«كان» يعود بعد غياب... واعداً بحذر

المهرجان يُفتتح اليوم بأسئلة كبيرة وعروض كثيرة

فيلم «جزيرة بيرغمان» (الفرنسي)
فيلم «جزيرة بيرغمان» (الفرنسي)
TT

«كان» يعود بعد غياب... واعداً بحذر

فيلم «جزيرة بيرغمان» (الفرنسي)
فيلم «جزيرة بيرغمان» (الفرنسي)

تبدأ اليوم (الثلاثاء) أعمال ونشاطات مهرجان «كان» السينمائي في دورته الرابعة والسبعين. تخلف هذه الدورة الواقعية، دورة حُذفت بسبب تفشي الوباء في ربيع وصيف العام الماضي. كانت الدورة الغائبة (73) قد أُرجئت من الشهر الخامس إلى منتصف الصيف، من ثمّ أُلغيت تماماً. واكتفى المهرجان حينها بتوزيع عدد من أفلامه على مهرجانات متعاونة مثل مرسيليا وسان سابستيان وتورونتو.
الدورة الجديدة صفحة جديدة أو هكذا يؤمل لها. تُقام بدورها في خارج وقتها التقليدي في شهر مايو (أيار) للسبب ذاته الذي كان أدّى لإلغائها السنة الماضية. لكنها دورة حافلة بلا ريب.
هذا لا يعني أنّ هاجس «كوفيد - 19» بعيد عن البال. وللتأكد من عروض «صحية» أقدمت إدارة المهرجان على فرض قرارات عدّة بخصوص السلامة المتوخّاة، من بينها توزيع المقاعد وأهمّها أنّ من تلقى اللقاح مسبقاً، يستطيع الدخول بإبراز بطاقته، أما من لم يتلقاه فعليه زيارة العيادة القريبة لإجراء اختبار PCR كل 48 ساعة أو كل 72 ساعة.
بحسبة بسيطة سيؤم الموجودين الذين رفضوا أخذ اللقاح، العيادة من 4 إلى ست مرات خلال فترة المهرجان الممتدة من 6 وحتى 17 من الشهر الحالي. حين صدرت هذه القرارات المفيدة، لم تكن أحدث نسخة من «فيلم» كورونا باتت واقعاً. النسخة المقصودة هي المتحوّر دلتا، الذي صرّح وزير الصحة الفرنسي قبل أيام قليلة بأنّ نحو 30 في المائة من الإصابات الجديدة، هي من نوع دلتا وأنّ التلقيح قد لا يمنع الإصابة به.
24 فيلماً في المسابقة كثير منها لمخرجين جدد ولو أنَ معظمهم حقق أفلاماً عديدة من قبل، دارت على شاشات مهرجانات عدّة من دون أن تمنح مخرجيها الشهرة التي منحتها للبعض الآخر. من هذا البعض الآخر، الإيطالي ناني موريتي الذي حقق فيلمه الجديد «ثلاث حكايات»، قبل أكثر من عام، وكان من المنتظر عرضه في «كان» المُلغى، لكنه آثر انتظار «كان» الجديد عوض أن يعرضه في مهرجانات أخرى.
وس أندرسن هو اسم معروف آخر، يخص الدورة الحالية بفيلم «المرسال الفرنسي» The French Dispatch. التشادي محمد - صالح هارون عنوانه «لينغويني» Linguini (ذلك النوع من الباستا الذي يأتي على شكل قطع صغيرة). ومن المعروفين أيضاً الفرنسي فرنسوا أوزون، الذي لا يتوقف عن العمل، ولديه هنا «كل شيء سار على نحو جيد» (Everything Went fine). الفرنسي الآخر ليوس كاراكس يوفر فيلم الافتتاح «أنيت» (Annette).
هناك فرنسيان آخران معروفاً جيداً في المحافل وسبق لهما أن أمّا المهرجان أكثر من مرّة هما، جاك أوديار وبرونو دومو. يعرض الأول «باريس المقاطعة 13» والثاني فيلم عنوانه «في صباح يوم نصف واضح». هذا هو العنوان الإنجليزي للفيلم أما للتسمية الفرنسية فقد اختار دومو «فرنسا».
الإيراني أصغر فارهادي يعود إلى «كان» بفيلم «بطل» (A Hero)، وكذلك يفعل كل من الأميركي شون بن، موفّراً «يوم العَلَم» (Flag Day)، والهولندي بول ڤرهوڤن الذي يعرض «بنيديتا» (Benedetta) مع الجديدة فرجيني إيفيرا في العنوان.

- معروفون وشبه معروفين
لافت دخول الفيلم المغربي «إيقاعات كازابلانكا» (Casablanca Beats) المسابقة، لنبيل عيّوش. سنجد أفلاماً عربية أخرى في تظاهرات مصاحبة (بينها «نظرة ما»)، نحيط بها على نحو أفضل في تقارير مقبلة. كذلك هناك اشتراكات إسرائيلية عدّة موزّعة في هذه الأقسام وأحدها في المسابقة الرسمية.
إنه فيلم «نافاد لا بد»، الذي نال قبل عامين ذهبية برلين عن فيلمه «مترادفات» Synonyms يعرض في مسابقة «كان» كذلك فيلمه الجديد «رُكبة أحد» (Ahed’s Knee) المنتظر له أن يُثير جدالاً فنياً - سياسياً جديداً لتطرّقه، كما في فيلمه السابق، لقضايا المؤسسة الإسرائيلية بالنقد.
تنضم الفرنسية ميا هانسن - لڤ إلى مهرجان «كان» مجدداً، بعدما كانت قد عرضت سنة 2016. فيلمها «أشياء ستقع» (Things to Come) في مسابقة «نظرة ما» الموازية. يفصح عنوان فيلمها الجديد، «جزيرة برغمن» عن موضوعه. ليس تسجيلياً، كما ردّد البعض، على أساس أنّ أحداثه تقع في جزيرة فارو التي لجأ إليها المخرج السويدي الأشهر، بل دراما تتعامل وأميركيين (تيم روث وميا وازكوڤسكا) لجأ إلى منزل هناك، ليكتب كل منهما سيناريو مشروعه المقبل.
من المنضمّين مجدداً إلى «كان» الياباني ريوزوكي هاماغوتشي. كان عرض في المسابقة قبل ثلاثة أعوام «أساكو واحد واثنان» (Asako I & II)، ويعود إلى العرين الفرنسي بفيلمه الجديد «قُد سيّارتي» (Drive My Car).
الفنلندي يوهو كواسمنن كان بدوره أمّ مهرجان «كان» مرّتين من قبل (2010 بفيلم «بائعو الرسومات» و2016 بفيلم «أسعد يوم في حياة أولي ماكي») وهو يعود الآن بفيلمه الجديد «المقصورة 6» (Compartent N. 6).

- الباقون
باقي أفلام المسابقة تتوزع ما بين الفيلم المجري «قصة زوجتي» لإلديكو إنييدي التي رُشخ فيلمها الجيد السابق «عن الجسد والروح» (On Body and Soul)، إلى أوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 2018، بعدما كان فاز بذهبية برلين سنة 2017).
من الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى فيلم «يوم العَلَم» لشون بن هناك «رد روكيت» (Red Rocket) لشون بايكر.
من بلجيكا حضور للمخرج يواكيم لافوسي في دراما بعنوان «غير المستقرين» والنرويجي يواكيم ترايير «أسوأ شخص في العالم». الفرنسية جوليا دوكورنو تعرض «تيتان». الروسي كيريل سيربرنيكوڤ كان عرض مرتين سابقتين في «كان» الأولى سنة 2016 حين قدّم «الطالب» في «نظرة ما» والثانية بعد عامين عندما دخل المسابقة عن فيلمه «ليتو». هذا العام يعود بفيلم «إنفلونزا بتروڤ».
من أستراليا نجد «نيترام» لجوستين كورزَل الذي عرض قبل ثلاثة أعوام نسخته الخاصّة من فيلم «ماكبث» مع مايكل فاسبيندر في دور البطولة. ومن تايلاند يوفّر المخرج أبتشابونغ ويراسسثأكون، الذي لا يستطيع أحد حفظ اسمه غيباً، لكنّ بعض أفلامه تبقى في البال بما فيها «العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة»، الذي نال سعفة «كان» سنة 2010. قدّم هنا «ذاكرة» (memoria) (وحيد المسابقة، غالباً، بالأبيض والأسود). أخيراً، فيلم فرنسي سادس عنوانه «الكسر» La Fracture للمخرجة كاثرين كورسيني.

- مهرجانات أخرى
تأتي دورة «كان» هذه السنة كجزء من موسم المهرجانات المهمّة والكبيرة. في السابق كان يكمن على مسافة «آمنة» من برلين (الشهر الثاني) ومن فينيسيا (الشهر التاسع). الآن هو جزء من حفلات الصيف السينمائية وينتهي قبل 48 يوماً فقط من بداية المهرجان الإيطالي (من أول سبتمبر (أيلول) إلى 11 منه). وإذا كان هناك من منافسة بين المهرجانين فإنّ العام الحالي سيطلقها بقوّة. مهرجان يواصل الثقة بأنّه الأول حول العالم من حيث الأهمية (وهو في معايير عدّة كذلك) وآخر مال الميزان صوبه وطفح منذ خمس سنوات بحيث بات العديد من السينمائيين (مخرجين ومنتجين) يفضّلون التعامل معه.
لكن بداية موسم المهرجانات هذا العام لا تبدأ مع «كان» بل في مانهاتن نيويورك. هناك عرض مهرجان تربيكا في مناسبته العشرين 325 فيلماً، معظمها برميير عالمي أو برميير أميركي. وجين روزنثال تخبرنا قبل يومين من الافتتاح الذي تم في 9 يونيو (حزيران)، لعروض استمرّت حتى العشرين منه، أنّه «لم يكن صعباً إيجاد أفلام للعرض. كان صعباً الاكتفاء بما اخترنا عرضه من بين أكثر من 1350 فيلماً وصلنا». وأضافت: «عندما أسسنا جذوره في سنة 2002، كنا مدركين أنّ العالم مليء بالمهرجانات. نيويورك وحدها تحتوي على عشرات المهرجانات بما فيها ثلاثة أو أربعة رئيسية. لكننا انطلقنا لنتميّز بجهد تأكيد على أنّ الثقافة والسينما والحياة بأسرها عليها أن تستمر وتستطيع أن تستمر رغم إرهاب سبتمبر 2001».
بدورها، تقول كارا كوزومانو، رئيسة المهرجان ونائب رئيس البرمجة، إنّ المهرجان اختار مجموعة كبيرة ومتباينة من الأفلام لجمهور عريض: «كنا نعلم أنّ الجمهور توّاق، بعد انتشار الوباء وكل ما صاحبه من مشكلات وعقبات تواصل وممارسة الحياة الطبيعية للعودة إلى المهرجان. على ذلك كان علينا أن نتّخذ الاحتياطات وأن نتجاوز العقبات الكثيرة التي واجهتنا في سبيل إنجاز دورة ناجحة».
أحد هذه الأفلام هو الفيلم العربي الوحيد بين هذه المئات وهو «سعاد» لآيتن أمين (مصر). حظوظ الأفلام العربية في مهرجانات الولايات المتحدة، موزّعة في مهرجانات أخرى مثل سان فرنسيسكو وصندانس وبالم سبرينغز وسانتا باربرا. وفي كندا تورونتو.
بعد «كان» ينطلق المهرجان التشيكي كارلوفي فاري وفي أغسطس (آب) ساراييفو وإدنبرة وسيدني من ثمّ لوكارنو السويسري. وبعد «فينيسيا» في سبتمبر المقبل، تتوالى مهرجانات تورونتو ولندن وسان سابستيان وتليورايد (الولايات المتحدة) وهلسنكي (فنلندا) وزيوريخ (سويسرا). ويأتي أكتوبر (تشرين الأول)، بمهرجانات رئيسية وشبه رئيسية عدّة، أكبرها، بوسان (كوريا) وطوكيو.
خلال وبعد ذلك، تتناهى المهرجانات العربية: أيام قرطاج السينمائية (تونس)، و«الجونة» (مصر)، ومرّاكش (المغرب)، والقاهرة (مصر)، ومهرجان البحر الأحمر (السعودية).
لا ننسى أنّ العالم بات تحت رحمة «كورونا» ومترادفاته وما يسري اليوم من استعدادات في كل هذه المهرجانات قد يتوقف إذا ما وجد العالم نفسه أمام انتشار جديد للوباء.


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».