في حي زيشتاد القريب من فيينا بالنمسا يزين شعار «النساء يبنين المدينة» الجدران. ليس شعاراً رمزياً أو معنوياً؛ فهو يعكس واقع أن مهندسات المعمار قد تولين تصميم مباني الحي بالكامل، وهو ما يعكس سعي فيينا إلى إرساء بعض المساواة بين الرجل والمرأة بإنصافها الهندسة المعمارية النسائية المهمّشة منذ زمن طويل؛ بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتعمل فيينا بشكل مكثّف منذ 2012 على تشييد 12 ألف مسكن جديد في مبان تتميّز بواجهات مبهجة معظمها من تصميم نساء، في موقع مطار قديم يحتل مساحة 240 هكتاراً.
وتقع هذه الورشة الضخمة في وسط حقول محيطة ببحيرة، والهدف أن يصل عدد السكان فيها إلى أكثر من 20 ألفاً بحلول 2030، مقابل 8300 حالياً.
كما تطلق أسماء نساء على الشوارع؛ فثمة شارع الفيلسوفة «حنّة آريندت»، وشارع المغنية «جانيس جوبلين»، وحتى شارع «بيبي لونغستوكينغ»؛ شخصية سلسلة روايات الأطفال للكاتبة السويدية أستريد ليندغرن.
وقال فويتشيخ تشايا، الذي ينظم معرضاً حول 18 مهندسة معمارية يقام منذ 10 مايو (أيار) في إحدى ساحات الحي، إن «92 في المائة من شوارع فيينا تكرّم رجالاً». وأكد أن «هذا لا يعكس إطلاقاً صورة المجتمع»، عادّاً أن «تخصيص أسماء مساحات جديدة في المدينة لسياسيات أو عازفات موسيقى أو رياضيات فكرة جميلة».
وإن كان حي زيشتاد يكرّم عمل النساء وإسهامهن، فالواقع أن النساء يبنين منذ زمن طويل مساحات سكنية في القارات الخمس؛ إذ غزت النساء هذه المهنة بشكل واسع، ولو أنهنّ نادراً ما يكتسبن شهرة.
على سبيل المثال، فاز مشروع «مدينة - حديقة» عام 1912 في مسابقة دولية لتصميم كانبيرا؛ عاصمة أستراليا.
وانحازت هيئة التحكيم لأعمال الأميركية ماريون ماهوني غريفين التي تميّزت رسومها المائية عن جملة تصاميم الرجال، لكن التكريم الرسمي ذهب لشريكها وزوجها. وقالت كاتيا شيشتر؛ المشاركة في تنظيم المعرض، ساخرة: «غالباً ما تحذف النساء من الصورة»، مضيفة: «في عام 2012، فاز زوج لو وينيو وحيداً بجائزة (بريتسكر) في حين أن الزوجين لطالما عملا معاً».
ولم تكرّم هذه الجائزة المرموقة امرأة سوى في عام 2004 حين فازت بها المهندسة المعمارية العراقية - البريطانية زها حديد. وبعد ذلك، تسارعت الوتيرة فمنحت الجوائز لكازويو سيجيما عام 2010، ثم كارمي بيغم عام 2017، وإيفون فاريل وشيلي ماكنمارا في 2020، وأخيرا آن لاكاتون عام 2021.
تعمل النساء في كل أنحاء العالم؛ سواء في روسيا وباكستان والبرازيل، وصولاً إلى طهران حيث استقبل جسر للمشاة من تصميم الإيرانية ليلى أراغيان طوله 270 متراً، 4 ملايين زائر سنة افتتاحه عام 2014.
وأوضحت مهندسة المناظر الطبيعية كارلا لو التي صممت فناءً داخلياً في زيشتاد أسبرن: «إننا بحاجة فقط إلى أنظار كل الذين يتألف منهم المجتمع».
وشددت الأستاذة الجامعية في فيينا سابينا ريس، التي تدرس الروابط بين هندسة المدن والجندرة، على وجوب ضمان الاختلاط بين الرجال والنساء على طول سلسلة عملية القرار.
وأوضحت الباحثة أن «المكانة المخصصة للنساء في عملية تنفيذ (المشاريع) تتراوح دائماً على ما يظهر بين 5 و10 في المائة»، وغالبا ما تكون الكلمة الفصل للرجال على كل المستويات؛ إن بين المسؤولين المنتخبين ومطوري المشاريع والمورّدين والمصرفيين... وسواهم.
لكن حقيبة الإسكان في مجلس بلدية فيينا أسندت للمرة الأولى إلى امرأة. وتقول كاثرين غال، التي ذُكرت خلال تقديم المعرض، إنها مصممة على «تسليط الضوء على النساء المؤثرات وإسهامهنّ».
وأوضحت غال؛ المشاركة في تخطيط حي زيشتاد، أنها عازمة على «تشجيع أخريات على عرض رؤيتهنّ» للمستقبل.
وعلّقت المهندسة المعمارية كارلا لو، مبدية ارتياحها: «لاحظت أنه منذ تعيين السيدة غال، صرنا نسمع فجأة بحاجات الأمهات العازبات في المناقصات العامة».
وعلى سبيل المثال، تصمم شقق حول قاعة جلوس مشتركة تكون بمثابة مساحة عيش يجري تقاسمها وتتيح حراسة الأطفال بالتناوب، سعياً لخفض بدلات الإيجار.
وبزيادة الإضاءة وتوسيع الأرصفة حتى تتسع لعربات الأطفال وإقامة حمامات عامة نظيفة، تشجع فيينا النساء على شغل المساحات العامة بقدر الرجال.