«التطبيع العربي» مع دمشق مفاجأة أميركا في مؤتمر روما

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين لدى وصوله الى باريس في 24 الشهر الحالي (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين لدى وصوله الى باريس في 24 الشهر الحالي (رويترز)
TT

«التطبيع العربي» مع دمشق مفاجأة أميركا في مؤتمر روما

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين لدى وصوله الى باريس في 24 الشهر الحالي (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين لدى وصوله الى باريس في 24 الشهر الحالي (رويترز)

فجأة وسعت أميركا قائمة المدعوين إلى المؤتمر الوزاري الموسع في روما الخاص بسوريا في روما غداً الاثنين، لتضم الجامعة العربية في خطوة ترمي إلى إثارة ملف «التطبيع العربي» مع دمشق بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين و15 من نظرائه في «السبع الكبار» و«المجموعة المصغرة» وتركيا وقطر والاتحاد الأوروبي، بهدف الضغط على روسيا للموافقة على قرار الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا «عبر الحدود».
الاجتماع، وهو أول لقاء وزاري يرأسه بلينكين عن سوريا منذ تسلم الرئيس جو بايدن سيعقد على هامش المؤتمر الخاص بالتحالف الدولي ضد «داعش» في العاصمة الإيطالية، كان مقرراً أن يقتصر على إيجاز يقدمه المبعوث الأممي غير بيدرسن وإلقاء كل وزير خطاباً مدته دقيقتان، قبل إقرار مسودة بيان جماعي مختصر، مع تركيز خاص على ملف المساعدات الإنسانية وتمديد آلية إيصالها «عبر الحدود» التي تنتهي في 10 الشهر المقبل.
كان هذا واضحاً في مسودة البيان، التي حصلت «الشرق الأوسط» عليها، حيث نصت على أن الدول المشاركة «تشدد على الأهمية البالغة لضمان تقديم المساعدة المنقذة للحياة والاستجابة لوباء كورونا المستجد، لجميع المواطنين السوريين المحتاجين من خلال جميع السبل الممكنة، بما في ذلك توفير وتوسيع آلية الأمم المتحدة عبر الحدود، والتي لا يوجد بديل مناسب لها».
وكان مقرراً أن يؤكد الوزراء، «أهمية استمرار الدعم للاجئين السوريين، والبلدان المضيفة، حتى يتمكن السوريون من العودة الطوعية إلى ديارهم في أمان وكرامة» مع الترحيب بإحاطة بيدرسن وتأكيد «دعمنا القوي للجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتنفيذ جميع جوانب قرار مجلس الأمن رقم 2254. بما في ذلك الدعم المستمر لوقف إطلاق النار الفوري على مستوى البلاد والتزامنا بمواصلة العمل بنشاط من أجل التوصل إلى حل سياسي يضع حداً للنزاع المستمر منذ عقد في سوريا، مع ضمان أمن الشعب السوري».
لكن الدول المشاركة تبلغت قبل يومين بدعوة آيرلندا والجامعة العربية إلى الاجتماع. آيرلندا دعيت إلى جانب النرويج لأنهما مسؤولتان عن ملف الشؤون الإنسانية في نيويورك. أما دعوة الجامعة العربية، فالسبب أن أميركا تريد إثارة موضوع رغبة دول عربية بـ«التطبيع» مع دمشق وإعادتها إلى الجامعة العربية بموجب اقتراحات عربية وضغوطات روسية عبر عنها وزير الخارجية سيرغي لافروف في جولته العربية الأخيرة ولقاءاته مع عدد من الوزراء.
وحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن واشنطن (وباريس)، التي كانت صامتة ثم مقتصرة على ملاحظات عبر الأقنية الدبلوماسية، أبلغت دولاً عربية وأوروبية بضرورة ألا يكون «التطبيع العربي» مجانياً والتريث به إلى ما بعد معرفة موقف روسيا من التصويت على القرار الدولي لتمديد المساعدات «عبر الحدود» قبل انتهاء صلاحية القرار الحالي في 10 الشهر المقبل.
كانت واشنطن قدمت عدداً من «الإشارات المشجعة» لموسكو للتصويت لصالح صدور قرار يسمح بفتح ثلاثة معابر حدودية، اثنان مع تركيا وثالث مع العراق، كان بينها عدم إصدار عقوبات جديدة بموجب قانون قيصر» خلال أول ستة أشهر من عمر إدارة بايدن (إدارة دونالد ترمب فرضت عقوبات على 114 في آخر ستة أشهر من عهدها)، وتقديم استثناءات لمواد طبية من العقوبات، والموافقة على تقديم المساعدات «عبر خطوط» التماس بين مناطق النفوذ في سوريا.
لكن إلى الآن، لم تتبلغ واشنطن موقف موسكو التي قالت إن القرار سيتخذ على أعلى المستويات، أي الرئيس فلاديمير بوتين، وأن المؤشرات قد تصوت ضد تمديد القرار، بل إن وزير الخارجية سيرغي لافروف بعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، متهماً دولاً غربية بـ«بالابتزاز».
ودعا في مناسبة أخرى إلى ما مفاده، ضرورة الوصول إلى «صفقة شاملة» تشمل: 1) «قانون قيصر» الأميركي الذي يتضمن فرض عقوبات قاسية على دمشق، 2) دعم إعمار البنية التحتية في سوريا، 3) الوجود الأميركي شرق الفرات، 4) توفير دعم البنية لعودة اللاجئين والمساعدات عبر الحكومة في دمشق، 5) إيصال المساعدات «عبر خطوط» كما قابلت موسكو جهود بليكنين بحشد حلفائه في 15 دولة ومنظمة في روما اليوم، بأنها دعت إلى اجتماع لـ«مجموعة آستانا» (روسيا، إيران، تركيا) في 7 الشهر المقبل، عشية انتهاء صلاحية قرار «المساعدات». وإلى فتح واشنطن ملف «التطبيع العربي»، تلقى بيدرسن نصيحة بتأجيل تقديم اقتراحه لمقاربة «خطوة مقابل خطوة» إلى ما بعد «الاختبار الأميركي» لروسيا، إذ لا يزال فريق بايدن يقول إن قرار موسكو في شأن آلية المساعدات، سيحدد اتجاه العلاقات في المرحلة المقبلة، إذ إن الموافقة على تمديد آلية المساعدات «عبر الحدود» و«عبر الخطوط»، ستفتح الطريق على استعادة الحوار السياسي بين البلدين حول ملفات عدة تخص سوريا، بما في ذلك «خطوة مقابل خطوة» وبحث جميع «الحوافز».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.