بروفايل: نفتالي بنيت... رئيس حكومة «المحرّمات»

خسر جمهور المصوّتين ولم يبقَ أمامه سوى تغيير النهج أو السقوط

بروفايل: نفتالي بنيت... رئيس حكومة «المحرّمات»
TT

بروفايل: نفتالي بنيت... رئيس حكومة «المحرّمات»

بروفايل: نفتالي بنيت... رئيس حكومة «المحرّمات»

آخر ما كان يتخيّله نفتالي بنيت في حياته هو أن يطيح «معلمه» ومثله الأعلى بنيامين نتنياهو ويحل محله في رئاسة الحكومة الإسرائيلية. لكنه اتخذ قراره ليفعل ذلك ونجح. وهو اليوم يخوض المعركة الكبرى؛ كيف يحافظ على مقعده، في وقت يرفض نتنياهو القبول بالنتيجة، ويتعهد أمام رفاقه في الليكود بأن يسقط بنيت في غضون بضعة أسابيع.
بنيت يعرف أن هذه معركة حياة أو موت سياسي، فإذا لم يحافظ على مقعده طيلة الفترة المخصصة له (27 شهراً)، وعلى تحالفه مع يائير لابيد، وحكومتهما المشتركة طيلة الفترة المقررة لها، حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، فإنه سيتحطّم سياسياً. والسبب أنه بمجرد إسقاط نتنياهو عن الحكم وتشكيل حكومة «المحرّمات» (التحالف مع اليسار ومع الحركة الإسلامية)، خسر معظم المصوّتين التقليديين من اليمين. وبالتالي، إذا أراد أن يصمد في الحلبة السياسية، عليه أن يغيّر «الشعب»، أي جمهور المصوّتين، ويذهب إلى اتجاهات أخرى في اليمين الليبرالي واليمين الوسط. ولكي يغير جمهور ناخبيه، عليه أن يتغيّر بنفسه. وهذه هي القضية... وهذا هو السؤال؛ هل يستطيع بنيت أن يتغيّر؟

مَن يراجع سيرة نفتالي بنيت، سيستصعب جداً أن يراه قادراً على التغير لدرجة يمكن معها أن يصبح قائداً مقبولاً للرأي العام السائد في إسرائيل. فهو ينتمي إلى فئة تحتل زاوية في أقصى اليمين المتطرف. وعليه، فإذا التزم بتصريحاته السياسية، سيدخل حتماً في صدام مع الإدارة الأميركية ومع المجتمع الدولي، وسيقود إسرائيل إلى صدامات حربية مع الفلسطينيين وعلى كل الجبهات.
فالرجل يرفض فكرة «الدولة الفلسطينية»، ويعتبر إسرائيل «دولة يهودية تمتد حدودها على الأرض الواقعة ما بين البحر والنهر». وتفوّه في الماضي بالقول إن «الدولة الفلسطينية» هي الأردن، رافضاً «خطة صفقة القرن» التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. أما الحل الذي يوفره للفلسطينيين فهو في إطار ما أسماه «مبادرة التهدئة» (Stability Initiative)، وبموجبها تضم إسرائيل المنطقة «ج»، البالغة 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، ومعها القدس الشرقية، وتوسّع فيها المستوطنات وتبني مستوطنات جديدة بلا قيود. ويبقي للفلسطينيين المنطقتين «ب» و«أ» البالغة مساحتاهما معاً 40 في المائة من الضفة، لتكون «حكماً ذاتياً» خاضعاً للسيطرة الأمنية للجيش والاستخبارات الإسرائيلية. وهو يدرك أن الفلسطينيين لن يقبلوا بهذا الحل، ولذا يرى أن على إسرائيل فرض إرادتها بالقوة، من خلال «ردود فعل عسكرية هجومية صارمة تصفّي العمليات المسلحة الفلسطينية ومَن يقف وراءها».
بنيت يرفض أيضاً صفقات تبادل أسرى مع الفلسطينيين، ويقول: «هؤلاء إرهابيون يجب قتلهم، لا إطلاق سراحهم». ويصعق عندما يسمع كلمة احتلال: «هذه أرض إسرائيل التي وعدنا بها الله، وليست أرضاً محتلة». وعندما تولّى منصب رئيس المجلس العام للمستوطنات في الضفة الغربية (2010 - 2012)، قاد حملة ضد حكومة بنيامين نتنياهو بحجة أنها تجمّد البناء في المستوطنات. وطالب بالاعتراف بالبؤر الاستيطانية العشوائية وتحويلها إلى قرى معترف بها. وعلى هذه الخلفية، أسّس حركة سياسية تحت اسم «إسرائيليون»، وقصد بها أن المستوطنين إسرائيليون، ويستحقون الاعتراف بمكانتهم في الضفة لغربية عن طريق فرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة. ونجح بنيت في تشكيل حزب، ثم تحالف أحزاب، حصل في الانتخابات على 12 مقعداً.
في نوفمبر 2019، عيّنه نتنياهو وزيراً للأمن، وتسلم منصبه بعد ساعات فقط من تنفيذ الجيش الإسرائيلي اغتيال بهاء أبو العطا، قائد قوات «الجهاد الإسلامي» في شمال قطاع غزة، فاعتبر ذلك «هدية من السماء» وشكر نتنياهو على ثقته به لهذه الدرجة، لأن هذا الاغتيال قاد إلى تدهور أمني وتبادل قصف الصواريخ لعدة أيام. ومع أنه لم يبقَ في المنصب سوى 6 أشهر، راح يتباهى أنه «لقّن الإرهاب الفلسطيني درساً» و«أوقف التموضع الإيراني في سوريا» و«ردع حزب الله» و«أوقف المظاهرات الفلسطينية على الجدار في غزة»... ما أثار حفيظة قادة الجيش. واستخدم نتنياهو الموضوع للسخرية منه: «أنا عيّنته وزيراً للدفاع. لماذا لا تضحكون؟»، كذا قال نتنياهو لرفاقه في قيادة الليكود يومها.
ولكن بنيت اعتبر تجربته في هذه الوزارة ذروة النجاح، على الصعيد العسكري وعلى صعيد محاربة «كوفيد 19». وبعدما أقاله نتنياهو من المنصب، أصدر كتاباً عن تجربته في مكافحة الجائحة، وعرض نفسه كمن يصلح لمنصب رئاسة الحكومة، لأنه عرف كيف يدير هذه المعركة بشكل سليم. ومع أن كثيرين امتدحوا أداءه في هذه القضية، إذ أبدى روح تعاون مع مرؤوسيه، وحافظ على أعصاب باردة، وحقّق إنجازات عدة في جلب أدوات فحص الفيروس وإدارة مواقع الفحص، وضم الجيش إلى الجهود الصحية، فإن فكرة توليه رئاسة الحكومة لم تلقَ التأييد، واعتبرت قفزة كبرى إلى عالم الخيال.

رئاسة الحكومة

مع هذا، أبقى بنيت حلمه بالوصول إلى رئاسة الحكومة طي الكتمان، ولم يتفوّه به إلا مطلع السنة الماضية. يومها أسرّ به إلى أحد أصدقائه، قائلاً: «كل سياسي يحلم أن يكون رئيس حكومة، وأنا ما زلت شاباً، وأستطيع الانتظار بضع سنوات أخر. لكنني اليوم أريد هذا المنصب كي أخلّص البلاد من حكم بنيامين نتنياهو». في حينه، ابتسم صديقه غير مصدّق، إذ كان بنيت يومها يقود كتلة برلمانية في المعارضة، من 3 نواب فقط.
أضف إلى ذلك، أن بنيت نفسه لم يتصرّف في عمله السياسي كمن يسعى لإزاحة نتنياهو. وظل يتحدث عن حكم اليمين وعن خطر اليسار ويهاجم الأحزاب العربية ويرفض محاولات نتنياهو التقرّب إلى «الحركة الإسلامية» بقيادة النائب منصور عباس. كذلك حذّر نتنياهو من التراجع عن «قانون القومية اليهودية» في سبيل إرضاء واستمالة عباس. وبفضل مواقفه هذه، حظي بتأييد 274 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، وكان الحزب الثالث في صفوف المستوطنين (بعد «الصهيونية الدينية» التي حصلت على 21 في المائة، والليكود الذي حصل على 19 في المائة من أصواتهم). وكان الحزب الرابع في صفوف اليمين؛ خصوصاً في مناطق الريف. إلا أن الاستطلاع الأخير الذي أجري بعد تشكيل الحكومة الجديدة، أشار إلى أنه خسر 40 في المائة من قوته بمجرد إسقاطه نتنياهو واختياره تشكيل حكومة مع اليسار والحركة الإسلامية. ولو جرت الانتخابات اليوم لكان رصيده هبط من 7 إلى 4 مقاعد. وأصبح على حافة نسبة الحسم، ويمكن أن يختفي من الحلبة السياسية.
في المقابل، إذا كان نتنياهو يريد إسقاط حكومة بنيت ويعود ليحتل مكانه في رئاسة الحكومة، فإن «جيشاً» من نشطاء اليمين المناصر لنتنياهو يدير حرب شوارع بهدف تصفية بنيت سياسياً، حتى جسدياً. ولذا يحظى بحراسة مشددة، حتى قبل نجاح جهود تشكيل الحكومة، لأنه تلقى تهديدات بالقتل بعد نعته بـ«الخائن» و«سارق الأصوات» وما زال خصومه ينشرون له صوراً مركّبة إلكترونياً تظهره كمن يعتمر الكوفية الفلسطينية، ويرتدي زي ضابط نازي، ويضع شارباً شبيهاً بشارب زعيم النازية الألماني هتلر. وهذه الصور تذكر الإسرائيليين بما فعله «جيش» اليمين المتطرف عام 1995، وانتهى يومها باغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين.
لهذا، فإن بنيت يُعتبر الآن «محروقاً» لدى اليمين. وهو يعرف أن موقعه في رئاسة الحكومة هو الدفيئة السياسية الوحيدة التي يستطيع العيش فيها. ولكي يحافظ على حياته السياسية، عليه أن يعزز وجوده وشعبيته فيها. فهذه هي الوسيلة الوحيدة لكي يحمي نفسه من هجوم نتنياهو وجيشه.

بطاقة هوية

ولد نفتالي بنيت يوم 25 مارس (آذار) 1972 في مدينة حيفا، لأبوين نشيطين في الحركة الصهيونية. الوالدان انحدرا من عائلة بولندية هربت إلى الولايات المتحدة بعدما تعرّضت لملاحقات النازية، وعام 1967 هاجرا إلى إسرائيل. وبعد ولادة نفتالي، وهو الأخ الأصغر بين 3 أبناء، عادت العائلة إلى أميركا عام 1973 لأن الأم لم تستطع الانسجام مع المجتمع الإسرائيلي المخيّب لآمالها. ولكن ما أن حطت العائلة في سان فرانسيسكو، حتى نشبت حرب أكتوبر (تشرين الأول)، فقرّر الوالد أنه لا يستطيع البقاء في الخارج ويجب أن يعود ليشارك في الحرب دفاعاً عن إسرائيل.
ترعرع نفتالي في حيفا. وفيها تخرّج من المدرسة العسكرية برتبة ضابط في الجيش. وخلال هذه المرحلة مال إلى التديّن، كردّ فعل منه على العداء الذي انتشر في إسرائيل ضد تيار «الصهيونية الدينية» بعدما اغتال أحد أفراد هذا التيار رئيس الوزراء إسحاق رابين. وفي الجيش، خدم في عدة وحدات قتالية حتى أصبح ضابطاً برتبة رائد في وحدة النخبة «سييريت متكال» (دورية رئاسة الأركان). وفيها أكمل خدمته الاحتياطية.
بنيت عمل بستانياً إبان دراسته الجامعية. وحصل على شهادتي القانون وإدارة الأعمال عام 1966. وأخذ يشق طريقه في إدارة مصالح تجارية. وعام 1999 تزوّج وانتقل للعيش مع زوجته غيلات في وسط البلاد، بمدينة الأثرياء رعنانا. وأنجب الزوجان 4 أطفال، سُمي أحدهم يوني، على اسم شقيق بنيامين نتنياهو، الذي كان قائداً في وحدة الكوماندوز المختارة، وقتل خلال تحرير الرهائن في أوغندا. وأيضاً عام 1999 انطلق إلى عالم الأعمال، وهذه المرة ليس كموظف فحسب، بل كصاحب أسهم. وأسس مع شركاء آخرين شركة تكنولوجيا متقدمة باسم «سايوتا - cyota» متخصصة في حماية المعلومات في شبكة الإنترنت. وتطوّرت الشركة ليصل عدد عمالها إلى نحو 400 موظف، وبعد 6 سنوات باعها لشركة أميركية بمبلغ 145 مليون دولار. وأسس شركة أخرى في الولايات المتحدة باسم «سولوتو» وباعها بمبلغ 138 مليون دولار.
وبعد جني بنيت هذه الثروة، تعرّف إلى أييليت شاكيد، رئيسة مكتب بنيامين نتنياهو، التي دعته إلى تولي منصب المدير العام للمكتب. ولكونه محباً لنتنياهو بشكل كبير، قرر العمل تطوّعاً من دون أجر. وفي إطار وظيفته، وضع خطة إصلاح جهاز التربية والتعليم التي بادر إليها نتنياهو. ثم أدار حملة نتنياهو في الانتخابات التمهيدية لرئاسة حزب الليكود، وحقق له فوزاً ساحقاً. لكن بنيت وشاكيد اصطدما مع زوجة نتنياهو، فتوقفا عن العمل معه. وأصبح بنيت في العام 2009 مديراً عاماً لمجلس المستوطنات. وبعد فترة، أسس مع شاكيد حركة «يسرائيل شيلي» التي حاربت نزع الشرعية عن إسرائيل، ومنظمات ما بعد الصهيونية، والمقاطعات ضد إسرائيل، ودعت إلى فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات.
وعام 2012، اختارت مجلة «فوربس» بنيت لقائمة خريجي وحدات الكوماندوز الإسرائيليين الذين نجحوا في عالم الأعمال. وفي العام ذاته، صدر كتابه «إكزيت»، وهو كتاب إرشادي لمبادري «الهايتك» في إسرائيل. ثم في انتخابات 2013 قاد حزب «البيت اليهودي» الذي فاز بـ12 مقعداً. ومع تشكيل نتنياهو الحكومة عيّن بنيت وزيراً لـ4 وزارات في آنٍ واحد معاً، هي الاقتصاد، والديانات، والقدس، والشتات. وكذلك عيّن عضواً في المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر في الحكومة، ورئيساً للمجلس الوزاري المصغر لخفض غلاء المعيشة. ولكن، في انتخابات 2015 تشقق التحالف وهبط تمثيله إلى 8 مقاعد. وتولى في الحكومة منصب وزير التربية والتعليم ووزير الشتات.
ثم عام 2018، أعاد بنيت تسمية حزب البيت اليهودي باسم يمينا (إلى اليمين)، ليعتمد خطاباً دينياً قومياً متشدداً، تبنى موضوع الاستيطان. وبعدما فشل مع حليفته شاكيد في تجاوز «نسبة الحسم» في انتخابات أبريل (نيسان) 2019. عاد في انتخابات سبتمبر (أيلول) عام 2019 إلى الكنيست وتولى لـ6 أشهر منصب وزير الدفاع.
وفي الانتخابات الأخيرة، حصل على 7 مقاعد، لكنه خسر مقعداً منها إثر رفض النائب عميحاي شيكلي خطته لإسقاط حكومة نتنياهو وتشكيل حكومة مع لابيد. ومع ذلك، فإنه تولى رئاسة الحكومة الجديدة، وسيبقى في هذا المنصب، في حال استمرار الحكومة، طيلة 27 شهراً، ليتناوب معه لابيد على المنصب.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».