عودة الروح

للأمانة، ورغم السماح لبعض الجماهير بدخول الملاعب العربية والأوروبية منذ أشهر، فإنني لم أشعر بعودة الروح والحياة إلى سابق عهدها، إلا عندما شاهدت مباراة المجر والبرتغال التي جرت يوم 15 يونيو (حزيران)، وحضرها 55662 مشجعاً لم أرَ واحداً منهم يرتدي الكمامة، وسط دهشة «مُفرحة»، وعدم تصديق بأن جائحة «كورونا» التي أصابت العالم كله يمكن أن تنحسر بهذه السرعة... طبعاً هناك مَن انتقد التصرف المجري، وهناك مَن فرح وهناك من اندهش، وهناك من شكّك؛ فالمباريات التي سبقتها لم يزد عدد المشجعين على عشرين ألفاً، كما حدث في المواجهة التاريخية، وأقدم ديربي في العالم بين إنجلترا واسكوتلندا، ولكن أن نرى ملعباً بسعة مكتملة مائة في المائة، ومن دون أي تباعد، وبدون كمامات، فقد كانت بالنسبة لي هي المرة الأولى منذ مارس (آذار) 2020، وبكل صراحة أحببت أن أصدق المشهد، وأحببت أن نعود بالمشاعر السابقة من الحرارة والحرية؛ فلا جمال يضاهي وجود المشجعين على المدرجات، وتجمّعهم في الساحات، كما فعل الطليان يوم 11 يونيو بعد الفوز الكبير على الأتراك بالثلاثة، وأخذت إيطاليا مثلاً لأنها الدولة الأوروبية الأكثر معاناة مع «كورونا»، بل ربما أكثر دولة عانت في مراحل الجائحة الأولى، وأكثر من ووهان الصينية، لهذا فما حدث ويحدث في بطولة أمم أوروبا الحالية يتجاوز مسألة النتائج والأهداف وتألّق البرتغالي رونالدو ابن السادسة والثلاثين، الذي حطم الأرقام القياسية واحداً تلو الآخر، وكأنه في عز عطائه وحيويته، رغم أننا في لحظة تخيلنا أن منتخب بلاده حامل اللقب سيخرج من دور المجموعات بعد الهزيمة من ألمانيا وقبل مواجهة فرنسا، ولكنه أثبت أنه لم يُتوَّج أفضل لاعب في العالم خمس مرات عبثاً أو مجاملة، وأثبت أنه يتجاوز ميسي على صعيد المنتخب بمراحل، ومَن شاهده وهو يردد النشيد الوطني البرتغالي قبل مواجهة فرنسا سيعرف أي شغف يتمتع به هذا اللاعب، ومَن شاهد الصور التي انتشرت به بين عامي 2004 و2021 سيعرف أنه فعلاً مثال يُحتذى للاعب المهتم بمستقبله والمركّز على شغله رغم شهرته الخارقة، ورغم كونه أكثر شخص مُتابَع على «السوشيال ميديا» في العالم، إلا أنه ركز على وظيفته الأساسية، وهي أن يكون لاعب كرة قدم، وأتحدى شخصاً واحداً انتقد لياقته البدنية العالية وهو في هذه السن.
نعم، قد نتفق ونختلف على كثير من الأمور، ولكني لا أعتقد أنه حتى كارهو رونالدو سيغبنونه حقه من الإشادة والإطراء، وهو الذي بات الهداف التاريخي لليورو وللعالم، والمقبل قد يكون... أعظم.