أوليفييه بولج لـ («الشرق الأوسط»): أحب أن أؤلف قصصا متجددة في كل عطر

عطار «شانيل» الجديد.. هذا الشبل من ذاك الأسد

أوليفييه بولج
أوليفييه بولج
TT

أوليفييه بولج لـ («الشرق الأوسط»): أحب أن أؤلف قصصا متجددة في كل عطر

أوليفييه بولج
أوليفييه بولج

سمها كما تشاء: محاباة أم محسوبية أم وفاء أم ضربة حظ، لكن عندما تجلس مع الشاب أوليفييه بولج وتتجاذب معه أطراف الحديث، تتبخر كل هذه الأفكار المسبقة، وتكتشف مدى حنكة وذكاء دار «شانيل» في اختيارها عطارا خاصا لها، خلفا لوالده جاك بولج. هذا الأخير ظل معها منذ عام 1978، لكنه هذا العام سلم المشعل لابنه الأربعيني، ما يشير إلى أهمية الاستمرارية بالنسبة للدار الفرنسية من جهة، وإلى تقديرها للعنصر العائلي من جهة ثانية.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن والده، جاك، هو الذي أهدانا عطورا مميزة مثل «كوكو شانيل»، «تشانس»، و«ألور»، ما يجعل البعض يحضرون أنفسهم لعقد مقارنات بينهما. بعد الحديث مع أوليفييه، تشعر بأن أي مقارنة مضيعة للوقت، لأنه بالأساس لا يريد أن يعيش في جلباب أبيه، كما أنه هو الآخر حقق نجاحات لا يستهان بها، مثل «فلاوروبومب» لفيكتور أند رولف، العطر الذي حقق نجاحا تجاريا منقطع النظير، فضلا عن عطر «فلورابوتانيكا» لبالنسياجا وغيرهما. في مقابلة خاصة معه في مقر «شانيل» بباريس، كشف الستار عن أول عطر ابتكره للدار اسمه «ميسيا» Misia، سيدخل ضمن عطورها الخاصة والمتخصصة Les Exclusifs ليسجل من خلاله عهدا جديدا في تاريخ الدار وفي سيرته الذاتية على حد سواء. فوق طاولة زجاجية عريضة، وُضعت عينات من العطر، ما إن تفتحها حتى تنبعث منها رائحة ساحرة، هي مزيج من البودرة السائبة المعطرة والورد. في الجهة المقابلة، جلس أوليفييه، في مكان استراتيجي، واضعا رجلا على رجل، وكأنه يتعمد أن يراقب رد الفعل الأولي، وبابتسامة وديعة، تشك فيما إذا كانت تشي بالتواضع أم بالثقة والفخر، يجيب على كل الأسئلة بصوت هادئ وبتأنٍ شديد، وكأنه يفكر في كل كلمة عشر مرات، قبل أن يتفوه بها. ومع ذلك لا تشعر بأن إجاباته محسوبة أو تأتي من نص كتب له وملزم به، بل العكس. مع كل إجابة، يتأكد الإحساس بأنه يتميز بشخصية شفافة ورقيقة لا تأخذ نفسها محمل الجد، لكنها في الوقت ذاته تعرف ما تريد، تماما مثل «شانيل». وهذا ما ذكرني بالمثل العربي القديم «وافق شن طبقة». بأناقته ووسامته وهدوئه، يعكس صورة الدار ومبادئها إلى حد كبير. وهكذا تتبخر أي فكرة عن المحسوبية أو المحاباة، ويحل محلها يقين بأن تعيينه سيثمر على إنتاجات ستعطر العالم، وبأنه خير خلف لخير سلف. فليس هناك أجمل من شاب يتذوق الموسيقى ويعزف على البيانو، رغم أنه يعترف بأنه عازف غير جيد، ليبتكر عطورا تتراقص على نغمات كلاسيكية عصرية.

* يجب أن أعترف بأن عطرك من أجمل العطور التي شممتها في الآونة الأخيرة، وهي كثيرة جدا كما تعرف. بالنسبة لي كل من يستطيع ابتكار عطر مماثل لا بد أن يتمتع بشخصية حساسة والكثير من الحب للورود. في نفس الوقت قابلت عطارين يؤكدون أن المسألة ليست شاعرية بقدر ما هي حسابية، مثل الكيمياء، تعتمد على خلط مكونات بنسب معينة لا أكثر ولا أقل. إلى أي نوع من المدرستين تنتمي؟
- أعتقد أنني مزيج من الاثنين. فأنا من جهة أتمتع بشخصية حساسة بمعنى أنني أعرف ما هو المطلوب بإحساس فطري، ومن جهة ثانية، أدرك أن عملي يتطلب الدقة، حتى تأتي الوصفة متوازنة ومحسوبة
* أكيد أنك قمت بعدة تجارب واختبارات قبل أن تنتهي من مهمتك، متى شعرت بأنك توصلت إلى الخلطة المطلوبة وقلت مع نفسك: «وجدتها.. وجدتها»؟
- (مبتسما) من الصعب تحديد ذلك، لكنها مسألة إحساس فطري، وبالفعل هناك صوت داخلي يقول لك في لحظة ما، بأنك توصلت إلى ما تبتغيه وأن الوصفة اكتملت.
* هل يمكنك أن تقول لي بعض الشيء عن نفسك: كيف كبرت وعشت في مدينة غراس محاطا بالورود، وهل كانت صناعة العطور قدرك المحتوم؟
- أنا لم أكبر محاطا بالورود فحسب، بل ولدت في أسرة تتنفس العطور، بحكم عمل والدي. فقد كان يأتي دائما إلى البيت في آخر النهار محملا بالروائح المتنوعة، كما أن معظم أصدقائه ومعارفه يعملون في صناعة التعطير والتقطير. أتذكر كيف كانوا يتجاذبون في لقاءاتهم المسائية أطراف الحديث عن أنواع الزهور وأوقات قطافها وأحسن الطرق لتقطيرها وما شابه ذلك. عندما كنت صغيرا، كنت أعيش هذه الأجواء وأسمع كل ما يدور بينهم من أحاديث وتحاليل، ولم أكن أدري أن بداخلي شبه جهاز كومبيوتر يخزن هذه المعلومات، فكأي صبي في سن المراهقة، تمردت على أي شيء يمت للعائلة بصلة، ليس لسبب معقول سوى رغبة في التمرد وإثبات الذات، لهذا لم أفكر في هذه المهنة بتاتا. كان حلمي أن أترك غراس وأهاجر إلى مكان بعيد استكشف فيه أشياء جديدة. لكن كما ترين، انتهى بي المطاف إلى باريس ونفس مهنة والدي.
* هذا ليس أمرا سيئا على الإطلاق. متى انتهت فترة التمرد هذه؟
- عندما بلغت الـ20. كان التاريخ صيفا.. أذكر ذلك جيدا لأني قمت بدورة تدريبية في مختبر والدي، واكتشفت حينذاك كم هو ممتع العمل في هذا المجال، وكم هو واسع وخصب. بعد بضعة أشهر، أعربت لوالدي عن رغبتي في امتهان عمله، طالبا منه الدعم المعنوي والعون بتوفير دورات تدريبية.
* كيف انتابك هذا الشعور أول مرة، هل كنت في المختبر وفجأة اتضحت لك الصورة، أم هل كان لرائحة ما تأثيرها على نفسيتك وقرارك؟
- كل ما في الأمر أنني اكتشفت أن سعادة عارمة تنتابني وأنا أتعامل مع المكونات الأساسية والمواد الخام، من النباتات إلى الأزهار والأعشاب والأخشاب، وحتى تقنيات التقطير واستخراج الزيوت.. كل العملية كانت مثيرة بالنسبة لي خصوصا كيف يجتمع فيها غير الملموس عندما يكون مجرد فكرة وروائح طبيعية خاما، مع الملموس عندما تتحول إلى عطر في قارورة.
* هل يمكن القول بأنك تدين بما تعلمته الآن لوالدك؟
- في البداية لا، لأني لم أعمل معه، وهو ما أعتقد أنه صحي وجيد على المدى البعيد. صحيح أنه ساعدني في الحصول على فرص دورات تدريبية عندما كنت في العشرين من العمر، لكننا لم نعمل مع بعض، إذ سافرت مباشرة إلى نيويورك لأبدأ عملي هناك. في العام الماضي فقط، جاء أول تعاون بيننا. ربما لهذا السبب لا أشعر بثقل الإرث الذي خلفه والدي، من الناحية العملية.
* «ميسيا» أول عطر لك في دار «شانيل»، ولن يطرح كباقي العطور، بل هو جزء من عطورها الخاصة والمتخصصة جدا Les Exclusives De Chanel، هل وضعك هذا الأمر تحت الضغط، أم العكس لأنه ليس تجاريا؟
- من الناحية الإبداعية، فإن فكرة التعبير عن الدار من خلال منتج ملموس، أيا كان، عملية صعبة، أما من الناحية التقنية، فإنه من السهل صنع عطر ضمن مجموعة Les Exclusives لأن الرؤية واضحة ومكتوبة بوضوح من مسبقا، وكل ما يحتاجه العطار هنا، هو تطبيق منهج علمي. لكني لا بد من أن أعترف بأنني محظوظ، لأن الفكرة التي انطلقت منها هي ميسيا سيرت، صديقة عمر غابرييل شانيل، حيث التقتا في بداية العشرينات من القرن الماضي، حين كانت شانيل غير معروفة بعد. مع مرور الوقت، تغيرت حياة هذه الأخيرة ومسارها، لكن بقيت ميسيا دائما المرأة التي قدمتها لشخصيات مهمة وفنانين مؤثرين سابقين لعصرهم، مثل مارسيل بروست، كلود مونيه وغيرهما. لقد كانت امرأة ملهمة بكل المقاييس، وما قمت به أني تخيلت الأجواء التي كانت تعيش فيها، وما يحرك الفنانين الذين كانت تستضيفهم في صالونها، ما أوحى لي بالورد والبنفسج وخشب الصندل، بل وحتى البودرة المنبعثة من مستحضرات التجميل.
* هل كانت هذه فكرتك أم أنها الفكرة التي طُلب منك اعتمادها؟
- عندما وافقت على ابتكار عطر خاص، كان من المهم أن يأتي بطريقتي الخاصة، أن أتمتع فيه باستقلالية تامة.
- في هذه الحالة، مدهش كيف تراودك صورة مجردة تترجمها في عطر يحكي ألف حكاية وحكاية. كيف تنجح في تحويل النظري إلى شيء ملموس يحرك الحواس؟
- عملية التفكير لم تتوقف منذ اللحظة الأولى، فقد كانت الأفكار تتسارع في ذهني بشكل مذهل، حيث انطلقت من ميسيا وغابرييل شانيل، وبسرعة انتقلت منهما إلى العلاقة مع بودرة الماكياج وراقصات الباليه الروسيات خلف الكواليس وهن يحضرن أنفسهن للمسرح، لتتبلور الصورة.
* يعني أن ميسيا سيرت وراقصات الباليه كن نوعا من الترخيص الشاعري بالنسبة لك!
- أي عطار يمكن أن يقوم بنفس العملية، لكن كل واحد سيصب فيها جزءا من شخصيته وثقافته وخياله، أي سيقوم بها بأسلوبه الخاص، ما يجعل النتيجة مختلفة من واحد إلى آخر.
* ما هي بصمتك أو أسلوبك، في العمل والحياة على حد سواء؟
- الابتعاد عن التكرار. فهذا منهجي حتى في حياتي اليومية، لأنني أرى أن أسوأ شيء، أن يقضي الإنسان حياته بشكل روتيني، يقوم فيه بنفس الأشياء يوما بعد يوم. هذه القناعة في الحياة تنعكس على أسلوبي في العمل، فأنا أميل إلى أن أذهب فيه بعيدا حتى استكشف كل الجوانب والزوايا، ولا أتركها إلا بعد أن ألم بكل تفاصيلها. حينها فقط أنتقل لأستكشف شيئا آخر وجديدا. يمكنك القول: إنني أحب أن أؤلف قصصا متجددة في كل عطر، ولا أقبل أن أقف في مكاني مستكينا لشيء مضمون أعرفه جيدا. ما سأقدمه غدا يجب أن يكون مختلفا عما أقدمه اليوم.. هذه الفلسفة تحفزني وتعجبني.
* لكن لا بد أن تكون لك بصمة تعود إليها دائما، مثل مكون خاص أو وردة تفضلها؟
- نعم أفضل مجموعة من المكونات، مثل زهرة السوسن، فهي غنية بنفحات وردية وخشبية مع نغمات من البودرة. رغم أنني لم أستعملها في أي عطر بعد، إلا أنني أعرف أن لها وجوها متعددة.
* العمل مع دار كبيرة مثل «شانيل» فرصة عمر بالنسبة لأي شاب، لكنها أيضا قد تصيب بالرهبة، خصوصا أن تاريخها مع العطور غني، كيف تشعر بعد أن اخترقتها وأصبحت واحدا من أفرادها؟
- لم أتعامل مع الأمر على أنه مثير للرهبة بقدر ما تعاملت معه كسلاح قوي في يدي. فإن تدعمك دار كبيرة يعني أنها ستسندك وتلخص لك المسافات، أي أنك ستطير على بساط من الريح.
- فكرة العائلة راسخة في جينات «شانيل» بحكم أنها دار أزياء مملوكة عائليا، ما يجعلها غطاء أمان لمن يعملون فيها، وهو أمر ضروري للإبداع، أليس كذلك؟
- أتفق معك تماما، فأرشيفها غني وإرثها بحر، وهو ما يتيح الفرصة لكتابة فصل جديد من تاريخها، ليس من خلال عطر واحد فحسب بل من خلال سلسلة من العطور. صحيح أن المسألة تتضمن الكثير من التحدي لإثبات الذات، لكني اعتبر الأمر إيجابيا لابتكار الأفضل. وككل عطار، فإن حلمي أن أقدم عطورا تبقى راسخة في الذاكرة.
* هل ترى نفسك مع «شانيل» بعد 10 سنوات من الآن؟
- لم لا؟ ففلسفة الدار هي الاستمرارية باعتماد عطار خاص يبقى معها لسنوات. هذا ما حصل مع والدي، لأكثر من 30 سنة. على الأقل أتمنى أن أصمد مثله، ولو لبضع سنوات.
* كيف تقيم نجاح أي عطر؟ هل تأخذ بعين الاعتبار نجاحه التجاري أم نجاحه الفني؟
- الاثنين، لأن قوة أي عطر يجب أن تُقاس بتفاعل السوق معه، وبحجم الإقبال عليه وكيف يُنظر عليه.
* عندما تكون في المختبر تبتكر وتختبر خلطاتك، هل تتقمص شخصية الفنان أم التاجر؟ لأن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن عطرا لا يبيع هو عطر غير ناجح؟
- لكن في الوقت ذاته، فإن فكرة لا تُطبق وتبقى مركونة في الدرج خوفا من فشلها، فكرة لم تولد ولا توجد. من الصحي والعملي أن يصل المنتج إلى الناس، وإلا ما الفائدة من التفكير به والعمل عليه؟
* ما هو عطرك الرجالي المفضل؟
- لا أستعمل أي عطر على الإطلاق وأنا في العمل، لأنه يعيقني ويؤثر على حاسة الشم لدي، لكن في إجازات نهاية الأسبوع، أستعمل «بوغ موسيو» Pour Monsieur.
* كل مبدع، سواء كان أديبا أو فنانا أو عطارا، له طقوس معينة في العمل، ما هي طقوسك؟
- لا أدري إن كانت لدي أي طقوس، لكني أحب العمل في الصباح الباكر، لأنني أنتج أكثر.
* هل تعتقد أن العطور من الكماليات أم من الأساسيات؟
- أحب فكرة استعمال العطر بشكل واع ومدروس للتعبير عن الذات. فالعطر يكشف الكثير عن شخصيتنا وأهوائنا، كما يمكن أن يكون أداة للتعبير عن أنفسنا. أنا مثلا أتذكر الناس من روائحهم وأربط كل واحد من معارفي بعطر معين.
* ألا تعتقد أن هذه الفكرة خطيرة بالنسبة للعطار، لأنه في حال ظل كل واحد منا مخلصا لعطر واحد، فإننا لن نجرب أي عطر جديد، ولن نعطيه فرصته؟
- ضاحكا: أنا لم أقل العكس، فكرتي أنه لا بأس من تجربة عطور جديدة وتغييرها بين الفينة والأخرى، لكن يجب أن يكون التغيير دافع مهم وقوي.
* هل كنت تتمتع بهذه الميزة، أي التعرف على الأشخاص من رائحتهم من قبل، أم اكتسبتها بعد دخولك هذا المجال؟
- أعترف أنها أصبحت أكثر وضوحا بعد أن أصبحت عطارا.
* هذا يعني أن العملية مسألة تدريب ولا تولد بالضرورة مع الإنسان؟
- بالفعل، يمكن تدريب الأنف على التمييز بين الروائح مع الوقت.
* ما هو أقصى ما تأمله من عطرك الجديد، لأنه عندما يطلق في الأسواق سيُطلق معه اسم أوليفييه بولج للعالمية؟
- أقول لنفسي بأني قمت بكل ما في استطاعتي، وقدمت أحسن ما لدي، والآن بعد طرحه في السوق، ليس بيدي التحكم في ردود فعل الآخرين. إذا وجد العطر حياة خاصة به ونجح، فهذا سيسعدني، لكن الأمر بيد الله الآن.
* البعض يرى أن العطر ترف، ما هو ترفك في الحياة؟
- الوقت، أن يتوفر لي بشكل كافٍ لكي أقوم بكل هواياتي. أنا أعشق عملي لكني أحب أيضا أن أعزف على البيانو رغم أني لست عازفا جيدا.
* هل ترى نفسك عطارا أم فنانا يستعمل الأزهار والأعشاب بدل الريشة والألوان؟
- لا هذا ولا ذاك، أنا أرى نفسي حرفيا أولا وأخيرا.



ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.