مخاوف من أن تتجه أميركا اللاتينية مجدداً للحكم الاستبدادي

مؤرخ يقول إن التآكل التدريجي للديمقراطية في عدد من بلدانها يهدد بأن يصبح «فيضاناً»

البعض يعتبر أن نيكاراغوا هي أحدث مثال على تآكل الديمقراطية حيث قامت الشرطة باقتحام مقار بعض رموز المعارضة لمنعهم من دخول الانتخابات (إ.ب.أ)
البعض يعتبر أن نيكاراغوا هي أحدث مثال على تآكل الديمقراطية حيث قامت الشرطة باقتحام مقار بعض رموز المعارضة لمنعهم من دخول الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

مخاوف من أن تتجه أميركا اللاتينية مجدداً للحكم الاستبدادي

البعض يعتبر أن نيكاراغوا هي أحدث مثال على تآكل الديمقراطية حيث قامت الشرطة باقتحام مقار بعض رموز المعارضة لمنعهم من دخول الانتخابات (إ.ب.أ)
البعض يعتبر أن نيكاراغوا هي أحدث مثال على تآكل الديمقراطية حيث قامت الشرطة باقتحام مقار بعض رموز المعارضة لمنعهم من دخول الانتخابات (إ.ب.أ)

لأسباب تتعلق بالجغرافيا والثقافة والتجارة، لا توجد منطقة أهم للولايات المتحدة من أميركا اللاتينية. يقول المؤرخ الأميركي الدكتور هال براندز، في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إنه لهذا السبب، يبدو أن عدداً قليلاً للغاية من الأميركيين لاحظ اتجاهاً مفزعاً، وهو أن التآكل البطيء للديمقراطية في أميركا اللاتينية يهدد بأن يصبح فيضاناً استبدادياً. واعتبر براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية بجامعة «جونز هوبكنز» الأميركية، أن نيكاراغوا هي أحدث مثال على ذلك. ومنذ عام 2007، تحايل الرئيس دانيال أورتيغا، لتعزيز سلطته وتهميش المعارضة. وخلال أزمة سياسية عام 2018، تردد أنه اعتمد على الاعتقالات خارج نطاق القانون، والتعذيب، والقتل لوقف خصومه. الآن، ألقى أورتيغا القناع تماماً، حيث سجن كل خصومه المحتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الخريف. وقد أعاد التاريخ نفسه في نيكاراغوا: حيث قام الرجل الذي ساعد في الإطاحة بديكتاتورية عام 1979 بتأسيس ديكتاتورية جديدة. وقبل عقدين من الزمن، بدا أن أميركا اللاتينية قد فرت من ماضيها الاستبدادي. ففي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حلت الديمقراطيات بشكل مستمر محل الديكتاتوريات. وبحلول عام 2000، كانت كوبا تحت حكم فيدل كاسترو، هي الدولة الوحيدة التي تخضع لحكم استبدادي في المنطقة. إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلاً. واعتبر براندز الباحث المقيم في معهد «أميركان إنتربرايز» للدراسات السياسية، أنه بتأمل الماضي، فإن انتخاب هوجو شافيز رئيساً لفنزويلا عام 1999، قد بدأ بالفعل اتجاهاً مشؤوماً: فقد جاء الشعبويون إلى السلطة من خلال إجراءات ديمقراطية، ثم انطلقوا لإضعاف المؤسسات التي قيدتهم.
وقد تولي قادة غير ليبراليين بعد ذلك السلطة لفترات طويلة في كل من الإكوادور وبوليفيا، حيث لم ينته حكم الرئيس إيفو موراليس، الذي شهد استبداداً متزايداً إلا من خلال انقلاب عسكري عام 2019، وفي البرازيل، أعرب الرئيس اليميني جاير بولسونارو، عن تطلعه إلى أيام الحكم العسكري. واستدعى رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة، جنوداً مسلحين وشرطة إلى الجمعية التشريعية لإظهار «من يتحكم في الموقف». ولا يزال يتم إجراء الانتخابات المنتظمة تقريباً في كل مكان، إلا أن التردي الديمقراطي تزايد كما تفاقم عدم الاستقرار السياسي في دول كبيرة وصغيرة. ومثال على ذلك، تعاني بيرو حالياً من أزمة سياسية شديدة وسط تحديات لشرعية الانتخابات السياسية التي شهدت منافسة قوية واستقطاباً آيديولوجياً. وقال براندز إنه من السهل تفسير هذا التدهور على أنه نتيجة لعوامل داخلية: فقد كانت واجهة الديمقراطية في أميركا اللاتينية مثيرة للإعجاب دائماً أكثر من أساسها. وقد أخفت الانتخابات الديمقراطية المنتظمة المؤسسات والأعراف الديمقراطية الهشة. وترك الفقر المستمر وعدم المساواة الأرض خصبة للشعبويين الطموحين. وكافحت الدول المتخلفة ذات القواعد الضريبية الضعيفة للسيطرة على العنف الإجرامي المتزايد، الذي جعل الديمقراطية تفقد بريقها. وربما تصبح الأمور أسوأ قريباً: فقد تسببت جائحة «كوفيد - 19» في إعادة أميركا اللاتينية سنوات إلى الوراء من الناحية الاقتصادية، حيث كشفت الفشل الواضح في برامج الصحة العامة وشبكات الأمان الاجتماعي، وفاقمت عدم شعور المواطنين بالأمان، وهو ما يؤدي إلى تغذية الاضطراب السياسي. وكتبت سينثيا أرنسون، مراقبة أميركا اللاتينية منذ فترة طويلة، بمركز «ويلسون للأبحاث»، أن الجائحة يمكن أن تؤثر على ديمقراطيات المنطقة «بطرق سلبية وربما تكون لا رجعة فيها». ومع ذلك، ارتبطت التحولات السياسية بالتحولات الجيوسياسية: فلم يكن من قبيل المصادفة أن أميركا اللاتينية أصبحت أكثر ديمقراطية بعد الحرب الباردة، عندما سادت قوة عظمى ديمقراطية. ومنذ أوائل القرن الحادي والعشرين، تغير توزان القوى في العالم، وكذلك تغير توازن القوى السياسية في المنطقة. وفي أوائل القرن الحادي والعشرين، سمحت ثروة فنزويلا النفطية لشافيز بتقديم مساعدات لنظام كاسترو في كوبا والزعماء ذوي التفكير المماثل في كل من بوليفيا والإكوادور ودول أخرى. وفي الفترة الماضية، أدت إعادة ظهور قوى عظمى استبدادية إلى تأثيرات إقليمية عميقة. وأشار براندز إلى أن الدول التي كانت تسعى إلى الحصول على تمويل من المؤسسات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي عادة ما تأخذ الفساد والحكم الرشيد على محمل الجد، أصبحت قادرة على الحصول على قروض واستثمارات من الصين بدون شروط أو قيود. وبعد أن تنصل رفائيل كوريا من جزء من الديون الخارجية للإكوادور في عام 2008، على سبيل المثال، لجأت حكومته إلى الصين للحصول على قروض بمليارات الدولارات، تم ردها من خلال منحها وصول تفضيلي للنفط الإكوادوري. ويمكن للنظام المترنح في فنزويلا أن يعزز وضعه من خلال الاعتماد على أنظمة استبدادية: وتساعد روسيا الحكومة على تجنب العقوبات الدولية وترسل مرتزقة لحماية الرئيس نيكولاس مادورو.
في غضون ذلك، ساعدت تكنولوجيا المراقبة الصينية الأنظمة غير الليبرالية على تعقب الخصوم السياسيين ومراقبة مواطنيهم. وتحمي روسيا وأحياناً الصين، حكومات هافانا وماناغوا وكاراكاس من الانتقادات الدولية لانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، فقد استخدم أورتيغا أسلحة روسية لإطلاق النار على متظاهرين عزل. ويمكن أن يستغل أبو كيلة ومادورو وغيرهما من الزعماء غير الليبراليين الصين كثقل موازن للولايات المتحدة، وكأنهم يقولون إذا ضغطتم علينا بشدة، سنلجأ إلى بكين ونربط مصيرنا بمصيرها. واختتم المؤرخ الأميركي هال براندز، تحليله بالقول إنه بغض النظر عما سيحدث في نيكاراغوا أو أي دولة أخرى، فإن أزمة الديمقراطية في نصف الكرة الغربي سوف تستمر لأنها مدفوعة من قوى خارجية والرياح الجيوسياسية المتغيرة. لقد انتهت مرحلة ما بعد الحرب الباردة في أميركا اللاتينية، ويرجع ذلك إلى أن مرحلة أميركا كقوة أحادية في العالم قد انتهت أيضاً.



بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.