كوبا تستأنف الحوار مع أوروبابعد تقاربها مع واشنطن

جولة جديدة من المفاوضات تناقش حقوق الإنسان والانفتاح السياسي

كوبا تستأنف الحوار مع أوروبابعد تقاربها مع واشنطن
TT

كوبا تستأنف الحوار مع أوروبابعد تقاربها مع واشنطن

كوبا تستأنف الحوار مع أوروبابعد تقاربها مع واشنطن

كان مقررا أن يستأنف الاتحاد الأوروبي وكوبا أمس مفاوضاتهما بهدف تطبيع علاقاتهما على خلفية التقارب التاريخي الذي بدأ بين هافانا وواشنطن. وفي مؤشر على رغبة الأوروبيين في مجاراة الحدث، أعلنت الرئاسة الفرنسية مساء أول من أمس أن الرئيس فرنسوا هولاند سيقوم بزيارة رسمية إلى كوبا في 11 مايو (أيار) المقبل لتشكل أول زيارة لرئيس فرنسي إلى البلاد.
وتجري هذه الجولة الثالثة من الحوار بين الطرفين على مدى يومين في هافانا، في اجتماعات مغلقة تتناول المسائل الحساسة المتعلقة بحقوق الإنسان والانفتاح السياسي. وكان الحوار بين الجانبين انطلق في مايو 2014. ويهدف الطرفان إلى إبرام «اتفاق للحوار السياسي والتعاون» المفترض أنه يطوي صفحة عقد من الخلافات.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أمس عن دبلوماسي أوروبي قوله: «لدينا برنامج مركز على موضوع التعاون مع الطموح في بدء البحث في نقطتين أخريين (الحوار السياسي والتجارة) لوضع أسس المراحل المقبلة». وفيما العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وكوبا مجمدة رسميا منذ 2003، أعاد ممثلوهما فتح الحوار بمبادرة الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المصممة على تغيير السياسة بغية تشجيع هافانا على إجراء إصلاحات في مجال حقوق الإنسان. وقد وافقت كوبا على الاقتراح آملة أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن «موقفه المشترك» الساري المفعول منذ 1996 والذي يربط التعاون الأوروبي مع النظام الشيوعي الكوبي بتحقيق خطوات ديمقراطية خاصة في مجال الحقوق المدنية والسياسية. ولطمأنة الطرف الكوبي يؤكد الأوروبيون «عدم التفاوض بشأن تدابير محددة في هذه المجالات». وقال الدبلوماسي الأوروبي: «إن ما نحن بصدد التفاوض بشأنه هو إطار للاتفاق، إطار قانوني للحوار والتعاون والمبادلات بما في ذلك في ميادين الحوكمة وحقوق الإنسان. إننا نتفاوض بشأن إطار للتحدث بهذا الشأن». وأكد أيضا طالبا عدم كشف هويته «أن الجانب الكوبي مدرك منذ البداية أن ذلك سيدخل ضمن الاتفاق». ويقود المحادثات كبير المفاوضين الأوروبيين كريستيان ليفلير ونائب وزير الخارجية الكوبي إبلاردو مورينو. وسبق وترأس الرجلان المناقشات في أبريل (نيسان) وأغسطس (آب) 2012 في هافانا ثم في بروكسل. وهذه الجولة التي كانت مقررة أصلا في يناير (كانون الثاني) الماضي، أرجئت في ديسمبر (كانون الأول) بطلب من الطرف الكوبي قبيل الإعلان عن انفراج العلاقات مع الولايات المتحدة.
وقد رحب الاتحاد الأوروبي بـ«المنعطف التاريخي» وعبرت وزيرة خارجيته فيديريكا موغريني عن أملها في تطبيع العلاقات «مع كل المجتمع الكوبي» مؤكدة أن «حقوق الإنسان تبقى في صلب سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه كوبا». من جهتها، دعت إسبانيا في يناير الماضي الاتحاد الأوروبي إلى تسريع عملية التطبيع مع هافانا لعدم التقهقر إزاء واشنطن خاصة في مجال المبادلات التجارية. وكان وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل غارسيا مرغالو دعا إلى «إعطاء الشركات في الاتحاد الأوروبي إمكانية مزاحمة الشركات الأميركية». أما بالنسبة لكوبا فإن توقيع اتفاق تعاون مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحرر المساعدة الأوروبية ويفتح أيضا أسواقاً جديدة، فيما يعاني اقتصادها من صعوبات تحت تأثير تراجع النمو يضاف إليه الحظر الأميركي الذي ما زال ساريا.
والسيجار الكوبي الذي يعتبر من المنتجات الرئيسية المعدة للتصدير في الجزيرة يخضع لرسوم بنسبة 26 في المائة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، مما يضر بمبيعات شركة هابانوس صانعة السيجار الكوبي، قياسا إلى الشركات المنافسة لها من أميركا الوسطى والدومينيكان المعفية من الرسوم الجمركية.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.