الولايات المتحدة تخشى نفاد الوقت لإحياء اتفاق إيران النووي

التطوير الأخير للتقنية النووية يجعل اتفاق 2015 غير فعّال

منشأة بوشهر النووية في جنوب إيران (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية في جنوب إيران (أ.ف.ب)
TT

الولايات المتحدة تخشى نفاد الوقت لإحياء اتفاق إيران النووي

منشأة بوشهر النووية في جنوب إيران (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية في جنوب إيران (أ.ف.ب)

بدأ فريق الرئيس الأميركي جو بايدن في التعامل مع احتمال أن يكون الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، الذي وعدت واشنطن بإحيائه، بات بعيد المنال. وتضاءلت الآمال مؤخراً في العودة السريعة للاتفاق النووي بعد ست جولات من المفاوضات في فيينا، مع القليل من الدلائل على موعد بدء الجولة السابعة. كما تفاقم الجمود بسبب التقدم التكنولوجي لإيران وانتخاب رئيس جديد متشدد، ما أثار الشكوك حول ما إذا كانت الاتفاقية التي تم التوصل إليها في عام 2015 ثم تخلى عنها دونالد ترمب في 2018 ستكون كافية لتقييد طموحات طهران النووية.
وأعطى الأسبوع الأخير مثالاً آخر على مدى التقدم الذي أحرزته إيران في السنوات الثلاث، منذ أن تخلى ترمب عن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) وبدأ حملة «أقصى ضغط» بمجموعة عقوباتها. وقد أفادت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، يوم الثلاثاء الماضي، بأن إيران اتخذت خطوات لصنع صفائح وقود معدنية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة. ويعتبر ذلك محظوراً بموجب اتفاقها مع القوى العالمية ويمثل خطوة مهمة نحو إنتاج قنبلة نووية.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن كيلسي دافنبورت، من الوكالة الدولية للحد من انتشار الأسلحة، أنه كلما اكتسبت إيران المزيد من المعرفة «أصبح من الصعب ضمان أن يكون الاتفاق النووي فعالاً ضد تطوير الأسلحة النووية مثلما كان في عام 2015. إنها لعبة خطيرة... فإيران تعرض محادثات فيينا للخطر من خلال مواصلة الأنشطة النووية التي لا يمكن التراجع عنها بالكامل».
كما أن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران ، في يونيو (حزيران)، يجعل الأمر أكثر صعوبة، إذ تتمثل الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة في إعادة الانضمام إلى الاتفاقية ثم التوصل إلى ما تسميه صفقة «أطول وأقوى» تعالج قضايا مثل توسيع القيود المفروضة على برنامج إيران النووي، بعضها من المقرر أن تنتهي صلاحيته بحلول عام 2025. وستسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى فتح مفاوضات للحد من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وكذلك دعمها للجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية. من جانبه، أوضح رئيسي أن حكومته، التي ستتولى السلطة في أغسطس (آب) المقبل، لن تجري مثل هذه المناقشات.
وقال ريتشارد جولدبيرغ، المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التي تعارض الاتفاق النووي: «لقد ذهب هذا الوهم الآن، فقد سلبه رئيسي».
ستحصل إيران على بعض الفوائد الواضحة من إيجاد طريقة للعودة إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، تتمثل في إنهاء العديد من العقوبات التي أعاقت اقتصادها قبل وأثناء جائحة «كوفيد – 19». وكان أشد القيود هو الحظر الفعال على البيع القانوني للنفط في الخارج، الذي كان في يوم من الأيام أكبر مصدر للإيرادات الخارجية لطهران، لكن بعد ثلاث سنوات تمكنت الحكومة الإيرانية من تجاوز تلك العقوبات، فضلاً عن أزمات أخرى مثل إسقاط جيشها لطائرة ركاب في أعقاب قتل الولايات المتحدة لقاسم سليماني أوائل العام الماضي.
العودة إلى الجهود المبذولة لإحياء الصفقة القديمة هي قضية أساسية، فقد كان الهدف المركزي لاتفاقية 2015 هو تقييد البرنامج النووي الإيراني بإحكام بما يكفي لدرجة أنها ستحتاج إلى عام كامل لبناء قنبلة إذا اختارت «الخروج» من اتفاق. لكن إذا كانت إيران قد اكتسبت بالفعل القدرة على إنتاج قنبلة في غضون بضعة أشهر، فهل هناك أي جدوى من محاولة العودة إلى الصفقة؟
حتى مع إصرار القادة الإيرانيين على عدم وجود نية لديهم لبناء قنبلة، فقد طردوا العديد من المفتشين الدوليين ويقومون بتطوير أجهزة طرد مركزي يمكنها تخصيب اليورانيوم أسرع 50 مرة من السابق. ووفقاً للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، فقد تقلص وقت «الاختراق» النووي إلى «ربما بضعة أشهر».
وفي إفادة للصحافيين الثلاثاء، قال برايس: «ندرك أنه مع مرور الوقت سيكون للتقدم النووي الإيراني تأثير على وجهة نظر العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ كانت إحدى المزايا الرئيسية لذلك الاتفاق هي إطالة وقت الاختراق هذا. فإذا بدأت هذه المزايا في الاختفاء، فسنضطر إلى إعادة تقييم ما وصلنا إليه في هذه العملية».
وأجبر هذا التطور على الشروع في بعض التفكير الإبداعي، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على الأمر لوكالة «بلومبرغ» الإخبارية. تتمثل إحدى الأفكار في مطالبة إيران بتخزين أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً تحت ختم «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى أن يسمح الاتفاق باستخدامها في عام 2025 بموجب أحكام «انقضاء» الاتفاق.
فكرة أخرى هي أن تقلل إيران عدد أجهزة الطرد المركزي لديها، حيث يقول الأشخاص المطلعون على الأمر إن هذه المحادثات الفنية استمرت أثناء إجراء المفاوضات الأوسع. لكن المتشككين في الصفقة - بمن فيهم الجمهوريون وبعض الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي - جادلوا منذ فترة طويلة بأن الاتفاق في أفضل الأحوال يؤخر البرنامج النووي الإيراني.
وفي هذا الصدد، قال السيناتور بن كاردان، وهو ديمقراطي من ولاية ماريلاند: «لقد حدث الكثير منذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، حيث أصبح العالم مكاناً مختلفاً. الآن قد يكون حرمان إيران من التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة... قضية خاسرة».
وقال راي تاكيه، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي: «لقد أبحرت تلك السفينة - تمتلك إيران اليوم مواد تصلح لصنع الأسلحة النووية وأجهزة طرد مركزي متطورة. لذلك فإن أي شخص يعتقد أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة يعيد برنامج إيران النووي إلى المربع ليس لديه فهم دقيق للوضع».
هناك أيضاً معرفة من كلا الجانبين بأن أي اتفاق يتم التوصل إليه الآن يمكن أن يكون عابراً على أي حال. إذا فاز الحزب الجمهوري بالبيت الأبيض في عام 2024. فمن المحتمل أن يتم إلغاء الصفقة التي جرى إحياؤها الآن، مرة أخرى مثلما فعل ترمب. وقد نتج عن ذلك تفكير قصير المدى من كلا الجانبين، في محاولة لانتزاع المكاسب الآن وترك المستقبل ليحل نفسه بنفسه لاحقاً.



خامنئي لصناع القرار الإيراني: لا تستمعوا لمطالب أميركا والصهاينة

صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
TT

خامنئي لصناع القرار الإيراني: لا تستمعوا لمطالب أميركا والصهاينة

صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم

أغلق المرشد الإيراني علي خامنئي الباب أمام المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة، بعدما أرسلت حكومة الرئيس مسعود بزشكيان إشارات إلى إمكانية إنهاء القطيعة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يتولى مهامه لولاية ثانية في البيت الأبيض.

ودعا خامنئي، الأربعاء، المسؤولين وصناع القرار في بلاده «ألا يأخذوا طلبات ومواقف أميركا والصهاينة بعين الاعتبار؛ لأنهم أعداء للشعب والجمهورية الإسلامية ويتمنون تدميرها».

وحذر من أنه «إذا استمع المسؤولون في بلادنا في أي مرحلة من مراحل اتخاذ القرار حول القضايا المختلفة إلى التوقعات غير المبررة من الأميركيين، أي مراعاة مصالحهم، فإنهم يكونون قد هددوا ديمقراطية البلاد وجمهوريتها».

والأسبوع الماضي، قال علي عبد العلي زاده، كبير مستشاري الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن «مجموعة الحكم وصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة».

وأثارت عودة ترمب للبيت الأبيض تساؤلات حول كيفية تعامله مع طهران، خصوصاً الملف النووي الإيراني، مع بلوغ طهران مستويات متقدمة من تخصيب اليورانيوم القريب من مستوى إنتاج الأسلحة.

وقد بعثت إدارة ترمب المقبلة وطهران برسائل متباينة حول ما إذا كانتا ستسعيان إلى المواجهة أو نوع من التفاهم الدبلوماسي بعد تولي ترمب مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، أم لا.

ومن غير الواضح ما إذا كان سيدعم المحادثات التي أجرتها إدارة جو بايدن مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي، أم لا؛ إذ تعهد بدلاً من ذلك باتباع نهج أكثر ميلاً للمواجهة والتحالف بشكل أوثق مع إسرائيل، العدو اللدود لإيران، التي كانت تعارض الاتفاق.

ووصف خامنئي العقوبات التي أعاد فرضها ترمب في 2018 بـ«السياسات الخاطئة وغير المجدية»، لافتاً إلى أن «هدفها هو إجبار الاقتصاد الإيراني على الركوع، ولكن الشعب الإيراني حقق أكبر تقدم في مجالات العلم والتكنولوجيا خلال فترة العقوبات، وظهر الشباب الإيرانيون الجاهزون للعمل في مجالات متنوعة».

وأضاف: «بالطبع، تسببت العقوبات في أضرار للبلاد، ولكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها، وإن شاء الله سيأتي يوم يحاسبهم فيه الشعب الإيراني على هذه الأضرار».

وقال إن «أحد مطالب الاستكبار، بمن في ذلك مسؤولو الجمهورية الإسلامية، هو مراعاة مصالحهم واعتباراتهم في تصميم القضايا المختلفة».

ومن شأن هذه التصريحات أن تزيد ضغوط المحافظين ووسائل إعلامهم على الرئيس مسعود بزشكيان المدعوم من الإصلاحيين.

لكن خامنئي عبر عن ارتياحه لـ«المواقف الصريحة والحاسمة والشجاعة، لرئيس الجمهورية (مسعود بزشكيان) ضد الكيان الصهيوني ودعم أميركا لجرائمه»، وقال إن «هذه المواقف أسعدت قلوب الشعب».

وقال خامنئي في بداية كلامه إنه موجه إلى «أولئك الذين يرتعبون من سياسات أميركا»، وذلك في خطاب سنوي تقليدي له أمام ممثلين من أهل قم، المعقل الأول لرجال الدين في البلاد، بمناسبة ذكرى مظاهرات دموية شهدتها المدينة قبل الإطاحة بنظام الشاه في 1979.

وأردف في السياق نفسه: «الذين يخافون من سياسات أميركا لا ينبغي أن يكونوا خائفين... على مدار عقود بعد الثورة، ارتكب الأميركيون أخطاء في حساباتهم فيما يتعلق بقضايا إيران، ويجب على الخائفين أن يعيروا اهتماماً كافياً لنقطة الضعف الأساسية والمستمرة في النظام الأميركي».

وقال خامنئي: «بعض الأشخاص يقولون: لماذا تتفاوضون وتتواصلون مع الأوروبيين ولا ترغبون في التواصل والتفاوض مع أميركا؟ أميركا كانت قد امتلكت هذا المكان، لكن تم انتزاعه من قبضتها؛ لذا فإن حقدها على البلاد والثورة هو حقد عميق! ولن تتخلى عنه بسهولة».

وأضاف: «أميركا فشلت في إيران، وهي تسعى لتعويض هذا الفشل».

وطالب خامنئي بالتركيز على العمل الإعلامي والدعائي لمواجهة الولايات المتحدة. وقال: «اليوم، فهم الأميركيون جيداً أنه لا يمكنهم تحقيق أهدافهم باستخدام الأدوات العسكرية فقط»، وأشار إلى «زيادة الأميركيين للبرمجيات الدعائية».

وأشار خامنئي إلى الحرب في غزة، وكذلك اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، وقال: «انظروا إلى ما حدث في غزة، قتلوا هذا العدد الكبير من الناس؛ دبابات، مدافع، قنابل، رشاشات، طائرات مسيرة. قتلوا جميع العناصر، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء على الحركة... وقاموا بتدمير العديد من العناصر، لكنهم لم يتمكنوا من تدمير (حزب الله)، ولن يستطيعوا ذلك. لذا يجب عليهم العمل عبر الوسائل الإعلامية الناعمة، يجب عليهم القيام بالدعاية».

وقال: «هذه نقطة مهمة لنا، نحن الشعب الإيراني. العمل الإعلامي الناعم هو اختلاق الأكاذيب لخلق فجوة بين الواقع وتصورات الرأي العام. أنتم تتقدمون بقوة لكنهم يروّجون أنكم تضعفون...هم يضعفون لكنهم يروجون أنهم يصبحون أقوى. أنتم تصبحون غير قابلين للتهديد، وهم يقولون إنهم سيقضون عليكم بالتهديدات. هذه هي الدعاية. وهناك من يتأثرون بها».

وقال: «اليوم، العمل الأساسي والمهم للأجهزة الإعلامية لدينا، للأجهزة الثقافية، للدعاية، لوزارة الثقافة والإعلام، لإذاعتنا وتلفزيوننا، ولنشطائنا في الفضاء الإلكتروني، هو أن يمزقوا وَهْم قوة العدو، أن يكسروا هذا الوهم، وألا يسمحوا لدعاية العدو بالتأثير على الرأي العام».

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد أدلى بتصريحات مماثلة عن أهمية الإعلام، وذلك خلال مؤتمر لـ«الحرس الثوري»، الثلاثاء.

وقال عراقجي: «إلى جانب الميدان (الأنشطة الإقليمية لـ«الحرس الثوري») والدبلوماسية، يوجد محور ثالث يسمى الإعلام».