انتخابات الأقاليم تفرز معادلات سياسية جديدة في فرنسا

«تقليديو» اليمين واليسار احتكروا التمثيل على حسابَي ماكرون ولوبن

انتخابات الأقاليم تفرز معادلات سياسية جديدة في فرنسا
TT

انتخابات الأقاليم تفرز معادلات سياسية جديدة في فرنسا

انتخابات الأقاليم تفرز معادلات سياسية جديدة في فرنسا

مع وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه الرئاسي الفرنسي في ربيع عام 2017، حاول الرئيس الشاب المنتخب، غرس صورة جديدة في أذهان مواطنيه بالإيحاء أن «زمناً جديداً» بدأ مع تسلمه مسؤوليات الحكم... وهو يحل محل «الزمن القديم».
كان ماكرون يعني بذلك أن البنى السياسية التقليدية التي هيمنت على المشهد السياسي في فرنسا، أقله منذ تأسيس «الجمهورية الخامسة» على يدي الرئيس الجنرال شارل ديغول بنهاية خمسينات القرن الماضي، ولّت إلى غير رجعة. وأن انتخابه بعيداً عن المجموعتين التقليديتين الرئيسيتين، وهما: من جهة، اليمين الكلاسيكي الممثل راهناً بحزب «الجمهوريون»، واليسار الاشتراكي من جهة أخرى، أفضل دليل على ذلك. ومنذ اليوم الأول، سعى ماكرون للجمع بين شخصيات يمينية وأخرى يسارية في حكوماته المتعاقبة. وهذا واضح أيضاً في الحكومة الراهنة التي أوكل رئاستها إلى جان كاستيكس، اليميني الانتماء، الذي شغل سابقاً منصب مساعد أمين عام قصر الإليزيه زمن الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي. ويمسك اليمين اليوم بما لا يقل عن ثماني وزارات، أهمها وزارات الاقتصاد والمال والداخلية. الأولى، أعطيت لبرونو لومير، والأخرى لجيرالد دارمانان. وفي المقابل، فإن اليسار الاشتراكي يشغل عدداً مماثلاً من الحقائب، وثمة وجهان يساريان بارزان في الحكومة الراهنة، هما وزير الخارجية جان إيف لودريان ووزيرة الدفاع فلورانس بارلي. لكن الصبغة العامة، أن هذه الوزارة كما سابقاتها تميل يميناً. وإلى جانب اليمين واليسار هناك شخصيات لم تكن ناشطة في الحقل السياسي، مثل وزير العدل أريك دوبون ــ موريتي، وهو محامٍ لامع. وأخرى جاءت من صفوف المجتمع المدني «المحايد». إلا أن الأهم، أن كل الوزراء انقطعوا عن انتماءاتهم وهوياتهم السابقة وأصبحوا «ماكرونيين» وإن لم ينتموا بالضرورة، عقب دخولهم جنة الوزارة، إلى حزب «الجمهورية إلى الأمام» أي الحزب الرئاسي.

يرى كثيرون في فرنسا وخارجها أن الفلسفة «الماكرونية» تعني أن «الزمن الجديد» تخطى اليمين واليسار، وتجسّد في العمل مع شخصيات متنوعة الآفاق «تصهرها» البوتقة الرئاسية ولخدمة البرنامج الرئاسي الذي أوصل إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم. لكنها أيضاً تستهدف تهميش الأحزاب التقليدية وإيجاد فرز جديد للمشهد السياسي الفرنسي شرحه ماكرون، وقوامه فرز الأحزاب إلى مجموعتين: من جهة، «التقدميون»، أي ماكرون ومن يريد العمل إلى جانبه... مقابل الشطر الآخر الذي سمّاه «القوميون» المتطرفون وتجسيده «التجمع الوطني» الذي ترأسه مارين لوبن، منافسة ماكرون في انتخابات عام 2017 والساعية للحلول محله في العام 2022.
كانت هذه الصورة هي الرائجة والمقبولة عموماً حتى 20 يونيو (حزيران) الماضي، موعد الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية الفرنسية. إلا أن الأمور انقلبت راساً على عقب. لقد كانت استطلاعات الرأي المتلاحقة ترجّح أن تكون رئاسيات العام المقبل استعادة لنسخة عام 2017، بحيث يتأهل للجولة الرئاسية الثانية ماكرون ولوبن في حين يخرج من السباق، مرشحو اليمين واليسار الاشتراكي و«الخضر» واليسار المتشدد ممثلاً برئيس حزب «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلونشون.

- ضحية مقاطعة الانتخابات
حتى اليوم، ما زال متابعو الشأن السياسي الداخلي في فرنسا يجمعون على اعتبار أن المنافس «الأمثل» لماكرون هي لوبن، رغم أن الأخيرة تسبقه أحياناً في استطلاعات الرأي... وأحياناً العكس. وكان المرجح جداً، حتى الاستحقاق الأخير، أنهما سيتواجهان مجدداً، وأن ماكرون سيتغلب، للمرة الثانية، على لوبن انطلاقاً من الاعتقاد السائد أن الناخبين الفرنسيين ليسوا مستعدّين بعد لتقبّل تسليم قيادة فرنسا لشخصية تأتي من اليمين المتطرف... رغم الجهود التي بذلتها لوبن في السنوات الماضية لتقدم نفسها على أنها «معتدلة». والدليل على ذلك أن دارمانان، وزير الداخلية - وهو يميني متشدد ومدافع شرس عن العلمانية ومحاربة «الانفصالية الإسلاموية» -، تهكّم على لوبن خلال مناظرة تلفزيونية شهيرة أجريت الشهر الماضي حين عاب عليها أنها تخلّت عن آرائها وآيديولوجيتها السابقة. وخلال الأيام الأخيرة، انسحبت مجموعة من كوادر «التجمع الوطني» (حزب لوبن)؛ لأنها ما عادت تعتبر أن الحزب اليميني المتطرف يمثلها أو يحمل طموحاتها ويدافع عن قناعاتها. كذلك، فإن المنظّر السياسي والصحافي أريك زيمور، الذي كان من أشد أنصار لوبن والمدافعين عن آرائها في السنوات الأخيرة، يخطط الآن لمنافستها على الفوز بأصوات اليمين المتشدد، وهذا الأمر من شأنه إضعافها، لكنه لا يخدم مصالح ماكرون؛ إذ إن تراجع لوبن يمكن أن يسهّل مهمة وصول مرشح يميني كلاسيكي إلى الدورة الثانية، وهو ما لا يتمناه الرئيس الحالي.
كانت هذه القراءة صالحة حتى الانتخابات الأخيرة بجولتيها التي هزّت، إلى حد بعيد، الصورة السابقة. ذلك أن النتائج التي أسفرت عنها بيّنت أن هناك ثلاثة خاسرين، هم على التوالي: الديمقراطية الفرنسية بسبب النسبة العالية من التغيب عن التصويت، والرئيس ماكرون، ولوبن بسبب النتائج الكارثية التي حصدها حزباهما «الجمهورية إلى الأمام» و«التجمع الوطني»... وإن كانت الظاهرة الأبرز قد تمثّلت بعودة «الزمن القديم» إلى الحياة.
الضحية الأولى بالطبع هي الديمقراطية الفرنسية. فنسبة المقاطعة جاوزت في الدورة الأولى الـ67 في المائة. ولم تجد النداءات التي أطلقها قادة الأحزاب والمسؤولون السياسيون الفرنسيون لتحفيز الـ48 مليون ناخب للمشاركة في الجولة الثانية. وجُلّ ما حصل عليه هؤلاء جاء مخيباً للآمال؛ إذ إن نسبة أقل من واحد في المائة إضافية أصغت لنداءات الاستغاثة وارتادت مراكز الاقتراع، بحيث بقي الامتناع عن التصويت أكثر من 65 في المائة؛ الأمر الذي لم تعرفه أبداً الانتخابات المماثلة في السابق. وكما بعد الجولة الأولى، تبارى السياسيون والمحللون في تفسير أسباب الحب المفقود بين الناخب وصندوق الاقتراع.
منهم من رأى فيه أزمة الديمقراطية وتشويها لمعناها، وهذا واضح ولا يحتاج لشروح؛ إذ من غير الطبيعي أن تحصل انتخابات من غير ناخبين. وذهبت فئة أخرى لاعتبار أن ما حصل ليس أقل من أزمة نظام، في حين سعى المتفائلون لتبرير التغيب بالإشارة إلى تبعات جائحة «كوفيد - 19» وتحوّراتها وتدابير التباعد الاجتماعي ورغبة المواطنين الاستفادة من نهاية أسبوع بعد تدابير الحجر التي أنهكتهم طيلة أشهر طويلة. وبعضهم أرجع هذه الظاهرة إلى ملل المواطنين وتشكيكهم في البرامج المطروحة واعتبار أن حياتهم اليومية لن تتغير مهما كانت هوية اللوائح الفائزة.
وأما التفسير الأخير، فعنوانه أن نسبة كبيرة من المواطنين لا تعي أهمية الانتخابات الإقليمية ولا تفقه صلاحيات مجالس المناطق وانعكاساتها على الحياة اليومية للمواطن، وبالتالي فإن اهتمامها ينصب بالدرجة الأولى على ثلاثة استحقاقات رئيسية: الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية. والخلاصة الطاغية، أن نسبة المشاركة المتدنية تمنع من استخلاص النتائج المتسرعة مما أفرزته الدورتان الأولى والثانية.

- ضعف الحزب الرئاسي
لا شك أنه يتعين أخذ هذه التحفظات بعين الاعتبار. لكن ثمة علامات بارزة لا يمكن القفز فوقها لما تحمله من دلالات ستكون لها تبعاتها في الاستحقاقات المقبلة. وخلال الأيام المنقضية منذ الدورة الثانية، أي منذ 27 يونيو، جرى التركيز على الضعف البنيوي لحزب «الجمهورية إلى الأمام» الرئاسي الذي لم ينجح في تخطي نسبة الـ7 في المائة من الناخبين. وهذه النسبة تُعد الأسوأ لحزب يمارس السلطة ويتمتع بأكثرية نيابية مريحة منذ عام 2017، ولا يمكن القول إن ماكرون لم يبد اهتماماً بهذا الاستحقاق، لا، بل إن كل المؤشرات كانت تدل على أنه انغمس فيها «حتى العظم» وعمد إلى تعبئة وزرائه لإحراز نجاحات تحسب له ولحزبه، ويكون لها مردودها الانتخابي لدى الاستحقاق الرئاسي. وهكذا، أرسل ماكرون 15 وزيراً من حكومته للمشاركة في هذه الانتخابات، آملاً أن يحقق أحد الهدفين التاليين أو كليهما معاً: إما الفوز بإدارة أحد الأقاليم الـ13 التي تتشكّل منها فرنسا القارية و(أو) أن تحتل لوائحه - على الأقل - موقعاً يجعله مؤثراً في ضمان الفوز للفريق الذي يتناغم معه. وفي هذه الحال، يمكن أن يأمل بأن يرد له الجميل في الانتخابات الرئاسية. والحال، أن لوائح «فرنسا إلى الأمام» لم تنجح في الفوز بأي إقليم من الأقاليم، لا، بل إن العديد من مرشحيها إما أخرج بعد الجولة الأول لأنه لم يحصل على نسبة 10 في المائة الضرورية للاستمرار في المنافسة أو احتل، في الجولة الثانية، المراتب الأخيرة.
قيل الكثير في تفسير النكسة الرئاسية الانتخابية. ويقول التفسير الأول، إن حزب ماكرون حديث العهد مقارنة بأحزاب اليمين واليسار، وبالتالي فإن انغراسه المحلي والشعبي ما زال ضعيفاً. ويقول التفسير الثاني، إنه من الخطأ استخلاص نتائج متسرّعة من انتخابات محلية ــ إقليمية وتعميمها على انتخابات «وطنية» مثل انتخابات رئاسة الجمهورية، واعتبار أن نتائج الأحد الماضي ستنسف حظوظ الرئيس الفرنسي في البقاء لولاية ثانية في قصر الإليزيه. ويلجأ أصحاب هذا القول إلى الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي التي نشرت يوم الجولة الثانية بيّنت أن ماكرون مستمر في تصدّر لائحة المرشحين الرئاسيين مع لوبن بحيث حصل كل منهما على 24 في المائة من الأصوات. كذلك، تفيد استطلاعات الراي الأخرى، أن شعبية ماكرون إلى ارتفاع والسبب الرئيس في ذلك إدارته لجائحة «كوفيد - 19» ورهاناته الصائبة التي مكّنت البلاد من أن تعود إلى الحياة الطبيعية الكاملة بدءاً من الخميس الماضي بفضل تراجع الإصابات والحالات المستعصية.
ومن جانبه، شدد ماكرون، أكثر من مرة، في الأيام السبعة الماضية، على التمييز بين ما هو محلي وما هو عام، لا، بل أكد أنه لن يحدث تغييرات جذرية في تشكيلة حكومته التي سترافقه حتى الانتخابات الرئاسية، وسيبقي كاستيكس على رأسها. ويتركّز الجدل داخل الحزب الرئاسي على الحاجة إلى تغيير أمين عام الحزب النائب ستانيسلاس غيريني، الذي يعاني من حضور شاحب إعلامياً وسياسياً ومن إخفاقه في تحويل «الجمهورية إلى الأمام» إلى حزب شعبي يتمتع بجمهور قوي وقادر على توفير الدعم للمشروع الرئاسي.
ثمة تقبّل عام لهذه الصورة المرسومة. بيد أن الأهم موجود في مكان آخر. فمع ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، طفا إلى السطح «الزمن القديم» الذي أراد ماكرون وأده، وعادت الأحزاب التقليدية القديمة إلى الواجهة. إذ اكتسح اليمين الكلاسيكي واليسار الاشتراكي المتحالف مع «الخضر» أحياناً والمنفصل عنهم أحياناً أخرى، المشهد السياسي.
اليمين حافظ على الأقاليم السبعة التي يديرها، بينما أبقى اليسار الاشتراكي هيمنته على الأقاليم الخمسة التي يسيطر عليها منذ عام 2015، بل وكسب إقليماً إضافياً من المقاطعات الفرنسية ما وراء البحار. وهكذا تبيّن الخريطة السياسية وجود لونين فقط: الأزرق والأحمر (أو الوردي). الأول لليمين والآخر لليسار. وعليه، عادت الحياة تدبّ في شرايين اليمين واليسار على السواء، وبرز «الخضر» كقوة يجب أخذها بعين الاعتبار... وعاد الأمل إلى هذه الأحزاب التي لم تعد ترى أن ثنائية ماكرون - لوبن قدر محتوم. ومن هنا قلق الطرفين معاً.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».