الجزائر: ترقب إحالة دفعة جديدة من «وزراء بوتفليقة» على القضاء

جانب من المظاهرات المطالبة بمحاكمة رموز نظام بوتفليقة وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات المطالبة بمحاكمة رموز نظام بوتفليقة وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)
TT

الجزائر: ترقب إحالة دفعة جديدة من «وزراء بوتفليقة» على القضاء

جانب من المظاهرات المطالبة بمحاكمة رموز نظام بوتفليقة وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات المطالبة بمحاكمة رموز نظام بوتفليقة وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)

ترتقب الأوساط السياسية في الجزائر وقوف دفعة جديدة من كبار المسؤولين في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أمام قضاة التحقيق، المتخصصين في جرائم الفساد، بعد انتهاء التحريات حول سوء التسيير في قطاعات اقتصادية مهمة، تورط فيها رئيسا وزراء، وعدة وزراء سابقين ورجال أعمال، تم سجنهم في 2019، بعد أن دانهم القضاء بعقوبات ثقيلة، بينما لا يزال آخرون ينتظرون المحاكمة.
وقال مصدر قضائي بـ«المحكمة العليا»، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن مجموعة جديدة من وزراء ومسؤولين بأجهزة حكومية سابقاً «سيُستدعون قريباً أمام قضاة التحقيق بالمحكمة العليا (أعلى هيئة بالقضاء المدني)، كما سيُستدعى آخرون بالمحاكم الابتدائية للرد على شبهات فساد، وسوء تسيير وتبديد للمال العام». وأكد المصدر ذاته أن «غالبيتهم وردت أسماؤهم أثناء التحقيق مع مسؤولين سابقين، دانهم القضاء في العامين الماضيين بالسجن».
وأودع القضاء، الخميس الماضي، وزير الموارد المالية السابق، أرزقي براقي، الحبس الاحتياطي، بتهم سوء التسيير في إدارة السدود المائية عندما كان على رأسها منذ سنوات. كما تم سجن الطاهر خاوة، وزير العلاقات مع البرلمان، بتهمة تزوير مستندات رسمية.
وأشهر المسؤولين المنتمين لفترة الرئيس السابق، الذين حكم عليهم القضاء، هم رئيسا الوزراء أحمد أويحيى (حكم عليه بالسجن 15 سنة مع التنفيذ)، وعبد المالك سلال (12 سنة سجناً مع التنفيذ)، والوزيران سعيد بركات وجمال ولد عباس (10 سنوات سجناً لكل منهما).
وبحسب المصدر القضائي نفسه، فقد صرّح كل المتابعين قضائياً للنيابة، وقضاة التحقيق، بأنهم كانوا ينفذون قرارات وسياسات الرئيس بوتفليقة. ونقل عنهم أن رفض قراراته في مجال تسيير الصفقات والمشروعات، التي تضمنت أموالاً طائلة، كان سيؤدي بهم إلى العزل، وربما للمتابعة القضائية، بحسب ما نقل عن ولد عباس، وزير التضامن وأمين عام حزب «جبهة التحرير الوطني» سابقاً، الذي تجاوز عمره 84 سنة.
يشار إلى أن سلال أكد للقاضي، أثناء محاكمته في يوليو (تموز) 2020، أنه «لم يكن إلا واجهة للسلطة، بينما صاحب القرار الفعلي هو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة». أما أويحيى فذكر، خلال المحاكمة نفسها، أن المشروعات في البنية التحتية، كالطرقات والسدود والمباني الحكومية الكبيرة، التي التهمت 800 مليار دولار في الـ20 سنة الماضية، تمت حسبه بعد مناقشة جدواها مالياً، في إطار «المجلس الوطني للاستثمار»، وهو الجهاز الحكومي الذي يدرس المشروعات ويوافق عليها، مشيراً إلى أن «المجلس» يتكوّن من 11 وزيراً، لهم علاقة مباشرة بالاقتصاد والاستثمار والشؤون المالية، كما يحضر اجتماعاته ممثلون عن وزارة الدفاع.
وطالب العديد من المحامين، المدافعين عن كبار المسؤولين الحكوميين، بإحضار الرئيس بوتفليقة لسماعه بخصوص تسيير المال العام خلال مرحلة 20 سنة من الحكم (1999 – 2019)، غير أن القضاة لم يكن بمقدورهم الفصل في المسألة كون القرار يعود لأعلى السلطات في البلاد، وعلى وجه التحديد رئيس الجمهورية وقيادة أركان الجيش.
ومعروف في الأوساط السياسية والإعلامية أن متابعة المسؤولين الحكوميين قضائياً تمت بتوجيهات شخصية من رئيس أركان الجيش الراحل، أحمد قايد صالح، الذي سجن أيضاً سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، ورئيسي جهازي الاستخبارات سابقاً الفريق محمد الأمين مدين واللواء بشير طرطاق. وبعد وفاته نهاية 2019، تمت تبرئتهما في القضية الشهيرة «التآمر على سلطتي الجيش والدولة»، مع إبقاء سعيد وطرطاق في السجن بسبب اتهامهما في قضايا بعيدة عن الجيش، تتعلق بالفساد المالي وتزوير الانتخابات.
وبحسب المصدر القضائي نفسه، ستتم إحالة وزيرات الثقافة سابقاً خليدة تومي، والبريد هدى فرعون، والصناعة جميلة تمزريت، على المحاكمة قريباً، مبرزاً أن قضاة التحقيق «انتهوا تقريباً من معالجة الملفات الثلاثة لرفعها إلى غرفة الاتهام، بهدف الفصل في سلامة الإجراءات المتبعة ضدهن». يشار إلى أن قاضي التحقيق بمحكمة «سيدي أمحمد بالعاصمة» استمع بنهاية 2020 لوزير الثقافة سابقاً، ومرشح انتخابات الرئاسة التي جرت في 2019، حول وقائع فساد تخص تمويل مشروعات سينمائية. ولم يتخذ ضده أي إجراء، لكن الجهاز الأمني منعه من السفر منذ أشهر. كما استجوبت المحكمة بولاية قسنطينة (شرق) في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي رئيس الوزراء الأسبق، نور الدين بدوي، في قضايا فساد مرتبطة بالفترة التي كان فيها والياً لقسنطينة.



ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».