يحتفل غاليري تانيت في منطقة مار مخايل بالعودة إلى الحياة بكل تفاصيلها بعد الإقفال القسري الذي طاله لأشهر طويلة إثر انفجار مرفأ بيروت، في 4 أغسطس (آب) من العام الماضي.
ورشة الإعمار والبناء في الغاليري، تشهد ختام أعمالها اليوم حيث تُوضع اللمسات الأخيرة عليها. ومع معرض «معاً» يعيد «تانيت» افتتاح مساحته الشاسعة، مسلطاً الضوء على مفهوم التضامن والتعاون بالفكر والمشاعر والتصرفات.
منظمة المعرض وصاحبة الغاليري نايلة كتانة قالت لـ«الشرق الأوسط»: «قصدنا إطلاق هذا الاسم على المعرض، وقررنا أن ننطلق مع الأمل. الأمل بإكمال الطريق وتزويد شبابنا هواة الفن بجرعة حياة تعيد إليهم ما افتقدوه لفترة عامين من الشلل. ومن بين 61 مشروعاً فنياً صوتت اللجنة المسؤولة في الغاليري على أبرزها، وكانت النتيجة جمع 17 مشروعاً فنياً تحت سقف الغاليري الذي يستعيد نبضه من جديد في منطقة مار مخايل».
ويبرز عنوان المعرض كيف يمكن للفن أن يترجم التضامن والحسّ الجماعي سواءً من خلال الشعور، والفكر والتصرّف. والهدف إعادة الحياة إلى شارع مار مخايل عبر تقديم سلسلة من الاكتشافات. وتتابع كتانة: «إنها أعمال لم تُعرض من قبل لفنانين ناشئين وآخرين معروفين. ولكن المعيار الأساس الذي اتبعناه لمشاركتهم هو أن يكونوا مقيمين في لبنان».
يذكر أنّ لائحة الفنانين المشاركين في معرض «معاً» الفني، طويلة وبينهم علاء عيتاني وبتينا خوري بدر وكليمانس كوتارد وهاشم وكارولين تابت وكريستيان سليمان وكريستين كتاني وإلياس نفاع وسارة صحناوي والييش وغيرهم. وقد عبر كل واحد منهم عن كيف ينظر إلى الالتقاء والتكاتف، فعمله الفني مرتبط ارتباطا وثيقا بالقيمة الإنسانية وبالطبيعة وبلبنان.
وتوزع الأعمال بين بصرية وتجهيزات فنية وصور فوتوغرافية، ولوحات رسم ومقتطفات فيديو ورسوم غرافيكية متحركة.
وعلى مدخل المعرض تطالعك كتابات وآراء تقدم بها الفنانون الذين لبوا نداء الغاليري للمشاركة في هذا الحدث، للإشارة إلى معنى كلمة «معاً» بالنسبة لهم. كيف يقرأونها؟ ماذا تعني لهم؟ ومع من يطبقونها... فاحتفظت بها اللجنة الفنية في الغاليري، واعتمدتها قطعة فنية بحد ذاتها تستقبل زائر المعرض عند دخوله.
تكمل جولتك في أنحاء المعرض لتبدأ في اكتشاف قصص إنسانية كالتي تناولتها ميسا الخوري بعنوان «الوطن هو حيث كانت جدتي». فتعرض من خلال كاميرتها صورا فوتوغرافية توثق هذه العلاقة التي ولدت بينها وبين جدتها. وترفق الصور بثلاثة أفلام فيديو تظهر طبيعة هذه العلاقة وعفوية جدتها في التعبير. ومع كريستيان سليمان نطل على تقليد يعرف في الريف اللبناني بـ«التسليق». وهو من عادات ربات المنازل في القرية، إذ كنّ ينتشرن في الحقول ويقطفن النباتات الخضراء وأنواعاً من الزهور لتخزينها حسب مواسمها كمونة الشتاء. تؤلف هذه النباتات مجتمعة أو متفرقة أنواعاً من الزهورات التي تستخدم في تعطير الطبخات أو معالجة نزلات البرد بعد غليها. نتعرف إلى الزوفا والخاتمية وغيرها من الأعشاب التي قطفت من مناطق لبنانية مختلفة، كشاهد على علاقة اللبناني الحميمة مع الأرض.
كليمانس وكارولين ومن مبدأ المنافع التي تخزنها ثلاث نباتات: شقائق النعمان والسيكلامان والتنور قدمتا عملهما الفني تحت عنوان «أسرار الشمس». وتوضح المسؤولة عن المعرض إيليج: «إنها نباتات لبنانية استعمالاتها طبية واجتماعية، وقد استحدثتا لبعضها صندوقاً خاصاً من الخشب، يعلق على الحائط كتعويذة يتفاءل بها أهل البيت الواحد».
وفي أحد أركان المعرض تطالعنا قطع فنية لسارة صحناوي مصنوعة من السيراميك، تحكي فيها عن الأثقال الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي. وقدمتها كقطع مفككة عندما تجتمع يمكنها ممارسة هذا الثقل.
ومع بتينا خوري بدر نطّلع على آفاق واسعة لسماء مركبة بأجزاء وقطع صغيرة، وزعتها على طريقتها ضمن كادرات منمقة ومتلاصقة على لوحة واحدة. وتشير من خلال لوحة منفصلة إلى السماء الملبدة بدخان انفجار بيروت وأيام الحجر المنزلي. ولكن عندما تجتمع هذه الأجزاء معاً، تولد منظر الرونق الزرقاوي الذي نحبه في السماء.
ومن الأعمال التي تلفتك في المعرض واحد لطارق حداد وليتيسيا حكيم يتناولان فيه زمن التباعد الاجتماعي بعنوان «المسافة»، يقدمانه ضمن تجهيز فني، على شكل جسر مغطى بقماش شفاف ومطاطي، يفصل في شكله ما بين البحر والسماء.
أمّا منار علي حسن فتتناول موضوع التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي. وتجمع في فيديو مصور كل الاتصالات الإلكترونية التي قامت بها من خلال خدمات الـ«واتساب» وغيرها. وللجائحة مساحتها من المعرض بعد أن قدمتها كريستين كتاني في رسومات بيانية متحركة تظهر التغيير الذي تسببت به أرقام إصابات «كوفيد - 19» في لبنان.
ومع إيلياس نفاع ندخل عالم الخصوصية في مكعبات مصنوعة من الخشب والزجاج ومضاءة بالأحمر والأخضر والأصفر وغيرها. وتشرح ايليج: «الذي يزور هذا القسم هو مدعو للدخول إلى هذه المنازل الافتراضية الصغيرة وخربطة توزيعها ليبني عالمه الخاص».
وعلى أحد جدران المعرض في قسمه الداخلي، تطالعنا لوحات متراصة لأدوات وأكلات نستخدمها في يومياتنا، ويطرحها الثنائي نويل نصر وكليف مخول بأحجام صغيرة، للإشارة إلى تراجع قيمة عملة الألف ليرة الورقية. ملعقة صغيرة من القهوة ونصف كمامة وموزة وغيرها، هي الأشياء التي يمكننا أن نشتريها اليوم بقيمة هذه العملة.
وفي نهاية المعرض وعلى حائط أبيض نرى لائحة من الأسماء مكتوبة باليد، وهي بمثابة المشروع الفني لرندة ميرزا ولارا تابت (جان ومورو).
«معاً»... معرض بيروتي يحتفي بالقدرة على التضامن
«معاً»... معرض بيروتي يحتفي بالقدرة على التضامن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة