«شبكة المصالح» تُجهض المحادثات الليبية في جنيف

واشنطن تتحدث عن إدخال «حبوب سامة» لمنع إجراء الانتخابات

جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف (البعثة الأممية)
جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف (البعثة الأممية)
TT

«شبكة المصالح» تُجهض المحادثات الليبية في جنيف

جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف (البعثة الأممية)
جانب من أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف (البعثة الأممية)

عاد الأفرقاء السياسيون، بعد أربعة أيام من المحادثات والنقاشات الساخنة في جنيف، إلى ليبيا دون التوصل إلى توافق حول القاعدة الدستورية التي من المفترض أن تُجرى على أساسها «الانتخابات الوطنية» قبل نهاية العام الجاري؛ لكن الفشل الذي مُنيت به جولة أعضاء «ملتقى الحوار» كشف عن تحكم ما يعرف بـ«الأطراف الفاعلة» في مجريات المفاوضات عن بُعد من خلال ممثلين لها يتبنون أفكارها ويناضلون من أجل تحقيق مصالحها، وهو ما يهدد بإطالة أمد المرحلة الراهنة.
وبشيء من المرارة، قال الأمين العام المساعد، ومنسق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، رايزدون زينينغا، في الجلسة الختامية لـ«ملتقى الحوار» بجنيف، مساء أول من أمس،: «قبل خمسة أيام، أتيتم إلى هنا بهدف محدد للغاية وهو الوفاء بالالتزامات التي قطعتموها أمام الشعب الليبي والاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهذا الموعد أنتم مَن حددتموه وليس جديداً؛ غير أن الاختلافات لا تزال تتسبب في الانقسام بينكم، وتحيد بكم عن التركيز على القضايا العالقة التي تم إبرازها بوضوح في مناقشاتكم».
وتحدث مصدر مقرب من اجتماعات جنيف إلى «الشرق الأوسط» عن وجود شخصية ليبية كبيرة ظلت تقيم بأحد الفنادق القريبة من قصر الأمم المتحدة بجنيف الذي احتضن الاجتماعات وتلتقي في نهاية كل يوم بعض المشاركين في «ملتقى الحوار»، لمناقشتهم فيما تود طرحه في الاجتماعات، مشيراً إلى أن هذه الشخصية «كانت تحث أعضاء الملتقى على ضرورة التمسك بشروط الترشح للرئاسة، وإجرائها بأي صيغة ممكنة».
وليست هذه الرواية الوحيدة التي خرجت من كواليس اجتماعات جنيف، فهناك أحاديث متطابقة عن انتشار لـ«المال السياسي» وبروز دور «شبكة المصالح»، خصوصاً من الراغبين في إبقاء الوضع على ما هو عليه في ليبيا، وتعطيل مسار الانتخابات، وهي الاتهامات التي أحاطت بأعمال الملتقى منذ انطلاقه في تونس، ووعدت الأمم المتحدة بالتحقيق فيها، لكنّ شيئاً لم يكن.
وإذا كان زينينغا رأى أن الملتقى «لم يخفق»، وأن ما حدث ليس إلا مجرد «انسداد»، فإن المبعوث الخاص للولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، ذهب إلى أبعد من ذلك، وقال إن الولايات المتحدة تابعت عن كثب اجتماعات الملتقى الأسبوع الماضي، «بما في ذلك العديد من الأعضاء الذين يبدو أنهم يحاولون إدخال (حبوب سامة) تضمن عدم إجراء الانتخابات - إما عن طريق إطالة العملية الدستورية وإما من خلال خلق شروط جديدة تجب تلبيتها لإجراء الانتخابات».
ومضى يقول: «يدعي بعض هؤلاء الأفراد أنهم يعملون نيابة عن القادة السياسيين الذين قدموا للولايات المتحدة تأكيدات واضحة بأنهم يدعمون الانتخابات في 24 ديسمبر، لكن السفير الأميركي، الذي لم يعهد عليه هذا الأسلوب في انتقاد الأوضاع في ليبيا، أضاف: «في نهاية المطاف، لا يمكن تحديد مستقبل ليبيا إلا من قبل الليبيين»، مثمناً جهود البعثة الأممية، التي رأى أنها عملت بجهد من أجل تسهيل المناقشات، رغم التحديات التي طرحتها جائحة «كورونا»، «لكنها لا تستطيع اتخاذ قرارات نيابة عن الليبيين».
وعبّر عن أمله في أن يعيد أعضاء الملتقى وهم 75 شخصاً تكريس أنفسهم للسماح لـ7 ملايين ليبي في جميع أنحاء البلاد بالتعبير عن رأيهم في تشكيل مستقبل بلادهم، متحدثاً في الوقت ذاته عن استعداد بلاده لمساعدة حكومة «الوحدة الوطنية» على تقديم الخدمات الأساسية والتحضير للانتخابات الوطنية حتى انتهاء ولايتها في ديسمبر المقبل.
وانتهى نورلاند قائلاً: «نتطلع إلى الاستماع إلى منهجيات ومواقف المرشحين الليبيين، وهم يناقشون أفضل السبل لحل قضايا طويلة الأجل مثل أزمة الكهرباء، وتوفير السيولة لقطاع الأعمال الليبي، ومحاربة الفساد، والتعامل مع القوات الأجنبية و(المرتزقة)، وخلق فرص العمل، وضمان الأمن، وإيجاد طريق لليبيا الغنية بالموارد والتاريخ - لتزدهر بسلام».
وأثمرت النقاشات التي توصلت إليها لجنة الصياغة بالملتقى، ثلاثة خيارات لإجراء الانتخابات؛ الأول انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة في 24 ديسمبر على قاعدة دستورية مؤقتة، والثاني انتخابات برلمانية في 24 ديسمبر على أساس قاعدة دستورية مؤقتة - يليها استكمال المسار الدستوري وتنظيم انتخابات رئاسية على أساس الدستور الدائم، والطرح الثالث إجراء انتخابات بموجب الدستور المعدل بتاريخ 24 ديسمبر، وبما لا يتجاوز المدة الإجمالية للمرحلة التمهيدية، على أن يحصل أي مقترح على 75 في المائة كي يتم التوافق عليه.
وعقب فشل التوصل إلى توافق، قالت عضو الملتقى آمال بوقعيقيص متسائلة: «عندما نعجز عن الحصول على كل شيء، أيهما أفضل أن نعود بسلة خاوية، أم بعصفورين؟ انتخابات برلمانية ولجنة فنية تتولى تعديل الدستور ثم ننتخب الرئيس على أساسه، فالصراع شرس ومحتدم وثلاث جبهات قوية تتحالف، فهل نقبل النتيجة صفراً؟ أو نقول نجحنا بدرجة مقبول ولعله جيد في ظل هذه الظروف، ماذا ترون والوقت أزف؟».
وحثّ رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، «الأطراف الوطنية كافة والبعثة الأممية على الاضطلاع بمسؤولياتهم وتغليب المصلحة العامة والتوافق حول صيغة كفيلة بإجراء الانتخابات في موعدها وتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه»، فيما رفض فتحي باشاغا وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» السابقة الخروج عن خارطة الطريق، «ومحاولة البعض التمديد للحكومة أو طرح مقترحات جديدة قد تعرقل المسار الديمقراطي».
وتحدث باشاغا، في كلمة مصورة، عن وجود جزء من المشاركين في الملتقى «سبب الأزمة التي تعيشها ليبيا، وأنهم ينتمون إلى شبكة مصالح واسعة متداخلة لا تهمها معاناة المواطنين»، وانتهى بالإشارة إلى أن «مَن يخالف خارطة الطريق بعد أن تعارضت مع مصالحه الشخصية أمامه خيار الانسحاب من فريق الحوار».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.