من المرتقب أن يحتل الملف التركي حيزاً أساسياً في قمة القادة الأوروبيين اليوم وغداً في بروكسل، فيما يبدو أن العلاقات بين الطرفين تشهد منذ بداية العام نوعاً من تراجع التصعيد الذي بلغ ذروته الصيف والخريف الماضيين. ويرى الطرف الأوروبي اليوم أن «الكرة في الملعب التركي» وأن تطور العلاقات مرهون بأداء أنقرة بشأن عدد من الملفات الرئيسية التي تؤثر على التوجهات الأوروبية إنْ سلباً أو إيجاباً. تقول مصادر رئاسية فرنسية، في معرض تقديمها لتحديات القمة الأوروبية، إن هناك أربعة ملفات رئيسية ضاغطة يتعين أخذها بعين الاعتبار في عملية تقويم العلاقة مع أنقرة، وهي تباعاً: أداء وأنشطة تركيا في مياه المتوسط الشرقي، وموقف أنقرة من الملف القبرصي والمفاوضات القائمة بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، وسياسة أنقرة الإقليمية خصوصاً في الملف الليبي، وأخيراً أوضاع حقوق الإنسان واحترامها من السلطات التركية وحال دولة القانون فيها. ونقطة الانطلاق للأوروبيين الذين سيناقشون الملفات الدولية والإقليمية بمناسبة عشاء العمل الذي سيجمعهم مساء اليوم، عنوانها «الرد التركي على الأجندة الإيجابية» التي عرضها الأوروبيون في ديسمبر (كانون الأول) الماضي والتي وضعت أنقرة أمام احتمالين: إما الانخراط في «الأجندة الإيجابية» التي من شأنها تعزيز العلاقة معها والاستفادة من المحفزات الاقتصادية والتجارية وأشكال التعاون الأخرى، وإما «الاستمرار في إجراءاتها أحادية الجانب والمزعزعة للاستقرار في المتوسط الشرقي وعدد من بلدان الإقليم وبالتالي تعرضها للعقوبات» التي أعد وزير الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل مقترحات عملية بشأنها. واضح اليوم أنْ لا عقوبات ستُفرَض على تركيا التي تقاربت مع الاتحاد إنْ عبر المفوضية الأوروبية التي تديرها أورسولا فون دير لاين أو مع المجلس الأوروبي الذي يرأسه شارل ميشال. وتبادل الطرفان الزيارات والمشاورات. كذلك تقاربت أنقرة مع باريس، وآخر تجليات المسار الجديد بين العاصمتين، اجتماع رئيسي البلدين على هامش قمة الأطلسي الأخيرة والاتفاق على التعاون في عدد من الملفات منها الملف الليبي. وحسب المصادر الرئاسية الفرنسية، فإنه «لا مصلحة للأوروبيين في تدهور العلاقة مع أنقرة، بل مصلحتهم في تحسنها» لأن ثمة ميادين للتعاون معها وأبرزها الحرب على الإرهاب والسيطرة على ملف الهجرات.
«ننتظر من تركيا أفعالاً»، هذا القول الذي ردّده أكثر من مرة وزير الخارجية الفرنسي يمثّل شعار المرحلة المقبلة. وعند الدخول في تفاصيل المواقف التركية وبعيداً عن الشعارات، تبرز إلى الواجهة مجدداً العقبات التي حالت «وتحول» دون تعزيز العلاقات مع أنقرة. ففي الملف القبرصي، هناك اختلاف رئيسي بين بروكسل وأنقرة، إذ إن الأخيرة تدعم مطلب القبارصة الأتراك بإقامة دولتين منفصلتين، الأمر الذي يخالف قرارات مجلس الأمن والمواقف الأوروبية. وترقب باريس ما سيقوله الرئيس إردوغان في زيارته المنتظرة لشمال قبرص ومدينة فاروشا اليونانية الخاضعة، منذ الحرب القبرصية عام 1974، لسيطرة القبارصة الأتراك. كذلك، فإن الأوروبيين رحّبوا بوقف أعمال التنقيب عن الغاز التي كانت تقوم بها تركيا في المنطقة القبرصية الاقتصادية الخالصة. إلا أن تصريح وزير الطاقة التركي الأخير بأن بلاده عازمة على استئناف أعمال التنقيب في الخريف القادم عاد ليخلط الأوراق مجدداً. كذلك، فإن تركيا لم تتخلَّ عن مخططاتها الغازيّة في المياه اليونانية، الأمر الذي يدفع الأوروبيين إلى التأكيد مجدداً على «أهمية فرض السيادة الأوروبية حينما تكون مهدَّدة وتوفير الأدوات اللازمة لمواجهة كل ما هو انتهاك للقانون الدولي» في إشارة إلى اعتداءات تركيا على مياه قبرص واليونان، عضوي الاتحاد.
وفي الملف الليبي، قالت المصادر الرئاسية إن بروكسل تطالب بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة. والحال أن أنقرة «مستمرة في الدفاع عن وجود ضباطها وعسكرييها» في ليبيا، أي إنها ترفض سحبهم بحجة الاتفاق المعقود منذ 2019 مع طرابلس إبان حكومة فائز السراج. وأكثر من ذلك، يريد الأوروبيون من أنقرة أن تقبل بإخضاع سفنها للتفتيش في مياه المتوسط، في إطار عملية «إيريني» الأوروبية التي أُطلقت في 31 مارس (آذار) من العام الماضي لفرض قرار مجلس الأمن منع إيصال السلاح إلى الأطراف المتحاربة في ليبيا، الأمر الذي تسبب في احتكاكات بين سفن تركية وقطع أوروبية كادت تتطور صيف العام 2020 إلى مواجهات، بسبب رفض أنقرة الخضوع لعمليات التفتيش.
ما سبق، غيض من فيض من الخلافات الأوروبية - التركية. ويمثل ملف حقوق الإنسان في تركيا عقبة رئيسية، إذ قالت المصادر الرئاسية في باريس إنه «مصدر قلق للأوروبيين»، مشيرة إلى مساعي الحكومة لمنع «حزب الشعوب الديمقراطي» القريب من أكراد تركيا، وملاحقة العديد من نوابه، والاستمرار في اعتقال العشرات من الصحافيين والقضاة والمدافعين عن حقوق الإنسان والاستخفاف بما صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي دعت سلطات أنقرة لإخلاء سبيل مناضلين وصحافيين معتقلين في سجونها. وسبق للبرلمان الأوروبي أن ندد مراراً بانتهاكات حقوق الإنسان وغياب دولة القانون في تركيا. وفي سياق آخر، تلحظ باريس وجود عقبات رئيسية في ملف تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الطرفين ما سيعني الاستمرار في المناقشات التقنية قبل الوصول إلى القرار السياسي.
رغم كل ما تقدم، يريد الأوروبيون السير قدماً في علاقاتهم مع تركيا ويسعون لتحسين العلاقات على المدى البعيد. لكن لديهم تطلعات ومتطلبات من الطرف الآخر. لكن نياتهم يمكن أن تصطدم بأداء تركي متقلب ويخضع كثيراً لعوامل السياسة الداخلية. من هنا، دعوة المصادر الرئاسية الفرنسية إلى التزام «الحذر» في النظر إلى المستقبل.
4 ملفات رئيسية قد تحول دون التقارب الأوروبي ـ التركي
مصادر الرئاسة الفرنسية: الكرة في ملعب أنقرة
4 ملفات رئيسية قد تحول دون التقارب الأوروبي ـ التركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة


