما يشهده لبنان منذ عام 2019 غير مسبوق على مستوى العالم في التاريخ المعاصر، سواء لجهة حدة الأزمة وسرعة الانهيار، والأهم لجهة لامبالاة الطبقة السياسية الحاكمة باستيعاب ما يحصل من خلال إجراءات مستعجلة، لعل أبرزها تشكيل حكومة تدير الانهيار وتخفف من وقع وحدة الارتطام المرتقب. وتؤكد كل المعطيات أن البلد بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط المدوي، وهو ما عبّر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الأسبوع الماضي عندما جمع عدداً من السفراء والدبلوماسيين لإبلاغهم بأن «لبنان على مسافة أيام قليلة من الانفجار الاجتماعي». وكان قد سبقه رئيس الجمهورية ميشال عون عندما أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «لبنان يتجه إلى جهنم في حال عدم تشكيل حكومة».

يواجه لبنان اليوم عدداً قياسياً من الأزمات، تجعل مواطنيه بحالة صدمة، تفسّر عجزهم عن التحرك، كما فعلوا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 للإطاحة بالمنظومة الحاكمة. إذ تراهم منهمكين بتأمين قوتهم اليومي ومقومات الاستمرار والصمود بعد فقدان معظمها نتيجة نضوب احتياطي الدولار الأميركي لدى مصرف لبنان (البنك المركزي)، ما يهدّد بانهيار كل القطاعات، وأبرزها قطاع الطاقة والقطاع الصحي... بعدما تلاشى معظم القطاعات الأخرى.

- أزمة «فريدة من نوعها»
«البنك الدولي» أعلن في أحدث تقاريره أن «الأزمة اللبنانية قد تكون إحدى أشد 3 أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، نتيجة كساد اقتصادي حاد ومزمن». أما مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت فأقرّ بأن «خطر سقوط لبنان في مرتبة الدول الفاشلة بات واقعاً»، وذكر أن «مؤشر الدول الفاشلة»، الذي يصدره «الصندوق العالمي من أجل السلام»، يبرز تراجع لبنان 6 مراكز في الترتيب العالمي بين عامي 2020 و2021؛ حيث بلغ تراجعه خلال 5 سنوات 36 مركزاً ليصبح ترتيبه في عام 2021 بين الـ34 دولة الأكثر فشلاً من أصل 179 دولة يشملها التصنيف.
ويعتبر الدكتور ناصر ياسين، أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت والمشرف على «مرصد الأزمة»، أن «الأزمة اللبنانية لا تشبه أي من الأزمات الأخرى التي شهدناها في العقود الماضية»، موضحاً أنها «عبارة عن 3 أزمات كبيرة، مرتبطة الواحدة بالأخرى، الأزمة الأولى، أزمة الفجوة المالية المقدّرة بنحو 3 مليارات دولار والمكونة من 3 أضلع؛ تعثر المصارف، وإفلاس مالية الدولة، وتراجع موجودات مصرف لبنان. وهذه مجتمعة تشكل سابقة غير موجودة في أي دولة أخرى، ومن الصعب الخروج منها نتيجة صعوبة إعادة تكوين الأموال، لأن الأضلع الـ3 متعثرة، ما يعني الحاجة الماسة لضخ أموال من الخارج».
أما الأزمة الثانية، بحسب ياسين، فتكمن في «الدور الذي يلعبه بعض الأفرقاء اللبنانيين في الإقليم، وارتباط أحزاب وجماعات لبنانية بالصراع الإقليمي، ما أدى لازدياد العزلة الإقليمية وخسارة لبنان التحصين العربي، حتى الحصانة الدولية. وحل هذه الأزمة يتطلب نقاشاً على مستوى وطني لتحديد دور لبنان والأفرقاء اللبنانيين في الصراعات الإقليمية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التمعن بهذه المشكلة يجعلنا نفهم لماذا لبنان متأزم أكثر وغير قادر على الخروج من الفجوة المالية الكبيرة التي يتخبط فيها».
ويصف ياسين الأزمة الثالثة، بـ«أزمة إدارة الحكم»، معتبراً أن «الحديث عن أزمة نظام تبسيط للمشكلة التي تكمن بإدارة التعددية والاختلافات». ويضيف: «حق الفيتو مثلاً يعطل البلد منذ سنوات، ما ينعكس على كل شيء وبخاصة على عجزنا عن التعاطي مع الأزمة المالية الاقتصادية كما التعاطي مع المجتمع الدولي وإدارة قطاعات مهمة. فقوة الفيتو موجودة في أبسط الأمور كتعيين موظف، أو إنتاج كهرباء»، مشدداً على وجوب حصول «نقاش وطني لتحديد من يلعب دور الحَكَم، الذي يفترض برأيي أن يلعبه رئيس الجمهورية فلا يكون طرفاً. لكن للأسف ومع التركيبة اللبنانية الحالية وتنافس الجماعات بطريقة تعزّز سياسات الهوية، تحوّل الرئيس طرفاً لا مرجعاً فوق الاختلافات بين الجماعات».
ويرى ياسين أن هذه الأزمات الـ3 تعمق أكثر المسألة اللبنانية، ما يضعنا أمام حالة «استعصاء للحلول تؤثر على كل شيء، وهو ما نشهده على مستوى القطاعات الحيوية حيث إنه لا إدارة صحيحة لموضوع المحروقات والدعم والطاقة والقطاع الصحي، والتعليمي، والبيئي... بجانب أن المؤسسات ما عادت لديها قدرة على التعاطي مع شؤون الناس وهي تضعف نتيجة غياب التمويل والدعم الخارجي». ويتابع: «إذا استمررنا على هذا المنوال فستطول الأزمة وتستمر لسنوات. البنك الدولي وضع مدة زمنية من 29 سنة، بأسوأ سيناريو، و12 سنة في أفضل سيناريو كي نعود لحجم الاقتصاد الذي كان قبل الأزمة. وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا حصل تعاطٍ جدي مع الأزمة مترافق مع استقرار سياسي وإعادة إحياء قطاعات معينة، والعمل على سد الفجوة المالية من خلال الانفتاح على تمويل دولي مرتبط بإصلاحات جدية، عندها يمكن أن يتحرك الاقتصاد اللبناني، خاصة أن المجتمع اللبناني بنهاية المطاف مجتمع حيوي، لكن كل ذلك يتطلب قراراً سياسياً واضحاً».
ووفق البنك الدولي، تؤثر الأزمات التي يتخبط فيها لبنان على 4 خدمات عامة أساسية، هي الكهرباء، ومياه الشرب، والصرف الصحي، والتعليم.

- كابوس سعر الصرف
من ناحية أخرى، هناك كابوس «سعر الصرف» مع فقدان الليرة اللبنانية خلال أقل من سنتين أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار، إذ يبلغ سعر الصرف حالياً نحو 18000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بينما يستمر سعر الصرف الرسمي على عتبة 1500 ليرة للدولار. ومع بقاء الرواتب على ما كانت عليه، انحدر أكثر من نصف اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر وفقدوا قدراتهم الشرائية. وقدّر مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت أخيراً أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت 1100 في المائة، لافتاً إلى أن تضخّم أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال شهر يونيو (حزيران) سيجعل 72 في المائة من الأسر تتعسر في تأمين طعامها.
من جهتها، تقول الدكتورة ليال منصور، الأستاذة الجامعية والباحثة في الشأنين الاقتصادي والمالي: «نحن لا نزال في بداية الأزمة الاقتصادية، طالما لم يحصل حتى الساعة اعتراف بالأزمة من قبل المسؤولين اللبنانيين، لأن الاعتراف لا يكون بالتصريحات، إنما باتخاذ إجراءات لمعالجتها». وتوضح منصور لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع اللبناني الحالي لا يشبه ما كان عليه الوضع في اليونان وقبرص، لأن أزمتهما كانت مصرفية لا نقدية، والفارق كبير جداً بينهما. فأزمة سعر الصرف في لبنان هي التي أدت لاحتجاز الودائع في المصارف بعد استنزاف الاحتياطي الإلزامي». وتضيف: «في كل بلد مدَولَر (لديه رفاهية استخدام عملة غير العملة المحلية، وفي حالة لبنان الدولار) عندما تحصل أزمة في سعر الصرف تتوقّف المصارف عن إعطاء الودائع بالدولار، ولا يعود البنك المركزي قادراً على السيطرة عليها لأنها عملة لا يطبعها، فيعوّض ذلك بطبع كميات كبيرة من العملة الوطنية ما يخلق تضخّماً هائلاً».
منصور تُشبّه الأزمة اللبنانية بأزمة الأرجنتين وبعض أزمات دول أميركا الجنوبية، وتعتبر أنها قريبة جداً من أزمة تركيا حيث إن السوق هناك «مدَولَر» بنسبة 44 في المائة. وتشرح: «نحن مقبلون على الأسوأ. بدأنا بأزمة سعر صرف، ثم أزمة المصارف، ثم في السوبرماركات والغلاء والمستشفيات والمحروقات. كل يوم نتأخر فيه ستتفاقم الأزمة... وما نؤكده أن سعر صرف الدولار لن يتراجع. فكل التعاميم لا تُعيد سعر الصرف إلى الخلف. إنها تخفف فقط من سرعة انهيار الليرة أكثر فأكثر». وهنا، تنبه منصور من التوجه لرفع الرواتب اليوم الذي سيفاقم التضخم الذي بلغ 400 في المائة، كما تحذر من تحرير العملة في الوقت الراهن، ووفق المعطيات الاقتصادية والمالية الحالية، خاصة أن نسبة «الدَولَرة» في لبنان تفوق 75 في المائة. وترى أن الحل الذي قد يبدو حاداً هو «وقف عمل البنك المركزي، أقله لـ20 سنة بعدما أثبت فشله، والتوجه لما يعرف بـ(التثبيت الشديد) hard peg أي استخدام عملة صادرة من الولايات المتحدة تكون عندها عملية قوية وبفائدة منخفضة قادرة على أن تستقطب الاستثمارات والأموال، فنكون بذلك قضينا على الفساد وتهريب الأموال والمشروعات غير منتجة وأعطينا المصارف الاستقلالية المطلوبة... وهذا ما فعلته الأرجنتين التي نهضت مجدداً قبل أن تسقط من جديد لأنها تخلت باكراً عن هذا النظام».
ويقدّر البنك الدولي أنه في عام 2020 انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 20.3 في المائة، بعد انكماشه بنسبة 6.7 في المائة عام 2019. وقد انخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي للبنان من نحو 55 مليار دولار أميركي عام 2018 إلى ما يُقدّر بنحو 33 مليار دولار أميركي عام 2020، في حين انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنحو 40 في المائة من حيث القيمة الدولارية.
ويتوقّع البنك الدولي أن يرتفع معدّل الفقر في لبنان ليشمل أكثر من نصف السكّان خلال العام 2021. وهو ما يتوافق مع توقّعات لجنة الأمم المتّحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)؛ حيث أشارت إلى ارتفاع معدّل الفقر من 28 في المائة إلى 55 في المائة بين العامين 2019 و2020.
ويعتمد مصرف لبنان منذ سنوات سياسة دعم، لقطاع الكهرباء، وسّعها لتشكل أكثر من قطاع بعد اندلاع الأزمة عام 2019. لكن مع نفاذ الاحتياطات بالدولار، وجد نفسه مضطراً في الأسابيع الماضية للانطلاق بعملية ترشيد الدعم، وصولاً لرفعه تماماً، وهو ما يؤدي لتفاقم الأزمات كافة. وأقرّ مجلس النواب اللبناني، الأربعاء، بطاقة تمويلية مخصصة للأسر الأكثر فقراً بالتزامن مع بدء رفع الدعم تدريجياً عن مواد أساسية، آخرها المحروقات، لكن مجلس الوزراء لم يضع حتى الساعة آلية لتوزيع البطاقات وتحديد المستفيدين منها، كما أنه لم يؤمّن لها التمويل اللازم.
وبحسب البنك الدولي، فإن الدعم الذي اعتمده مصرف لبنان كان عبارة عن «دعم مُشوّه ومُكلف وتراجعي».

- فقدان مقومات العيش
وهكذا، تحولت يوميات اللبنانيين خلال الأشهر القليلة الماضية لجحيم حقيقي بعدما باتوا ينتظرون ساعات أمام محطات البنزين لملء خزانات سياراتهم، بعدما باتوا يقضون ساعات طويلة في العتمة نتيجة الشح في الفيول الضروري لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء والمازوت المستخدم لتشغيل المولدات الخاصة، مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان وتأخره في فتح اعتمادات للاستيراد. وتراجعت تدريجياً قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التيار لتصل ساعات التقنين في عدد من المناطق يومياً إلى 22 ساعة. ولم تعد المولدات الخاصة، على وقع شحّ الوقود، قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، ما اضطرها بدورها إلى اتباع تقنين.
وتغرق المناطق كافة في ظلام دامس. وتنتشر بشكل شبه دوري مقاطع فيديو وصور لأشخاص يناشدون المعنيين التدخّل لتوفير الكهرباء من أجل تشغيل ماكينات الأكسجين لأطفالهم أو أفراد عائلاتهم؛ خصوصاً مناطق لا تتوفر فيها المولدات الخاصة. وكانت استغاثة رجل نهاية الشهر الماضي في مدينة طرابلس (شمال لبنان) لإنقاذ طفلته المصابة بالربو قد أشعلت تحركات احتجاجية في الشارع.
وانعكست هذه الأزمات على إدارات الدولة ومؤسساتها التي يبدو واضحاً أنها تتداعى نتيجة انقطاع الكهرباء وانقطاع الحبر والأوراق. فبعدما توقف العمل في وزارة الخارجية بسبب انقطاع مادة المازوت اللازمة لتشغيل المولدات، نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، توقفت صناديق الجمارك في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت عن قبض الرسوم بسبب عدم توافر الأوراق والمحابر، ما أدى إلى مشكلة في حركة الشحن. وتزامن ذلك مع توقف كل المعاملات في أحد مركز الأمن العام بسبب انقطاع الكهرباء وتعطل المولدات الكهربائية، كما توقفت أنظمة أجهزة الكومبيوتر التابعة لوزارة المالية في قصر عدل بيروت، ما تسبب بوقف كل معاملات استيفاء الرسوم.
كذلك لم تسلم الأحكام القضائية من الأزمة وشحّ الأموال باعتبار أن إحدى المرجعيات تلقت رسالة جوابية رداً على مراجعتها حول دعوى كانت قد رفعها أمام مجلس شورى الدولة، مفادها: «القرار النهائي صدر، لكنه لم يرسل إلى التبليغ بسبب عدم توافر الورق في قلم مجلس شورى الدولة».
ولعل الأخطر من كل ما سبق، هو ما يحصل في القطاع الطبي، إذ يفتقد اللبنانيون كثيراً من الأدوية الأساسية بعد فقدانهم لأشهر حليب الأطفال. كما أن أمنهم الصحي بات مهدداً أكثر من أي وقت مضى لفقدان مستلزمات طبية أساسية ونتيجة تلكؤ الجهات الضامنة عن تسديد فواتير المستشفيات وحصر الطبابة بالحالات الطارئة.
ورفع مستوردو الأدوية مؤخراً الصوت، محذرين من نفاد مخزون مئات الأصناف الدوائية. وأعلنت نقابة مستوردي الأدوية، في بيان، أن «عملية الاستيراد متوقفة بشكل شبه كامل منذ أكثر من شهر»، بعدما تجاوزت قيمة المستحقات المتراكمة والمترتبة لصالح الشركات المصدرة للأدوية 600 مليون دولار، كان يجب أن يدفعها المصرف المركزي، بالإضافة إلى فتح اعتمادات جديدة. وقال نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، لوكالة الصحافة الفرنسية: «ستكون الحالة كارثية مع نهاية شهر يوليو (تموز)... سيحرم آلاف المرضى من أدوية علاجهم».
كذلك، يشهد لبنان هجرة جماعية للكوادر الطبية والتمريضية. إذ صرّحت نقابة الأطباء عن هجرة نحو 400 طبيب في العام 2020، وارتفاع العدد إلى 600 طبيب بحلول فبراير (شباط) 2021. فيما أشارت نقابة الممرّضات والممرّضين إلى هجرة جماعية، يشهدها القطاع التمريضي؛ حيث يوجد ممرّض أو ممرّضة لكلّ 20 مريضاً، وهو رقم منخفض جدّاً مقارنة مع التوصيات العالمية التي تحتّم وجود ممرّض أو ممرّضة لكلّ 8 مرضى.
وتتزامن كل هذه الأزمات التي تعصف بالقطاع الطبي مع وصول المتحور الهندي «دلتا» لفيروس «كوفيد 19» إلى لبنان، ما أدى لارتفاع عدد الإصابات مجدداً. وينبه الأطباء أن البلد سيكون مقبلاً على كارثة حقيقية في حال تفشي هذا المتحور في ظل الوضع المأساوي الذي يرزح تحته القطاع وفقدان الأدوية والمستلزمات الطبية.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.