توجّه دولي لإطلاق برنامج متكامل للاستجابة الإنسانية للأزمة اللبنانية

بعد إعلان ماكرون عن آلية لتأمين الخدمات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

توجّه دولي لإطلاق برنامج متكامل للاستجابة الإنسانية للأزمة اللبنانية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

تنكب القوى الدولية على محاولة استيعاب الانهيارات المتسارعة للقطاعات في لبنان من خلال العمل على تأمين حد أدنى من المساعدات الإنسانية للبنانيين.
ولفت ما أعلنه أخيراً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أنه يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية. وقال ماكرون في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي «نعمل فعليا مع عدد من الشركاء في المجتمع الدولي حتى نتمكن في مرحلة ما، إذا استمر غياب الحكومة، من النجاح في الحفاظ على نظام تحت قيود دولية، مما يسمح حينها بتمويل الأنشطة الأساسية ودعم الشعب اللبناني».
وكشف مصدر وزاري لبناني فضل عدم الكشف عن هويته أن «باريس باتت تعتمد مقاربة جديدة للوضع اللبناني بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وبدعم أميركي تقوم على التركيز على الشقين الاجتماعي والاقتصادي بعدما أيقنت أنها غير قادرة على تحقيق خرق على المستوى السياسي وبالتحديد المستوى الحكومي لارتباطه بظروف إقليمية معينة»، موضحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك شقين سوف يتم التركيز عليهما، شق المساعدات التي ستصل عبر المؤسسات الدولية كقروض من البنك الدولي سبق أن تمت الموافقة عليها، سيتم تغيير وجهتها لتتلاءم مع التطورات الحاصلة وتسد ثغرات اجتماعية وإنسانية، أما الشق الثاني فيلحظ إنشاء صندوق للمساعدات العاجلة على ألا تمر عبر الوزارات إنما توزع مباشرة للمؤسسات المعنية كالمدارس والبلديات والمستشفيات وذلك بهدف تقديم حد أدنى من مقومات البقاء والاستمرار للطبقة الفقيرة».
وأعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان بعد اجتماع للجنة مع البنك الدولي مطلع الأسبوع الحالي أن «هناك مشاريع بمليار دولار من البنك الدولي غير منفذة، ونبحث إعادة التخصيص في أولويات الساعة، ووفق حاجات لبنان واللبنانيين».
وتقود فرنسا منذ أشهر ضغوطاً دولية لتشكيل حكومة اختصاصيين، لم تثمر بسبب الانقسامات السياسية والخلافات على الحصص. ويشترط المجتمع الدولي على لبنان، خصوصاً منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب)، تنفيذ إصلاحات ملحة ليحصل على دعم مالي ضروري يخرجه من الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه منذ أكثر من عام ونصف عام والمترافق مع أزمة مالية غير مسبوقة، وشح في السيولة بالدولار وتدهور قياسي في قيمة العملة الوطنية ما أدى إلى انحدار أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب «الاسكوا».
وكشف أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت والمشرف على مرصد الأزمة الدكتور ناصر ياسين الذي تابع المناقشات التي حصلت حول الأوضاع الإنسانية في لبنان في مقر الأمم المتحدة في جنيف مؤخراً عن «توجه دولي لإطلاق برنامج متكامل للاستجابة الإنسانية لاستهداف حوالي مليون لبناني»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا البرنامج سيركز على الخدمات الأساسية والإنسانية من الأمن الغذائي إلى الصحة والتعليم بتمويل أولي قدره 300 مليون دولار للأشهر الثمانية القادمة».
وأوضح ياسين أن تنفيذ هذا البرنامج سيمر عبر منظمات الأمم المتحدة، بما يشبه برنامج الاستجابة لأزمة اللجوء السوري في لبنان، لافتا إلى أن ذلك يعني «انتقال المجتمع الدولي من تقديم المساعدات التنموية للبنان والتي كانت ستتم عبر مؤتمر «سيدر» للنهوض بالاقتصاد بالتزامن مع السير بالإصلاحات، إلى تقديم المساعدات الإنسانية لدولة آيلة إلى السقوط»، مضيفا: «هناك قرار دولي واضح بإبقاء لبنان في حد أدنى من الاستقرار وبتفادي الارتطام الكبير لأن تداعياته وكلفته ستكون مرتفعة على الجميع، خاصةً أن الدول متى سقطت في مستنقع الفشل فهي تبقى فيه لعقود».
يذكر أن مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت أعلن قبل أيام أن «خطر سقوط لبنان في مرتبة الدول الفاشلة بات واقعاً، بعد تراجعه 36 مركزاً على مدى خمس سنوات، ليصبح ترتيبه في عام 2021 بين الدول الـ34 الأكثر فشلاً من أصل 179 دولة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.