تساؤلات حول إثارة قضايا «موسمية» على «السوشيال ميديا»

تساؤلات حول إثارة قضايا «موسمية» على «السوشيال ميديا»
TT

تساؤلات حول إثارة قضايا «موسمية» على «السوشيال ميديا»

تساؤلات حول إثارة قضايا «موسمية» على «السوشيال ميديا»

أثار تكرار قضايا «موسمية» على «السوشيال ميديا» عدداً من التساؤلات حول دور منصات التواصل في صياغة «أجندة الجمهور»، خاصة مع ربطها بأحداث سنوية، إذ يرصد خبراء التواصل الاجتماعي «تكرار عرض القضايا ذاتها وفي التوقيت عينه كل سنة، وبالآراء نفسها أحياناً، مع تغييرات طفيفة في الحالات لتتماشى مع العام الجديد.
في مصر، مثلاً، مع بداية كل صيف تبدأ مواقع التواصل الاجتماعي عرض حالات «تمييز» ضد اللواتي ترتدين «المايوه البوركيني» في بعض الشواطئ. وفي موسم الامتحانات تظهر القضايا المتعلقة بكفاح الطبقة البسيطة من أجل التفوّق، بينما تسيطر المناقشات المتعلقة بـ«التحرش» على فترات الأعياد، فضلاً عن القضايا التي تطرح للنقاش بالتزامن مع بعض المناسبات الوطنية كالثورات.
مراقبون يرون أن خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هي المتحكم الأول بما يناقشه الجمهور، وإن قسمت الجمهور إلى فرق ومجموعات تعيش في فقّاعات مفصلة، لا تعرف كل مجموعة شيئاً عن الأخرى.
أنس بنضريف، وهو صحافي مغربي مقيم في هولندا، قال لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد إن «فكرة طرح مواقع التواصل الاجتماعي قضايا موسمية لا ترتبط بدولة معينة؛ بل على العكس، فهي ظاهرة متكررة في كثير من الدول»، ضارباً المثل بالوضع في المغرب، حيث «تثار القضايا نفسها كل عام مع اختلافات بسيطة». وأضاف: «بين القضايا المتكررة في المغرب تلك المواضيع المرتبطة بالشهادة الثانوية، فما إن تظهر النتائج حتى تبدأ قصص ومنشورات تتحدث عن ابنة بائعة الفطير المتفوّقة أو ابنة البواب، وغيرها من القصص الإنسانية عن كفاح الطبقات الكادحة، بينما تثار في رمضان قضايا كالإفطار العلني مثلاً».
من جهته، رأى فادي رمزي، خبير الإعلام الرقمي المصري في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «مواقع التواصل انعكاس لما يدور في الشارع. وبالتالي، من الطبيعي أن تحوي مناقشات تهم الشارع والجمهور العام، وبطبيعة الحال فإن هذه المواضيع قد ترتبط بمواسم معينة مثل الأعياد أو العطلات الرسمية أو إجازة الصيف وغيرها».
ثم يربط رمزي بين تكرار المناقشات وبين طبيعة الشعب المصري، فيقول إن «الشعب المصري عاطفي، وعادة ما يتفاعل مع نوعيات من المحتوى تثير مشاعره، وهذا ما يفسر تكرار القضية ذاتها والمناقشات بل والنتائج ذاتها». وهنا يفرّق بين «تركيبة الجمهور المصري ونظيره في دول الخليج مثلاً، مما يؤدي إلى اختلاف القضايا المطروحة وما يتحول إلى ترند».
وبالنسبة للقضايا المُثارة عامة، فقد سيطرت قضية «البوركيني» أخيراً على المناقشات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، على أثر ادعاء إحدى الفتيات منعها من السباحة في أحد التجمعات السكنية بـ«المايوه البوركيني». وفوراً، بدأ سيل من المناقشات حول حرية المرأة والتمييز ضد المحجبات في بعض الطبقات الاجتماعية، صاحبته مجموعة من التعليقات من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، تحدثت عن تكرار المناقشات نفسها مع بداية كل صيف، متسائلين عمّن يتحكم في أجندة الجماهير؟
بنضريف يعلق هنا شارحاً: «في السابق كانت هناك نظرية (حراس البوابة)، التي تعني أن المسؤولين عن الإعلام، هم الذين يتحكمون بما سيناقشه ويشاهده الجمهور، أما الآن فأي شخص لديه حساب على مواقع التواصل يستطيع أن يضع أجندة الجمهور». ويؤكد بنضريف أن «الإعلام تغيّر من نموذج النخبة التي تتحكّم في الأخبار والقضايا المطروحة، إلى نموذج السوق الذي يعكس البضاعة الرائجة التي تساهم خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي في تحديدها». ويشير إلى أن «هذا التحول لم يخلُ من تزييف وتشويه في بعض القضايا الكبرى مثل البريكست في بريطانيا».
رمزي يشير أيضاً إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي أداة، وليست الشيء المهيمن، فالمواطن الآن هو من يفرض الأجندة، وقد يكون هذا هو سبب ما نراه من موسمية للقضايا المطروحة للنقاش، فهي القضايا المرتبطة بطبيعة حياة الناس، وتنعكس بشكل مباشر عليهم». ويتابع قائلاً: «قبل بضع سنوات كانت القضايا الاقتصادية المتعلقة بالأسعار في مصر، هي القضايا التي تتحول إلى ترند. أما الآن فتتصدر الترند القضايا الاجتماعية مثل نتائج الثانوية العامة، إضافة إلى قضايا المشاهير، مما يقسم قضايا الترند إلى ثلاثة محاور: اقتصادي، واجتماعي، ومشاهير، وإن كانت ترندات المشاهير هي الأقصر عُمراً».
وللعلم، حسب دراسة نشرها مركز «بيو» الأميركي للأبحاث منتصف يوليو (تموز) الماضي فإن 36 في المائة من الأميركيين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لإظهار تأييدهم لقضية معينة. في حين تفيد دراسة سويسرية، نشرت منتصف العام الماضي، أن مواقع التواصل الاجتماعي قللت من سلطة «حارس البوابة التقليدي» في صياغة «أجندة الجماهير»، من دون أن تحدد هل الغلبة أصبحت لوسائل الإعلام أو لمواقع التواصل الاجتماعي؟
عودة إلى بنضريف الذي يقول إن «الخوارزميات في (فيسبوك) و(إنستغرام) تكرّس الآن ديكتاتورية الغالبية حتى لو كان ما تنشره الغالبية معطيات كاذبة ومضللة». ويشير إلى أن «جمهور مواقع التواصل عادة ما يتفاعل بقوة مع القضايا المتعلقة بالحريات العامة، وهذا ما يسبب تكرار الحوارات والمناقشات نفسها في مواسم معينة»، موضحاً أنه «إذا حاولنا تحليل هذه القضايا الموسمية سنجد أن معظمها متعلق بالحريات، مثل الإفطار في نهار رمضان والبوركيني... أو حتى القضايا المتعلقة بأحداث اجتماعية مهمة». ويضيف الصحافي المغربي: «تختلف طبيعة النقاش والقضايا المطروحة من منصة إلى أخرى، مما يقسم الجمهور الآن إلى مجموعات متفرقة مغلقة، لا توجد بينها نقاط مشتركة، تعيش كل مجموعة في فقاعة».
ويتفق الخبير المصري رمزي، مع هذا الرأي، قائلاً: إن «نوعية المنصة تتحكم بشكل كبير في المناقشات»، مشيراً إلى أن «فيسبوك يتصدر هذه النوعية من الجدل، وإن كانت هناك بعض القضايا قد تتناقل إلى غرف الدردشة على (كلوب هاوس)».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».