«تنازل إنساني» أميركي إضافي بانتظار «كلمة السر» من بوتين

شاحنات تحمل مساعدات إنسانية في باب الهوى على الحدود السورية -التركية (رويترز)
شاحنات تحمل مساعدات إنسانية في باب الهوى على الحدود السورية -التركية (رويترز)
TT

«تنازل إنساني» أميركي إضافي بانتظار «كلمة السر» من بوتين

شاحنات تحمل مساعدات إنسانية في باب الهوى على الحدود السورية -التركية (رويترز)
شاحنات تحمل مساعدات إنسانية في باب الهوى على الحدود السورية -التركية (رويترز)

قدمت واشنطن وحلفاؤها تنازلاً إضافياً لموسكو، على أمل إقناعها بالتصويت على تمديد قرار دولي لإيصال المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» إلى سوريا، مقابل حشد روسيا شركاءها لانتزاع مزيد من التنازلات الأميركية... بانتظار القرار النهائي من الرئيس فلاديمير بوتين.
مع وصول إدارة الرئيس جو بايدن، خفضت واشنطن سقف «أهدافها» في سوريا، وحددتها في ثلاث أولويات: «توسيع وتمديد» القرار الدولي للمساعدات «عبر الحدود» الذي تنتهي مدة العمل به غدا (السبت)، الهزيمة الكاملة لـ«داعش» ومنع عودته، ووقف شامل للنار في كامل سوريا، على أمل أن توفر هذه العناصر «أرضية» لإطلاق عملية سلام لتنفيذ القرار الدولي 2254.
هذا ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لنظرائه من «السبع الكبار» و«المجموعة المصغرة» وتركيا وقطر والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، في الجلسة المغلقة في روما في 28 من الشهر الماضي. يضاف إلى ذلك ملف آخر يخص العلاقة بين دمشق و«منظمة حظر السلاح الكيماوي».
إضافة إلى هذا الحشد الدبلوماسي الرفيع، وهو الأول من نوعه لإدارة بايدن، كان بلينكن ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن في مارس (آذار) الماضي، كما أن المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس - غرينفيلد زارت الحدود السورية - التركية. فوق كل ذلك، أبلغ الرئيس جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائهما في جنيف في 16 من الشهر الماضي، أن تمديد قرار المساعدات «مسألة حيوية». يضاف إلى ذلك أن مبعوث الرئيس الروسي، الكسندر لافرينييف، ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماغورك، اجتمعا في جنيف يوم الجمعة الماضي، وكان ملف المساعدات والقرار الدولي في رأس جدول النقاش.
الرسالة الأميركية من كل هذه الاجتماعات والتصريحات العلنية: تمديد قرار المساعدات أولوية لإدارة بايدن، التي تريد استمرار فتح معبر «باب الهوى» بين تركيا وإدلب، وإعادة فتح معبر «باب السلام» بين تركيا ومناطق «درع الفرات» التركية، ومعبر «اليعربية» بين العراق ومناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، حلفاء واشنطن. واعتبرت إدارة بايدن أن موقف بوتين من ذلك سيحدد مستقبل الاتصالات الثنائية حول سوريا، وبات الدبلوماسيون والمسؤولون الغربيون يقولون إن التصويت في مجلس الأمن هو «اختبار أميركي» لروسيا.
في المقابل، حشدت روسيا حلفاءها واحداً بعد الآخر وراء موقف واحد: لا تمديد للقرار الدولي، ويجب أن يتم تقديم المساعدات عبر دمشق والحكومة السورية، ويجب أن يبحث ملف المساعدات ضمن «سلة شاملة» تشمل الموقف من العقوبات الغربية وإعمار سوريا والتطبيع مع دمشق. أيضاً، لمحت موسكو إلى أن القرار النهائي هو في الكرملين، الذي يربط ذلك بمسار العلاقات الثنائية وملفات دولية أخرى.
حلفاء أميركا الأوروبيون يريدون بالفعل تمديد قرار المساعدات «عبر الحدود»، لكنهم أيضاً معنيون بتقديم الدعم للسوريين في مناطقهم وفي دول الجوار، لـ«إقناعهم» بعدم التفكير بالمجيء إلى أوروبا، خصوصاً أن ملفي الهجرة والإرهاب باتا أكثر حساسية لدى الرأي العام الأوروبي مع تصاعد اليمين في أوروبا، كما أن تقديم المساعدات يلقى صدى عند مؤسسات المجتمع المدني واليسار الأوروبي. وربما هذا هو أحد أسباب الدعم الكبير الذي يقدمه الغربيون لتمويل المساعدات، بحيث وصل المبلغ إلى حوالي 25 مليار يورو خلال عشر سنوات.
المفاجأة الأولى التي واجهتها واشنطن جاءتها من حليفتيها الأوروبيتين: آيرلندا والنرويج، اللتين قدمتا مشروع قرار يطلب فقط تمديد اعتماد معبرين حدوديين بدلاً من ثلاثة. وقوبل هذا المشروع برفض من واشنطن التي تريد ثلاثة معابر، ومن موسكو التي لا تريد أياً منها. وعادت الدولتان الأوروبيتان لتقدما، أول من أمس، مسودة جديدة، تقترح إعادة فتح «اليعربية»، وتمديد اعتماد معبر «باب الهوى». وقابل الوفد الروسي هذا الاقتراح بأنه انسحب من الاجتماع التفاوضي.
«الرد» الغربي –الأميركي كان بتقديم تنازل إضافي، بحذف معبر «اليعربية»، على أمل أن يوفر ذلك أرضية مقبولة لروسيا لتمديد العمل بالقرار الدولي، خصوصاً أن موسكو وأنقرة تتفقان على «خنق» مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة الأكراد.
قبل ذلك، كان الجانب الأميركي قدم إغراءات لنظيره الروسي للموافقة على تمديد القرار الدولي، بينها الموافقة على تقديم مساعدات لأمور تخص «الإنعاش المبكر» و«الصمود» بين السوريين، إضافة إلى إيصال المساعدات «عبر خطوط» التماس بين مناطق النفوذ السورية الثلاث... للمساهمة في منع ولادة التطرف، و«داعش» وأخواته.
أما موسكو، فهي ماضية في تصعيد موقفها التفاوضي، إذ أنها جلبت أنقرة وطهران إلى موقفها خلال اجتماع «ضامني أستانة» أمس، بحيث إن البيان الثلاثي الختامي لم يذكر المساعدات «عبر الحدود»، بل إنه أكد على ضرورة إيصالها لـ«جميع السوريين في جميع أنحاء البلاد دون تمييز وتسييس وشروط مسبقة»، مع دعوة «المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية، إلى تعزيز المساعدة لسوريا... من خلال تطوير التعافي المبكر واستعادة أصول البنية التحتية الأساسية، مثل مرافق إمدادات المياه والطاقة والمدارس والمستشفيات والأعمال الإنسانية المتعلقة بالألغام».
إلى الآن لم تقل موسكو «كلمة السر» من العروض الغربية، وما إذا كانت ستستخدم حق النقض (فيتو) ضد مسودة القرار الدولي، أم أنها ستمدد قرار تشغيل معبر «باب الهوى» لستة أشهر أو سنة.
الرهان الغربي هو أن الكلمة هي للكرملين، وأن بوتين لا يريد أن يغلق الباب أمام بايدن منذ بداية عهده، وأن القرار الأخير سيكون صيغة لقرار دولي يبقي باب التفاوض مفتوحاً بين الكرملين والبيت الأبيض.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».