أفلام عربية في «قابس... سينما... فن»

أوضاع فردية وأخرى جماعية مطروحة

لقطة من فيلم «200 متر»
لقطة من فيلم «200 متر»
TT

أفلام عربية في «قابس... سينما... فن»

لقطة من فيلم «200 متر»
لقطة من فيلم «200 متر»

تستمر عروض مهرجان «قابس... سينما... فن» لتكشف عن مساعٍ عربية حثيثة، لدى بعض المخرجين على الأقل، لتحقيق رؤى فنية جديدة عبر الكاميرا. بينما يدلف هذا التوجّه صوب إطلاق الخيال في رحاب كبير وآفاق شتّى، إلا أنّ العديد من الأفلام التي شوهدت من بين ما هو معروف، ينهل - في الوقت ذاته - من القواعد المتداولة لتحقيق فيلم يتوجه إلى الجمهور، وجمهور النخبة تحديداً.
تتفاوت النتائج بطبيعة الحال ولأسباب متعددة. في «طريق للبيت» لكريمة سعيدي (الجزائر) هناك نجاح محدود في كل خانة من خانات العمل (كتابة، إخراجاً، تصويراً... إلخ) لكنها لا تشكل العنصر المؤثر في كيان الفيلم.
هو فيلم تسجيلي يصف وضع المخرجة كريمة سعيدي إزاء حالة أمّها التي بدأت تفقد ذاكرتها. تريد المخرجة تحقيق فيلم يسجل ما قد تنساه والدتها قبل أن تنساه. وتختار لذلك أسلوب عرض مبني على مشاهد ثابتة (غالباً) وأخرى متحركة، كما طرح الأسئلة على الأم. اللقطات الثابتة تُعالج كصور فوتوغرافية: باب. نافذة. بحر. يد... إلخ، المنوال على تكراره يبدو كما لو أنّ خطأ في سياق الفيلم وقع فأدّى إلى اللاحركة. أما طرح الأسئلة فإنّه يتحوّل إلى استجواب بين أم تُعاني وابنة تريد أن تصنع فيلماً عنها. هذه الناحية الأخيرة قاسية والأم تشعر بذلك لهذا تقول لابنتها أكثر من مرّة إنها «تزعجها» و«تغضبها». وفي مرّة تقول لها «توقفي عن إغضابي».
المشكلة هي أنّ الطموحات تصطدم بكيفية تصوّر لما يجب أن يكون الفيلم عليه وهذا التصوّر لا ينجز ما يريد. المشاهد تتكسّر للقطات تبقى على الشاشة أطول مما يجب ولا تترك بعد ذلك تأثيراً فعلياً.
في جله ينتمي إلى مجمل أفلام عربية اهتمّت بمقابلات مع الأهل: الأم في «أسبرين ورصاصة» لعمّار البيك (2011) و«يا عمري» (2017). «طريق للبيت» أفضل منها لأنه يتعامل، حتى وإن لم ينجح تماماً، مع منظور أوسع وبشروط أسلوب خاص تقدّره أكثر مما تستجيب له.
«رحيل» لميرا أدوميير (لبنان) هو أيضاً فيلم شخصي النظرة، لكنه مُعالج بطموح أعلى من الفيلم السابق. هذا الطموح ضروري لتمييز النتاج المؤفلم عن مجرد سرد الصورة. المخرجة كانت التقت في آيسلاندا بشاب لبناني، وذات يوم اختفى. بعد فترة تقرر أن تلحق به إلى لبنان لتبحث عنه تبعاً لعنوان لديها. تكتشف لبنان الحاضر (قبل الأزمة الأخيرة) وتواجه نفسها والمشاهد بأسئلة على خط التاريخ والحاضر (نقد كامل في صفحة السينما الأسبوع المقبل).

في التاريخ

من لبنان، وعلى الصعيد الروائي، هناك فيلم إيلي خليفة الأكثر إمعاناً في التميّز «قلتلك خلص». هو حكاية ذاتية يؤديها المخرج بنفسه: منذ سنين وهو يحاول إنجاز فيلم جديد لكنّه ينشد الكمال فيما يكتب لكي ينشد لاحقاً الكمال فيما يطبع على الفيلم. وهذا الكمال ليس سهلاً لأنّه كلّما جاء بجديد جيد وجد احتمال أن يكون هناك جديد جيّد آخر.
تأثير ذلك على صديقته كارثي. تتركه. تأثير ذلك على علاقاته المجتمعية لا يقل ضراوة. وحين ينتهي من السيناريو ويبدأ بالبحث عن المنتج يتلقى نصائح لو اتبعها لما كان هو إيلي خليفة.
فيلم محبك. خيالي بقدر ما يعكس وقائع. شخصياته حقيقية بقدر ما هي كرتونية. وأسلوب مخرجه متحرر لكنّه ليس فالتاً من ضوابطه الصحيحة.
يجمع بين ما سبق وروده من أفلام الأنا مقابل الحياة. كريمة سعيدي تُعاين، فيما تعاينه، علاقتها بأمها وعلاقة أمها مع تاريخها المهدد بالمحو ومن خلال العلاقة الأخيرة تصبو، وتنجح، في رسم خط بينها وبين أصول أمها المغربية مبنياً على الصور والذكريات رغم آلام المراجعة الذاتية لدى الأم.
في «رحيل» أنا أخرى، وهي أنثوية أيضاً. ليس صدفة أنّ المخرجتين تبحثان في التاريخ (البعيد منه والقريب) فالسينما الحاضرة اليوم ليس لديها، غالباً، ما تضيفه من مواقف شخصية حيال الماضي. أفلام الأمس كانت أفلام نظر إلى الطروحات من زوايا سياسية غالبة. أفلام اليوم تسعى لطرح ذلك الماضي من زاوية شخصية أولاً. نعم لا يخلو الأمر من تطرّق لكنّه ليس بالحجم الذي يتوقّف لديه المرء طويلاً ليستقبل منه أحداث ذلك التاريخ.
أمّا في فيلم إيلي خليفة فيختلف في أنّ الزاوية الذاتية ممتزجة بجانبين واقعي وخيالي، والاثنان يتلازمان في طريق يذكّر بأعمال سابقة اختلفت في معالجته لتلك «الأنا»، «قلتلك خلص» ينضم إلى أفلام حققها وودي ألن وفديريكو فيلليني ودنيس هوبر وأورسن وَلز وسواهم عن أنفسهم وأعمالهم بطرق شتّى.

… والجغرافيا

يختلف المنوال في فيلمي أمين نايفة «200 متر» (الأردن)، و«زنقا كونتاكت» لإسماعيل العراقي (المغرب، فرنسا).
«زنقة كونتاكت» (الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه)، حكاية صدام أقدار وضعت مغني هارد روك، سمّى نفسه لارسن (أحمد حمّود)، انحسرت عنه الأضواء، في مواجهة مومس (خنساء بطمة) تبحث عن خلاص. الحب مشكلة الاثنين كونها مرتبطة بمن يدير أعمالها وقد يفعل المستحيل لاستعادتها. يحاول العاشقان خط طريق مستقل. هو يعزف وهي تغني لكنّ الخطر يهدد حياتهما ويستخدمه المخرج لشحن فيلمه بالتوتر ومشاهد عنف متعددة.
العنف المصوّر بتفاصيله في «زنقة كونتاكت» غائب عن «200 متر» لأمين نايفة، لكنّه موجود ليس كأحداث وتصرّفات مباشرة بل كمفهوم لحياة ممزّقة. بطل الفيلم مصطفى (علي سليمان) يسكن في قسم من المدينة وزوجته وأولاده في القسم الآخر وبينهما جدار. في كل ليلة يتمنى كل فريق ليلة هنيئة للفريق الآخر باستخدام ضوء البطارية في إشارات متّفق عليها.
هو فاصل جغرافي لا يتجاوز 200 متر، لكن اجتيازه يتطلّب رحلة يوم كامل حسب أحداث الفيلم.
ثم تقع الرحلة الطويلة: يصل إلى مصطفى نبأ أنّ ابنه تعرّض لحادثة سيارة. لا يستطيع زيارة المستشفى القابع في الناحية المختلفة، لأنّه لا يملك إذن دخول ما يحفّزه الانتقال بسيارة مع آخرين لا يعرفهم إلى نقطة بعيدة حيث من السهل تسلّق ذلك الجدار ودخول القطاع الآخر.
من هنا هو فيلم طريق لأنّ الأمر بات يتطلب رحلة بالسيارة وبين الشخصيات المواكبة فتاة (آنا أونتربرغر) تدّعي أنّها مخرجة تسجيلية ألمانية بينما تكشف الأحداث لاحقاً أنّها إسرائيلية. وفي حين يثور بعض الركّاب عليها على اعتقاد أنّها جاسوسة، يرد مصطفى الخطر عنها مع وصول السيارة إلى الموقع الذي سيتسلل مصطفى وبعض الركّاب إلى ذلك الجزء المتواري وراء الجدار.
لا ينجلي الفيلم عن مفاد أقوى من ذلك المبسّط الذي يقترحه. في هذا الجانب، لدى الفيلم القصير «الهدية» لفرح نابلسي (بريطانية من أصل أردني - فلسطيني)، مفاد أفضل وأقوى متمثل بشخصية الأب (صالح بكري)، الذي يجتاز الحاجز المهين إلى داخل الأرض المحتلة ليشتري ثلاجة. الإهانة حين الخروج من القطاع، هي أسوأ من تلك التي شعر بها حين دخوله.
«الهدية» ليس من أفلام مهرجان «قابس... سينما... فن»، لكن «200 متر» (الذي يشاركه أوجاع التجزئة) يذكّر به.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».