الكهرباء تدشن أولى معارك التسقيط السياسي بين الكاظمي وخصومه

رئيس الوزراء قرر تولي ملفها شخصياً بعد استقالة وزيرها

جانب من الاحتجاجات في البصرة أمس ضد انقطاع الكهرباء في غالبية محافظات العراق (أ.ب)
جانب من الاحتجاجات في البصرة أمس ضد انقطاع الكهرباء في غالبية محافظات العراق (أ.ب)
TT

الكهرباء تدشن أولى معارك التسقيط السياسي بين الكاظمي وخصومه

جانب من الاحتجاجات في البصرة أمس ضد انقطاع الكهرباء في غالبية محافظات العراق (أ.ب)
جانب من الاحتجاجات في البصرة أمس ضد انقطاع الكهرباء في غالبية محافظات العراق (أ.ب)

انطفأت الكهرباء في العراق بالكامل عقب حرب الخليج الثانية عام 1991 (عاصفة الصحراء) التي أدت إلى إخراج العراق من الكويت. بعد شهرين، تمكن النظام السابق من إصلاح الشبكة الوطنية بجهود ذاتية، ورغم الحصار القاسي المفروض على العراق. ومثل الغذاء الذي تم تقنينه عبر البطاقة التموينية وفيما بعد بموجب صيغة «النفط مقابل الغذاء» عام 1966، فإن الكهرباء تم تقنينها عبر قطع مبرمج استمر حتى سقوط النظام السابق عام 2003.
لم يدم الزمن طويلاً حتى انهارت الكهرباء مع انهيار قائمة الوعود الوردية الطويلة التي وعد بها الأميركيون وقوى المعارضة العراقيين. مفردات البطاقة التموينية التي كانت تؤمّن الحد الأدنى من مستلزمات المعيشة تبخرت تماماً، والكهرباء دخلت نفقاً مظلماً لم تخرج منه رغم كل المليارات التي أنفقت على إصلاحها ولم يخرج منه العراقيون أيضاً. ملأ العراقيون جيوبهم فائض حرية تحولت إلى مشاريع قوانين للحد منها مرة باسم الإسلام والشريعة ومرة باسم القيم المجتمعية، بينما ازدادت نسبة الفقر والبطالة بين السكان في وقت دخلت ميزانية العراق طوال الثمانية عشر عاماً الماضية أكثر من تريليون دولار أميركي (ألف مليار دولار)، ضاع منها في الخارج فقط نحو 150 مليار دولار يناقش البرلمان العراقي الآن مشروع قانون من رئاسة الجمهورية بشأن وضع الآليات المناسبة لاستعادتها. ورغم إنفاق نحو 80 مليار دولار أميركي على قطاع الكهرباء وتعاقب 7 وزراء على هذه الحقيبة، فإن النتيجة واحدة وهي استمرار التردي، لا سيما في أشهر الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة في العراق إلى نصف درجة الغليان، خصوصاً الصيف الحالي الذي يعد الأقسى بين الشهور. وفجر أمس، انقطعت الكهرباء عن معظم محافظات البلاد بسبب خلل فني، حسب تفسير الحكومة.
ومع أن وزير الكهرباء، ماجد حنتوش، سارع إلى الاستجابة لطلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالاستقالة، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تطيح الكهرباء وزيرها في العراق، حيث سبق لأكثر من وزير سبقه، إما أن استقالوا تحت الضغط الجماهيري أو تأثير الأزمة، أو تمت إقالتهم ومحاسبتهم رغم تمكنهم من الخروج من العراق بطريقة أو بأخرى، ومن بينهم أيهم السامرائي أول وزير كهرباء بعد سقوط النظام السابق.
وما أن غادر الكاظمي بغداد متوجهاً إلى دول الاتحاد الأوروبي حتى بدأت درجات الحرارة ترتفع إلى أكثر من 52 درجة مئوية؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في ساعات التجهيز. وبالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، فقد بدأت حرب تسقيط سياسي من نوع جديد مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية؛ وذلك باستهداف أبراج الطاقة في عدد من المحافظات. كما أن قيام إيران بقطع الغاز والكهرباء لمدة يومين بدعوى عدم تسديد العراق لديونها التي بذمته والبالغة نحو 5 مليارات دولار أميركي كان كافياً لتفجير الأزمة تماماً، حيث انهارت المنظومة بالكامل، وهو ما لم يحصل منذ 30 عاماً.
التبريرات التي صدرت عن وزارة الكهرباء لم تقنع المواطن العراقي الذي يحمّل الطبقة السياسية كلها مسؤولية تردي أوضاعه المعيشية على كل الصعد. لكن الطبقة السياسية التي تستعد لخوض انتخابات تشريعية مبكرة تخشى من خلالها تغيير المعادلة بالضد منها بدأت حربها ضد رئيس الوزراء وفريقه على الرغم من أن الكاظمي لم يلزم نفسه عبر برنامجه الحكومي بحل أزمة الكهرباء، بل بوضع معالجات طارئة لها، وهو ما فعله أمس حين أصدر قرارات عدة من أجل إيقاف التداعي في المنظومة عقب انهيارها بالكامل. فبالإضافة إلى قبوله استقالة وزير الكهرباء، فإنه نقل أحد وكلاء وزارة الصناعة ليتولى منصباً مماثلاً في وزارة الكهرباء، فضلاً عن سلسلة من الإجراءات التي يرى المراقبون أنها لو جرى تطبيقها بالفعل سوف تكون كفيلة بالحد من تفاقم الأزمة. ومن بين أهم القرارات التي اتخذها الكاظمي الذي قال مكتبه في بيان له أمس (الجمعة)، إنه يتابع الأزمة من روما التي يزورها حالياً للقاء بابا الفاتيكان هو حصره ملف الكهرباء برمته به شخصياً، وهو ما يعني عدم وجود نية لديه في الوقت الحاضر لتعيين وزير لهذه الحقيبة التي استهلكت العديد من الوزراء دون جدوى.
ويحاول خصوم الكاظمي تصدير أزمة فشلهم طوال السنوات الماضية في عدم إيجاد حل لهذه الأزمة إليه وإلى فريقه الخاص، سواء بالإكثار من التصريحات التي تحاول إيهام المواطن أن الحكومة الحالية هي السبب أو من خلال استخدام الجيوش الإلكترونية للنيل منه ومن فريقه بنشر المزيد من الشائعات بمن فيها توقيع عقود مع شركات أو سواها وهو ما نفاه المكتب الخاص به. وبرغم أن الكاظمي لم يرشح للانتخابات البرلمانية ونفيه دعم أي حزب أو كتلة سياسية، لا سيما الكتل والأحزاب التي انبثقت من رحم المظاهرات، لكنه يشكل أحد الأرقام التي يبدو أن لها حظاً في إمكانية الحصول على ولاية ثانية، لا سيما أنه لا يزال مدعوماً من العديد من الكتل السياسية في المقدمة منها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يخطط لأن يكون هو الكتلة البرلمانية الأكبر؛ وهو ما يعني بقاء ترشيح شخصية لمنصب رئيس الوزراء محصوراً به.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.