نصف السدود حول العالم تتطلب إصلاحات واسعة

مخاوف من انهيارها وضعف في مراقبتها

نصف السدود حول العالم تتطلب إصلاحات واسعة
TT

نصف السدود حول العالم تتطلب إصلاحات واسعة

نصف السدود حول العالم تتطلب إصلاحات واسعة

خلال السنوات بين 2013 و2017، كان سد الفرات موضع اشتباك بين القوات المتقاتلة على الأراضي السورية، وجرى التلويح باستخدامه سلاحاً يهدد انهياره ثلث مساحة البلاد. ومع انتهاء العمليات العسكرية في محيط السد، جرى تأهيل بعض أقسامه المتضررة، كمجموعات التوليد والمباني الإدارية، بالاعتماد على الخبرات المحلية، فيما تبقى السلامة الهيكلية للسد الذي جاوز عمره الاستثماري خمسين سنة أمراً معلقاً بانتظار تقييم المختصين.
- ثلث السدود خارج الخدمة
المخاطر المحتملة للسدود لا تقتصر على آثارها البيئية، إذ يزداد القلق في جميع أنحاء العالم بشأن نقص المفتشين القادرين على تقييم مخاطر تقادم السدود، مما يؤدي إلى تراكم عمليات المراقبة الدورية، وزيادة المخاطر التي تستوجب الرصد. وكان تحقيق جرى في الولايات المتحدة بعد انهيار سد «أوروفيل» قد وجد أن عمليات التفتيش السابقة في السد فشلت في تحديد العيوب الهيكلية. ويتطلب تقييم سلامة هذه المنشآت أدوات قياس متقدمة وخبرات عالية، فليس كل شيء في عالم السدود مرئياً أو يسهل قياسه.
ويحذر تقرير صدر عن جامعة الأمم المتحدة مطلع هذه السنة من أن الإرث المتزايد من السدود المتهالكة التي تجاوزت عمرها التصميمي يتسبب في زيادة هائلة في حالات انهيار السدود، أو حصول تسرب أو إطلاق طارئ للمياه يهدد مئات ملايين الأشخاص الذين يعيشون في اتجاه مجرى النهر. ويؤكد التقرير أن مفتشي السلامة العامة حول العالم لا يستطيعون مواكبة عبء العمل للتحقق من سلامة جميع السدود.
وحسب قاعدة بيانات «اللجنة الدولية للسدود الكبيرة» التي تضم 104 بلدان أعضاء، يوجد 58.713 سداً كبيراً يزيد ارتفاع كل منها عن 15 متراً، أو تتجاوز سعته التخزينية 3 ملايين متر مكعب. ومن بين هذه السدود هناك نحو 20 ألف سد أصبح دورها هامشياً أو خرجت من الخدمة.
ويشير تحليل بيانات اللجنة إلى وجود 19 ألف سد كبير قيد العمل يزيد عمره على 50 سنة، وهو العمر المعتاد الذي يستلزم القيام بإصلاحات واسعة أو الإزالة. وبمقاربة معقولة، يمكن القول إن نصف السدود الكبيرة الموضوعة في الاستثمار عالمياً دخلت مرحلة الشيخوخة.
وفي العالم العربي، يبلغ عدد السدود الكبيرة 287 سداً، يقع أكثرها في منطقة المغرب العربي وسوريا والسعودية، انتهى بناء نصفها خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، يوجد 65 سداً تجاوز عمرها الخمسين سنة، أضخمها السد العالي في أسوان الذي افتتح عام 1970، ويبلغ ارتفاعه 111 متراً.
وتستطيع السدود أن تصمد لفترة تزيد على 50 أو حتى 100 سنة، إذا تم تصميمها على نحو جيد، وجرت صيانتها ومراقبتها بطريقة حسنة. وعلى سبيل المثال، اكتمل بناء سد «مايغروج» الخرساني في سويسرا سنة 1872، ومن المتوقع أن يصل عمره الاستثماري الآمن حتى 200 سنة.
وما يعزز مخاطر السدود ليس تقادمها فحسب، وإنما زيادة عدد الأشخاص الذين يستوطنون حوضها الأدنى. ويشير تقرير جامعة الأمم المتحدة إلى أنه بحلول سنة 2050، سيعيش معظم البشر في اتجاه مجرى النهر أمام السدود الكبيرة التي تم بناؤها في القرن العشرين.
وتُبنى السدود عادة من الردميات الترابية والحجارة والخرسانة، وتزداد مخاطر انهيارها مع الزمن بسبب تحلل الخرسانة وتشققها، وتسرب المياه، واتساع الشقوق الخفية في الصخور، وزيادة الحمولات عليها. كما يمكن أن تتضرر النواة الغضارية للسدود، أو يفقد السد استقراره نتيجة الزلازل أو التخريب المتعمد أو الانجراف بفعل خلل في تفريغ التدفق الطارئ للفيضانات.
وسد الموصل في العراق الذي يعد رابع أضخم سد في العالم العربي، من حيث السعة التخزينية، يمثل حالة دراسية عن السدود الخطرة حول العالم. فالسد الذي بني في 1984 على صخور كلسية تتعرض للذوبان بفعل الضغط وتخزين المياه يتطلب سنوياً حقناً بنحو 200 طن من الإسمنت والغضار لإغلاق التجاويف التي تتشكل في قاعدته.
وكان حقن سد الموصل بالمواد الداعمة قد توقف لأشهر طويلة نتيجة ضعف التمويل، وذلك بعد عملية تحريره في أغسطس (آب) 2014. وتؤكد التصريحات الرسمية الحالية سلامة السد وتشغيله على نحو آمن بخبرات محلية، فيما تراجعت مساحته السطحية بمقدار 60 في المائة منذ تسعينيات القرن الماضي بسبب دورات الجفاف القاسية ومشروع جنوب شرقي الأناضول (غاب) الذي تنفذه تركيا على نهري دجلة والفرات.
ومن ناحية أخرى، يؤدي تراكم الرواسب خلف السدود إلى إضعاف جدواها، ويجعلها في بعض الأحيان أكثر خطورة. وينتج ذلك عن تناقص السعة التخزينية لبحيرة السد مما يجعله أكثر عرضة للغرق في أثناء هطول الأمطار الغزيرة. ومن أجل حماية بنى السد قد يضطر القائمون على تشغيله لإجراء تفريغ مفاجئ في قنوات المفيض خلال ذروة الفيضانات.
وبعد أن اجتاح إعصار «ميتش» أميركا الوسطى سنة 1998، لقي مئات الأشخاص حتفهم داخل منازلهم في تيغوسيغالبا، عاصمة هندوراس، عندما اجتاح جدار من الماء عدداً من أحياء المدينة الفقيرة الواقعة على ضفاف نهر شولوتيكا. وأظهر التحقيق أن هذا الجدار المائي تشكل عندما قام مشغلو السدين الرئيسيين في المدينة بتحرير مفاجئ للمياه في ذروة الفيضان. وعلى الرغم من أن السدين شُيدا في سبعينيات القرن الماضي، فإن الرواسب خلفهما أفقدتهما كثيراً من سعتهما التخزينية المجدية.
وتؤدي دورات الجفاف المتكررة التي تترافق مع تدفق ضعيف وارتفاع في معدلات التبخر إلى زيادة إشكالية الإطماء خلف السدود في العالم العربي. ففي الأردن، انخفضت السعة التخزينية للسدود من 46 في المائة في 2010 إلى 33 في المائة في 2011. وفي المغرب، تراجعت السعة من 75 في المائة إلى 20 في المائة خلال الفترة بين 1986 و2004. وفي مصر، يحتجز السد العالي 100 مليون طن من الرواسب والطمي خلفه سنوياً، ويرى بعضهم أن المكسب الوحيد لمصر من بناء سد النهضة في إثيوبيا هو تقليل هذه الكمية الهائلة من الطمي التي تؤثر على جدوى السد العالي، في حين تبقى آثاره الأخرى كارثية على الأمن المائي والغذائي في مصر.
وتتضاعف مخاطر السدود أيضاً تحت تأثير تغير المناخ الذي يتسبب بحصول مزيد من الفيضانات المفاجئة نتيجة الهطولات الومضية في كثير من الأماكن. ومما يزيد الطين بلة أن تصميم وبناء أغلب السدود القائمة كان على أساس السجلات الهيدرولوجية في حقبة ما قبل تغير المناخ.
- تكاليف باهظة لتأهيل السدود أو إزالتها
تواجه السدود مجموعة من التحديات والاحتياجات؛ أولها الحاجة الكبيرة في أجزاء كثيرة من العالم إلى مزيد من الموارد المائية العذبة والطاقة الكهربائية؛ تتبعها الحاجة إلى خليط من مصادر الطاقة المختلفة، وتوفير تخزين ملائم للطاقة، فيما العالم يطور مزيداً من مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة التي تتعذر السيطرة عليها. ويعد توليد الكهرباء من التوربينات على السدود المائية المصدر الأكبر للطاقة المتجددة في معظم أنحاء العالم اليوم.
ولم تعد صناعة السدود تقدم نفسها بصفتها خياراً مستقلاً لتوليد «الكهرباء النظيفة»، بل أصبحت منتجاً مكملاً لمصادر الطاقة المتجددة الأخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن معالجة الاختلافات الموسمية في هطول الأمطار من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية خلال موسم الجفاف، والطاقة الكهرومائية خلال موسم الأمطار، أو ضخ المياه بالطاقة الشمسية إلى مناطق أعلى نهاراً، واستخدامها لتوليد الكهرباء بالتوربينات المائية ليلاً.
وأصبح المطلوب أن تساهم السدود في التخفيف من تغير المناخ والتكيف مع آثاره، خاصة ما يتعلق بإمدادات المياه، والتحكم في الفيضانات وإنتاج الطاقة. وهي تواجه أيضاً التحديات المرتبطة بقيود التنمية، كالتمويل والالتزامات البيئية والمسؤولية الاجتماعية.
ويرى الخبراء أن كثيراً من السدود المتقادمة لا تزال آمنة. ومع ذلك، يجب إجراء فحص أكثر صرامة للسدود كلما زاد عمرها الاستثماري. وغالباً ما يستلزم الأمر القيام بإصلاحات باهظة الثمن، خاصة إذا جرى تأهيل السدود للتعامل مع تدفقات الأنهار الشديدة التي تختلف عن تلك التي تم افتراضها عند بنائها أول مرة.
ويشير تقرير جامعة الأمم المتحدة إلى ازدياد السدود التي لم تعد تحقق أهدافها التصميمية الأساسية، بسبب تراكم الطمي أو نتيجة توفر مصادر أقل كلفة للطاقة. وفي أغلب الحالات، تبقى هذه السدود قائمة في مكانها لأن إزالتها مكلفة صعبة من الناحية الفنية، مما يجعلها تهديداً كامناً للسلامة العامة، وعائقاً أمام استعادة النظم البيئية للأنهار.
وفيما تُعد الولايات المتحدة الرائدة عالمياً في إزالة السدود، حيث أزالت أكثر من ألف سد خلال 30 سنة مضت، فإن السدود التي أزيلت حتى الآن صغيرة يقل ارتفاعها عن 5 أمتار. ويُستثنى من ذلك سد غلينز كانيون في ولاية واشنطن الذي أزيل سنة 2014، حيث يعد هذا السد الخرساني الذي افتتح سنة 1927، ويبلغ ارتفاعه 70 متراً، أضخم سد تجري إزالته على الإطلاق. وقد استغرقت عملية الإزالة عقدين من الزمن للتخطيط والتنفيذ.
وبحلول سنة 2050، سيكون هناك نحو 240 سداً كبيراً في العالم العربي دخل مرحلة التهالك، وأصبح بحاجة إلى إصلاحات واسعة. ومع تغير المناخ وزيادة الرواسب، سيخفق كثير منها في تحقيق الغاية من تصميمه، ويصبح تشغيله خاسراً. ويصعب تخيل التعامل مع هذه المشكلة مستقبلاً، ولكن الأمل يبقى في ابتكار تقني يسترجع جدوى هذه السدود أو يبسط عملية إخراجها من الخدمة.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.