انقلابيو اليمن يواصلون فرض القيود على عمل المنظمات الإنسانية

TT

انقلابيو اليمن يواصلون فرض القيود على عمل المنظمات الإنسانية

أفادت مصادر مطلعة في صنعاء بأن الميليشيات الحوثية عادت مجدداً إلى مضايقة ما تبقى من المنظمات الدولية والمحلية العاملة بمدن ومناطق سيطرتها، من خلال منع إقامة دورات تندرج ضمن مشروع الاستجابة الأممي الطارئ لليمنيين الرامي إلى لتمكينهم من الصمود والتعافي وتوفير سبل العيش في ظل ما تشهده البلاد من أوضاع معيشية متردية خلفها الانقلاب والحرب الحوثية.
وذكرت مصادر عاملة في منظمات دولية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الميليشيات عرقلت قبل أيام أحد المشاريع الأممية في محافظة ذمار يتعلق بتدريب شريحة الشباب على مواجهة التحديات وكسب العيش، تحت مبررات باطلة.
وبحسب هذه المصادر، فإن الجماعة طالبت القائمين على الدورة بتحديد المستفيدين من المشروع والممولين له بهدف الاستفادة منها وتوجيهها نحو خدمة مصالحها.
وفيما يتعلق بالتدخل الحوثي في عمل واختصاصات ومهام المنظمات ومشروع الاستجابة الإنساني، أفاد أحد المدربين في منظمة أممية بأن الجماعة منعته من تنفيذ دورة تدريبية بمحافظة ذمار (100 كلم جنوب صنعاء)، الأمر الذي أدى إلى حرمان نحو 50 شخصاً من أصحاب المشاريع الصغيرة مشمولين في التدريب للاستفادة من برامج تلك الدورة الرامية لتنمية وتحسين قدراتهم على الصمود والنمو الاقتصادي وسبل العيش.
وتحدث خبير التنمية البشرية، الذي طلب عدم ذكر اسمه لاعتبارات تتعلق بسلامته، عن أن الميليشيات اشترطت على القائمين على الدورة تقديم المادة التدريبية وجميع البيانات المتعلقة بها وإدراج عناصر تابعين لها لتلقي التدريب، بالإضافة إلى تغيير المدرب بآخر ينتمي لها مقابل السماح بتنفيذ برنامج الدورة.
وأشار إلى استمرار رفض الانقلابيين لكل الأنشطة التدريبية والتوعوية التي تقام بمناطق سيطرتهم، خصوصاً تلك التي تحث على السلام والتعايش وإيقاف الحرب.
وقال إن الجماعة تواصل ابتزاز المنظمات وتجبر العاملين فيها على حرف مسار أنشطتهم التي يقيمونها وتوجيهها صوب ما تطلق عليه الميليشيات «تعزيز جبهات مواجهة العدوان»، التي تتركز في الغالب على إلقاء المحاضرات الطائفية لتكريس ثقافة العنف والقتل والكراهية.
ولفت الموظف الإنساني إلى أن المنظمة تهتم بتزويد أفراد المجتمع بالمهارات والأموال اللازمة لإنشاء وتنمية الأعمال التجارية الصغيرة، وتمكينهم من استعادة ملكة تعافيهم الشخصي والمجتمعي.
وكانت تقارير محلية وأخرى دولية اتهمت بوقت سابق، الجماعة بتنفيذ حملات ابتزاز وتعسف بحق المنظمات، وصلت بعضها للتدخل المباشر في جميع اختصاصاتها ومهامها عبر صياغة المشاريع والبرامج والمواد التدريبية وتوجيهها صوب خدمة أجندتها ومشاريعها.
وأكدت التقارير أن الجماعة فرضت طيلة سنوات الانقلاب الماضية هيمنتها الكاملة على المنظمات الدولية والمحلية والجمعيات الخيرية في عموم مناطق سيطرتها ضمن مساعيها للاستحواذ عليها وتحويل ملكيتها إليها ومصادرة أملاكها وأرصدتها وتغيير أسمائها وإداراتها أو تعيين مشرفين بمهام نافذة فيها.
ووفق بعض التقارير، فقد منعت الميليشيات قبل أشهر قليلة منظمات في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها من تنفيذ أي نشاط قبل موافقتها، وإدخال التعديلات عليها، وأن يكون المدربون تابعين للجماعة وأن يكون ما نسبته 20 في المائة من المتدربين من عناصرها.
وكانت مصادر يمنية في صنعاء كشفت، في وقت سابق، لـ«الشرق الأوسط»، عن إنشاء الجماعة، بصورة غير معلنة ومخالفة للقانون، صندوقاً خاصاً يعمل تحت إشراف وإدارة ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، من أجل الاستحواذ على ما تبقى من أموال المانحين المقدمة للإغاثة والعمل الإنساني في اليمن، وتخصيص الجزء الكبير منها لصالح المنظمات والجمعيات التي أسستها الجماعة خلال فترات ماضية.
وألزمت الميليشيات حينها المنظمات الدولية والمحلية بمدن سيطرتها بتوريد مخصصاتها المالية المقدمة لليمن إلى حسابات هذا الصندوق، كما أبلغتها بعدم تخصيص أي مبالغ لمشاريع إلا بعد توريد المبالغ وجميع البيانات المتعلقة بها لحسابات الصندوق الذي سيعمل على مراجعتها وتقييمها والإشراف المباشر على تنفيذها حال الموافقة عليها.
ووضعت الجماعة، صلاحيات مطلقة للصندوق التابع لها على حساب عمل المنظمات الدولية والمحلية، ومن ذلك التحكم بالمبالغ المقدمة من المانحين وفرض الخطط لأماكن وأوقات تنفيذ المشاريع الإنسانية والإغاثية للمنظمات الدولية وصولاً للتدخل في فرض عاملين منفذين للمشاريع عند تسليمها للمستفيدين.


مقالات ذات صلة

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.