قاض عراقي يدفع ثمن انتقاد حكومة نوري المالكي

السجن عاماً للعكيلي بناء على دعوى رفعها رئيس الوزراء الأسبق

TT

قاض عراقي يدفع ثمن انتقاد حكومة نوري المالكي

أصدر القضاء العراقي حكما بالحبس المشدد لمدة عام ضد قاضي النزاهة الأسبق رحيم العكيلي إضافة لحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة، استنادا إلى دعوى قضائية أقامها ضده قبل سنوات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وتتعلق بـ«إهانة السلطات».
واستند الحكم القضائي إلى المادة 226 المتعلقة بتجريم الآراء والانتقادات الموجهة للسلطات، الموروثة من حقبة نظام حزب «البعث» وحكم الرئيس السابق صدام حسين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها قاضي النزاهة حكما بالسجن، إذ سبق أن تلقى أحكاماً بالسجن لأكثر من 20 عاما في قضايا رأي نشرها وتصريحات أدلى بها في مقابلات تلفزيونية، قبل أن تتم تسويتها لاحقا، استنادا إلى العفو العام الذي أصدرته السلطات العراقية صيف 2016.
وطبقا للوثيقة الصادرة فإن الحكم استند إلى «جريمة إهانة الحكومة العراقية من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في محافظة بغداد عام 2019». ويقول مقربون من العكيلي إنه لم يدل بأي تصريحات أو انتقادات علنية ضد المالكي منذ نحو 3 سنوات.
وكان العكيلي قدم عام 2015، بلاغا إلى الادعاء العام ضد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وطالب بمحاسبته على الجرائم والتجاوزات والأخطاء التي وقعت في فترة رئاسته للوزراء بين الأعوام (2006 – 2014)، وأحصت اللائحة المقدمة نحو 40 خرقا وتجاوزا ارتكبها المالكي أثناء توليه المسؤولية، وضمنها تهمة «الخيانة العظمى» وتحميله مسؤولية احتلال ثلث الأراضي العراقية من قبل تنظيم «داعش» عام 2014، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة في ذلك الحين، إلى جانب اتهامه بـ«نشر الفساد في المؤسسات الأمنية وإنشاء مؤسسات أمنية ليس لها سند في الدستور وارتكاب جرائم الإخفاء القسري وهدر ثروات البلاد». وطالب القضاء العكيلي حينها، بالحضور للإدلاء بإفادته، لكنه لم يحضر لصدور مذكرات قبض مقابلة ضده. ويعتزم عدد من الناشطين تبني لائحة اتهام العكيلي مجددا وتقديمها للقضاء ردا على الحكم الصادر ضده.
وطبقا لمقربين من العكيلي فإن التهمة «كيدية» والدعوة مقدمة للقضاء عام 2019، أي قبل أيام من عودة العكيلي من منفاه القسري في العاصمة التركية إسطنبول بعد إسقاط التهم السابقة عنه، مستفيدا من بنود العفو الحكومي العام.
ويميل غالبية المتعاطفين مع العكيلي إلى الاعتقاد، بأن الحكم الأخير استند إلى لائحة الاتهام السابقة ضد المالكي التي اعتبرت «إهانة للحكومة» وجاءت كذلك، لحرمانه من إمكانية عودته لتولي منصب رئاسة هيئة النزاهة الذي سبق أن شغله بين الأعوام (2008 – 2011).
وأثار الحكم الجديد غضب واستياء صحافيين وإعلاميين وناشطين، خاصةً من بين الأوساط القريبة والداعمة لحراك أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الاحتجاجي الذين يتهمون القضاء بالخضوع للشخصيات والأحزاب السياسية النافذة. وأطلق ناشطون، أمس، هاشتاغ (رحيم العكيلي يمثلني).
وعبر «المرصد العراقي للحريات الصحافية» أمس، عن «قلقه العميق» على مستقبل حرية التعبير على خلفية الحكم على العكيلي. وذكر المرصد في بيان، أن «المادة 38 من الدستور العراقي الراعي الرسمي للحقوق والحريات التي جاءت بها الديمقراطية كفلت حرية التعبير». ودعا مجلس النواب إلى «المراجعة الشاملة والعمل على إعادة النظر في المادة (226) التي أصبحت سلاحا ذا حدين.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.