«عنبر»... لوحات أدهم الدمشقي تحكي عودة الحياة بعد انفجار بيروت

منزله المتطاير الأجزاء يستضيف معرض رسوماته

لوحات من ميكس ميديا يعرضها أدهم الدمشقي لغاية 4 أغسطس المقبل
لوحات من ميكس ميديا يعرضها أدهم الدمشقي لغاية 4 أغسطس المقبل
TT

«عنبر»... لوحات أدهم الدمشقي تحكي عودة الحياة بعد انفجار بيروت

لوحات من ميكس ميديا يعرضها أدهم الدمشقي لغاية 4 أغسطس المقبل
لوحات من ميكس ميديا يعرضها أدهم الدمشقي لغاية 4 أغسطس المقبل

تسمّر الفنان أدهم الدمشقي في أرضه وشعر أنه أصيب بشلل تام إثر سماعه دوي انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي. حينها كان بمعيته كلبه «غودو» الذي راح يركض مسرعاً نحو منزل صاحبه، كأنه أراد الاطمئنان على محتوياته. تلك اللحظات بثت في أدهم الحياة من جديد، وأحس كأنّ «غودو» استعار قدميه المشلولتين.
«عندما رأيت غودو يركض بهذه السرعة نحو منزلنا، وكانت معالم الشارع تغيّرت بفعل الانفجار، تحركت لا شعورياً ولحقت به. ووصلنا معاً إلى محيط البيت، كان مقفراً، الردم يغطيه، وزجاج النوافذ والأبواب... تناثر على كل شيء. تخيلت غودو يركض بـ6 أقدام بدلاً من أربعة، كأنه استعار مني قدمي المتوقفتين عن الحركة في تلك اللحظات. فهو من أعادني من غيبوبتي المجازية، وحقنني بإكسير الحياة من جديد».
هكذا يصف الفنان أدهم الدمشقي المعاني التي تحملها لوحات معرضه «عنبر». فضمن 15 رسمة استخدم فيها تقنية «الميكس ميديا»، يروي مشاعره وأحاسيسه والأفكار التي راودته لحظة الانفجار، وما بعده. أدهم الدمشقي هو شاعر ومسرحي وفنان تشكيلي لبناني، يقيم في محترفه الفني في بيروت. محاضر جامعي في دور العلاج بالفنون والتنمية الذاتية.
لماذا «عنبر»؟ يوضح أدهم لـ«الشرق الأوسط»: «لأن العنبر مادة صلبة لا طعم لها ولا رائحة إلّا إذا سحقت أو أحرقت. وهكذا بيروت عندما احترقت فاح عطرها وسكن الدنيا».
وبألوان داكنة تتخللها أخرى زاهية ولكنّها متسخة وغير واضحة، يخبر أدهم زائر المعرض قصته واللحظات الصادمة التي عاشها. يقيم المعرض في أقسام منزله الصغير في شارع الجعيتاوي في منطقة الأشرفية. لأنّه يرغب في أن ينقل إلينا واقعاً مراً حفر في ذاكرته، على الرغم من مرور نحو 10 أشهر على الانفجار.
ويتابع أدهم: «عندما وصل غودو قبلي إلى المنزل، أدركت أني أصبحت بأمان. فأثناء اندفاعي للوصول إلى منزلي كنت أحس أني أركض وبيروت تركض عكسي، وكأني أعيش الوهم. قررت إقامة معرضي في هذا المكان بالذات، لأنّه يتنفس كل المشاعر المتناقضة التي راودتني في تلك اللحظات».
في أقسام منزل أدهم، تبدأ جولتك في المعرض الذي تحضر في غالبية لوحاته شخصية الكلب غودو. وانطلاقاً من غرفة النوم، تلفتك في اللوحات المعلقة على جدرانها وفوق سريره، رموز ترتبط ارتباطاً مباشراً بلحظات الانفجار. شتلة الـ«ألوي فيرا» التي دفن قربها الهر (انكيدو)، بعد أن هرع إلى منزله إثر الانفجار ومات متأثراً بجروحه. ورسم للديك الذي لم يتوقف عن الصياح على الرّغم من كل شيء. والنافذة السوداء التي يطل منها الفنان في لحظات اكتئاب، وعزاؤه الوحيد للتخلص منها الاتكاء على كلبه غودو. وفي غرفة الاستقبال تطالعك لوحة عملاقة للكلب غودو تستأثر بمعظم مساحة الحائط. يظهر فيها غودو البطل كما يسميه، يركض وهو يلتفت إلى الوراء كي يطمئن على صاحبه. «كما تلاحظين لقد صورته بـ6 أقدام بدلاً من 4، فهو كان يركض عني عندما كنت شبه غائب عن الوعي. إنّه بطل المعرض، لأنّ هذا التواصل الذي ولد بيني وبينه لحظة الانفجار، انتشلني من صدمتي. لقد اقتنيته في 21 يونيو (حزيران) من العام الماضي، واخترت إطلاق معرضي هذا في التاريخ نفسه من هذه السنة، تكريماً لغودو الذي استحدث هذه الطاقة الإيجابية في البيت».
تكمل جولتك في المعرض لتتوقف عند غرفة الدخول للمنزل. «هنا أقدم مشهدية جامعة لشرفات منازل تأذت بفعل الانفجار وتطايرت الزهور منها. غالبيتها كانت صناعية، فرحت ألملمها بعدما انعزلت لحظة الانفجار عن المشهد العام.
في تلك اللحظات ولدت فكرة معرضي (عنبر). جميع العناصر الحيوية التي تحيط بي وبمنزلي استخدمتها في لوحاتي. واحتلت حديقة منزلي حيزاً كبيراً. فعندما التقطت أنفاسي بعيد الانفجار، صرت أرى الأشياء من منظار آخر، وخيل إليّ أني بدأت حياتي من الصفر. الورد الشتول والحيوانات التي رأيتها في تلك اللحظات أو سمعتها، كأنّي كنت أتعرف إليها للمرة الأولى. فعندما يتعرض الشخص لصدمة ما، فهي تعيده إلى نقطة الصفر، كأنّما تبدأ حياته من جديد انطلاقاً منها. رحت أرى الأشياء بعين طفل ولد من جديد».
لعب أدهم الدمشقي على عنوان معرضه «عنبر»، لأنّه يشير من خلاله أيضاً إلى المكان الذي انطلق منه انفجار مرفأ بيروت (العنبر 12). ويعلق: «لقد افتتحت معرضي في التوقيت نفسه الذي حصل فيه الانفجار في السادسة وثماني دقائق. رغبتي في إطلاق هذه التسمية، ارتكزت على الرابط بين حجر العنبر والعنبر رقم 12. وهو الذي ولّد هذا التواصل بين رموز معرضي».
لم يخطط أدهم لأي لوحة من لوحاته في المعرض. «لم أدرس حيثياتها ولا العناصر التي يمكن أن تتألف منها. جاءت جميعها تلقائية ومباشرة، وشكّلت نفسها بنفسها».
رحلة فنية في منزل بيروتي قديم تفوح منه قصة حياة، تختصر معاني معرض «عنبر» لأدهم الدمشقي الذي يستمر لغاية 4 أغسطس (آب) المقبل.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».