استبق الرئيس إيمانويل ماكرون قمة فرنسا وبلدان الساحل الخمسة التي تلتئم اليوم افتراضيا بدعوة من باريس، بدعوة اثنتين من الشخصيات «الساحلية» الرئيسية من أجل لقاءات تحضيرية مكثفة في قصر الإليزيه».
الأولى، هي رئيس تشاد الجنرال محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الذي تشكل عقب والده، الرئيس إدريس ديبي الذي قتل في معارك شمال تشاد في شهر أبريل (نيسان) نيسان الماضي». وأهمية وجود ديبي في باريس تعود لكون القوات المسلحة التشادية، رغم انشغالها بالمحافظة على الأمن وإحباط محاولات الحركات الانقلابية، تعد الأقوى والتي يمكن الاعتماد عليها لاحتواء وضرب المجموعات الجهادية والإرهابية، ولأنها تشكل العصب الأساسي للقمة الأفريقية المشتركة المسماة «جي 5» التي تضم كتائب من دول الساحل الخمس «موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا ــ فاسو».
والشخصية الثانية هي الرئيس النيجيري محمد بازوم الذي تتعرض بلاده، كما مالي، لهجمات متواصلة من مجموعات جهادية وإرهابية وبالتالي هي معنية بشكل خاص، بقرار باريس إجراء تحويل جذري بطبيعة مهمات قوة «برخان» الموجودة في المنطقة منذ العام 2014، وفق ما أعلن ذلك الرئيس الفرنسي في شهر يونيو (حزيران) الماضي». وأصبح معلوما أن فرنسا تريد أن تركز القوة الفرنسية على محاربة التنظيمات الجهادية فقط وليس مساعدة سلطات الدول المعنية على بسط سيطرتها على أراضيها ولا أن تحل مكانها في مهماتها الرئيسية».
وبالتوازي مع القمة المشار إليها التي هي الأولى من نوعها منذ الكشف عن خطط الحكومة الفرنسية، فإن فلورانس بارلي وزيرة الجيوش الفرنسية ستصل إلى واشنطن اليوم من أجل إجراء مجموعة من اللقاءات تتناول في جانب منها موضوع الساحل، ورغبة باريس في الاستمرار بالاستفادة من الدعم الذي تقدمه القوات الأميركية لعمليات القوة الفرنسية بعكس ما كانت تخطط له إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترمب». وليس سرا أن الدعم الأميركي، متعدد الأشكال، ويعد «أساسيا»، لتحرك القوة الفرنسية ومعها القوة الأفريقية ولاحقا قوة الكوماندوز الأوروبية المسماة «تاكوبا» في منطقة شاسعة تساوي مساحتها مساحة أوروبا الغربية». وتتفرع المساعدة الأميركية إلى تزويد الطائرات الفرنسية جوا بالوقود وتوفير المعلومات الاستخبارية الأساسية بفضل طائراتها المسيرة المرابطة في قاعدة شمال النيجر، وذلك من أجل نجاح القيام بضربات استباقية تستهدف قادة وتجمعات الجهاديين». يضاف إلى ذلك أن وسائل النقل الجوية الأميركية تساهم في توفير قدرة على التحرك لقوة «برخان» والقوات الاحتياطية». وسبق للرئيس ماكرون أن تناول هذه المسألة مع نظيره الأميركي بمناسبة أول لقاءاتهما في لندن على هامش أعمال قمة السبع». كذلك أثير الملف بين وزيري خارجية البلدين إبان زيارة أنطوني بلينكن إلى باريس في 25 الشهر الماضي. وأعلن الأخير في مؤتمر صحافي مشترك أن بلاده «مستمرة» في توفير الدعم. ويراد من زيارة بارلي «ترجمة» الوعود الأميركية إلى عمليات محسوسة ومحددة». حقيقة الأمر أن الخطط الفرنسية تقلق قادة مجموعة الدول الخمس.
من هنا، فإن باريس تحرص على «طمأنتها» والتأكيد على أن تحويل «برخان» إلى قوة تركز على محاربة المجموعات الجهادية والإرهابية لا يعني أبدا تخليها عن دعم أمن واستقرار هذه الدول التي تعاني اثنتان منها من مصاعب سياسية داخلية. فبالإضافة إلى ما شهدته تشاد بعد مقتل رئيسها من ضرب أسس الانتقال السياسي عرض الحائط وتشكيل مجلس عسكري ثم إعلانه الجنرال محمد إدريس ديبي رئيسا، كذلك تعاني مالي وهي الحلقة الأضعف من تلاحق العمليات الانقلابية وهي اثنتان في عشرة أشهر ووجود توجهات للتفاهم مع مجموعات مسلحة متطرفة الأمر الذي ترفضه باريس.
ثمة تساؤلات تدور في الداخل الفرنسي حول «جدوى» الاستمرار في عملية عسكرية انطلقت قبل ثمانية أعوام وتكلف باريس ما لا يقل عن مليار يورو في العام وما زالت نتائجها العسكرية موضع نظر رغم النجاحات الميدانية التي حققتها القوة في الأشهر الأخيرة. وتخطط باريس لخفض عديد قواتها البالغ حاليا 5100 رجل إضافة إلى الانتشار الجوي والدعم اللوجيستي إلى 3500 رجل خلال العام الجاري وإلى 2500 رجل في العام 2023. كذلك، فإنها عازمة على إغلاق عدد من قواعدها العسكرية التي ترابط فيها «برخان» حاليا». وبالتوازي، سيسعى الرئيس ماكرون إلى إقناع القادة الأفارقة بجدوى التحول إلى «تحالف دولي» لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل يضم عدداً من الدول الأوروبية الراغبة في ذلك والتركيز على قوة «تاكوبا» الأوروبية المشكلة من مجموعات كوماندوز».
ويبلغ عديد هذه القوة في الوقت الراهن 600 عنصر نصفهم من الفرنسيين والآخرون من إيطاليا والسويد واستونيا وتشيكيا. لكن باريس تلقت وعودا من دول أوروبية من عدة دول بإرسال وحدات من دولها. ومهمة «تاكوبا» مزدوجة: تدريب القوات المالية، بشكل خاص من جهة، من جهة ثانية، مواكبة هذه القوات في العمليات التي ستقوم بها. وبالنظر لهذه العناصر، فإن مهمة ماكرون هي «إقناع» القادة الأفارقة بخططه الجديدة وطمأنتهم في الوقت الذي ما زالت فيه المجموعات الجهادية تتحرك وتنزل خسائر أحيانا كبيرة بالقوات المحلية. وتشكل منطقة «الحدود الثلاثية» «بين مالي وبوركينا-فاسو والنيجر» المنطقة الأخطر في الوقت الراهن. وفي يونيو اعترف الجنرال فرنسوا لوكوانتر رئيس أركان الجيوش الفرنسية بأن «الإرهاب يواصل توسعه وتجذره محليا وانتشاره عالميا وفقاً لتحرك يثير قلقنا». ومنذ عدة سنوات، تسعى باريس لدفع القوة الأفريقية «جي 5» التي يراد لها أن تكون القوة الضاربة المشتركة في محاربة الإرهاب. ومشكلة هذه القوة أن أفرادها لم يعتادوا العمل معا وهم يحتاجون لثلاثة أمور: التدريب والعتاد والتمويل.
باريس لجعل هذه القوة قادرة على القيام بمهام كانت تقوم بها «برخان» ودفع الدول الخمس إلى العمل معا بوجه عدو مشترك. وحتى اليوم، ما زالت مساهمتها محدودة وعاجزة عن إحداث تغيير ميداني ذي معنى.
«محاربة الإرهاب» أمام قمة تضم فرنسا وبلدان الساحل الخمسة اليوم
«محاربة الإرهاب» أمام قمة تضم فرنسا وبلدان الساحل الخمسة اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة