إسرائيل: نظرة إلى التحوّل السياسي في أولويات أهل السلطة

لقد اشتهر عدد من القادة في إسرائيل الذين غيّروا سياستهم وانتقلوا من معسكر إلى آخر، بدافع الثورة على القديم، أو التجاوب مع احتياجات المرحلة، أو للانتقال من وضع إلى وضع معاكس.
مناحيم بيغن كان يمينياً متطرفاً، إلا أنه في عام 1978 توجه إلى منتجع كامب ديفيد الرئاسي الأميركي لإجراء مفاوضات سلام مع الرئيس المصري أنور السادات. وفي الطريق إلى هناك، سأله أحد الصحافيين: «هل صحيح أنك ستوافق على انسحاب إسرائيل من شرم الشيخ؟». فأجاب بصرامة: «أنا متوجه إلى أميركا بدعوة من صديق إسرائيل وحليفها الكبير جيمي كارتر، وليس للتنازل عن الأرض. فإذا طولبت بالانسحاب، ولو شبر من الأرض، فسأحزم أمتعتي وأعود إلى البلاد». وسئل السؤال نفسه وزير الخارجية موشيه ديان. فأجاب: «لو خيّروني ما بين السلام من دون شرم الشيخ أو شرم الشيخ من دون سلام، لاخترت شرم الشيخ من دون سلام».
ولكن بيغن وديان عادا بعدما وقّعا على الانسحاب، ليس من شرم الشيخ، بل من سيناء كلها... ووقّعا أيضاً على اعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يبدأ بحكم ذاتي ويستمر في مفاوضات لحل دائم. ولقد سئل بيغن، عند عودته، عن تفسيره لهذا التراجع الهائل عن مواقفه، فأجاب: «عندما كنت أتجول في حدائق كامب ديفيد، وشاهدت الأجواء الساحرة وجمال الطبيعة الخضراء والورود المزهرة والأطفال فرحين والرجال والنساء يتسامرون، تذكّرت 12 ألف إسرائيلي قتلوا في حروب إسرائيل. فقرّرت أن أصنع السلام حتى لا يسقط 12 ألف إسرائيلي آخر».
وعندما سئل ديان هذا السؤال، كان جوابه: «ببساطة غيّرت رأيي. فمَن لا يغيّر رأيه هو الحمار». وللعلم، كان مع بيغن وديان، أيضاً يومذاك عيزر فايتسمان، وزير الدفاع من حزب الليكود، وفيما بعد صار رئيس الدولة، وترك الليكود وأسس حزباً جديداً يسعى للسلام مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.
إسحاق رابين أيضاً غيّر رأيه. وبعدما كان يتحدث عن «تهشيم عظام الفلسطينيين» في الانتفاضة، اعترف بمنظمة التحرير ووقّع اتفاقات أوسلو مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وهي الاتفاقات التي أجهضها من جاء بعده، بنيامين نتنياهو.
وعلى الطريق نفسه، سار أريئيل شارون، أحد أشد القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل تطرفاً وعنفاً. ومع أنه أدار حرباً للتخلص من عرفات، ونفّذ اجتياحاً شرساً للمناطق الفلسطينية عام 2002، فقد قاد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وأزال المستوطنات الإسرائيلية بين 2004 - 2005. وبدأ يتحدث عن الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية كـ«احتلال» يجب أن يتوقف. وحسب خلفه إيهود أولمرت، بدأ شارون يتحدث في ذلك الوقت عن «دولة فلسطينية».
وأولمرت نفسه كان من أشد قادة الليكود تطرّفاً، وقد اعترض على اتفاقيات كامب ديفيد. وخلال توليه رئاسة بلدية القدس قاد أخطر عمليات التهويد والاستيطان في المدينة. ومع ذلك، فإنه عندما مرض شارون ووجد أولمرت نفسه فجأة رئيساً للحكومة، ثم انتخب للمنصب بشكل شرعي، طرح مشروعاً لتسوية سلمية مع الفلسطينيين، يقوم على أساس حل الدولتين وعلى اعتبار القدس مدينة موحّدة وعاصمتين للدولتين، الغربية لإسرائيل، والشرقية لفلسطين. وعندما استقبل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في مقره كان حريصاً على رفع العلم الفلسطيني فوق المبنى.
وهكذا، فإن القادة يتغيرون، عندما تدعو الحاجة. وعندما سئل شارون عن هذا التغيير والانعطاف، رد: «ما تراه من هنا (أي من موقعك رئيساً لحكومة)، لا تراه من هناك (من موقع المعارضة). وفي هذا أمر جوهري. عندما تكون في الموقع الأول لصنع القرار، ترى الأمور بعيون أخرى، من دوافع أخرى أقرب لمصلحة الناس. ففي هذا المنصب مسؤولية عليا عن شعب وعن أجيال قادمة، أنت مكلف ببناء أمل ومستقبل لهم».