باريس تدفع باتجاه إخراج «المرتزقة» والقوات التركية من ليبيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

باريس تدفع باتجاه إخراج «المرتزقة» والقوات التركية من ليبيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ليس من قبيل الصدفة أن تسرب اليوم تفاصيل الخطة الفرنسية، الداعية إلى خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، ذلك أن طرحها عن طريق المجلة الإلكترونية الأميركية «بوليتيكو» يأتي من جهة بعد اجتماعين رئيسيين عقدهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً مع نظيريه الأميركي والتركي. ومن جهة أخرى، يستبق التسريب مؤتمر «برلين 2» المقرر في 23 من يونيو (حزيران)، والذي سيكون على رأس جدول أعماله، وفق مندوب الأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيتش، ووزارة الخارجية الألمانية، خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، إلى جانب دعم الاستقرار والتحضير للانتخابات المقررة نهاية العام الحالي. كما سيكون الملف الليبي بكليته حاضراً في قمة القادة الأوروبيين يومي 24 و25 يونيو الحالي في بروكسل، علاوة على ملف العلاقات الأوروبية - التركية، علماً بأن أحد وجوه الخلاف الأساسية بين أنقرة وبروكسل يعود للسياسة التركية في ليبيا.
وفي مؤتمره الصحافي في بروكسل، عقب اجتماعه بالرئيس رجب طيب إردوغان، بداية الأسبوع الحالي، أفاد ماكرون بأنه اتفق مع إردوغان على «العمل على انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب في أسرع وقت ممكن». وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن هذا التطور «يعد تقدماً مهماً، وسنعمل كلانا على إنجازه معاً». لكن اللافت في كلام ماكرون، أنه لم يشر إلى تواجد القوات التركية على الأراضي الليبية، علماً بأن باريس كانت على رأس الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، التي تطالب برحيل المرتزقة السوريين والروس و«الآخرين». إضافة إلى القوات التركية عن ليبيا. وبعد الكشف عن عدد من تفاصيل الخطة الفرنسية، فإن ماكرون، ورغبة منه في الحصول على تعاون وموافقة إردوغان، عمد إلى تقسيم خطته إلى ثلاث مراحل، ومن هنا، جاء حديثه في بروكسل عن «مرحلة أولى» تبدأ الصيف المقبل، أي في الأيام القليلة المقبلة.
وتبين الخطة الفرنسية، التي كانت موضع تشاور مع الجهات المعنية قبل طرحها على بادين وإردوغان، وجود جدول زمني يمتد لستة أشهر، وتتكون من ثلاث مراحل: الأولى تتناول سحب المرتزقة السوريين الذين أتت بهم أنقرة إلى ليبيا. يليهم في مرحلة ثانية سحب المرتزقة الروس، الذين ينضوون في إطار مجموعة «فاغنر»، بالتوازي مع سحب تركيا لقواتها. وقد يتم تنفيذ هذه الخطوة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وتقترح المرحلة الثالثة إعادة توحيد قوات الأمن الليبية المنقسمة، بين أولئك الذين دافعوا عن حكومة طرابلس، وأولئك الذين يقاتلون من أجل المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني. أما الهدف الذي تسعى إليه باريس فعنوانه، حسب الخطة الفرنسية، «زيادة الاستقرار في بلد يقع على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي»؛ ما أدى إلى بروز تحديات عديدة، من بينها الهجرات غير الشرعية، ومخاطر الإرهاب في أوروبا. وإلى هذين الهدفين، يمكن إضافة عناصر أخرى، أبرزها القلق الفرنسي من التغلغل المزدوج لتركيا وروسيا في أفريقيا وفي مناطق النفوذ الفرنسية والأوروبية. فضلاً عن ذلك، فإن باريس تتخوف من الفراغ الأمني في مناطق الجنوب الليبي، التي تمرح فيها التنظيمات المتطرفة، والتي تشكل تهديدا لقوة «برخان» الفرنسية المنتشرة هناك.
وليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها قضية المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، ذلك أن اتفاق وقف إطلاق النار، المبرم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تضمّن هذا البند الذي نص على خروج المرتزقة والقوات الأجنبية كافة خلال 90 يوماً. بيد أنه بقي حبراً على ورق. والمصير نفسه لقيه قرار مجلس الأمن الدولي، الذي صدر في وقت لاحق، ودعا بدوره الأطراف المعنية كافة إلى سحب قواتها ومرتزقتها من الأراضي الليبية. غير أنه لم يجد طريقه إلى التنفيذ. ومن هنا، فإن ثمة تساؤلات رئيسية حول مدى حظوظ نجاح الخطة الفرنسية.
حقيقة الأمر، أن موافقة إردوغان التي أشار إليها ماكرون في حاجة إلى التفحص عن قرب، خصوصاً فيما يتعلق بخروج القوات التركية من ليبيا، ذلك أن أنقرة تعتبر أن وجودها العسكري في ليبيا «شرعي»؛ لأنه جاء استجابة لطلب السلطات الليبية. وفي آخر زيارة قام بها إلى طرابلس، نهاية الأسبوع الماضي، وفد رسمي تركي كبير، حرص الوفد على تأكيد استدامة الدعم العسكري التركي لليبيا؛ ما يعني أن أنقرة تخطط للبقاء طويلاً في هذا البلد، أقله حتى تحصل على ضمانات تحفظ مصالحها، ومصالح الجهات التي ساندتها.
من هنا، فإن ماكرون يسعى بطرحه الخطة على الرئيس الأميركي إلى استخدام الورقة الأميركية عنصراً ضاغطاً، إنْ على إردوغان من جهة، أو على الرئيس الروسي من جهة أخرى، ذلك أن باريس لا تمتلك بين يديها أوراق ضغط حقيقية يمكن أن تؤثر على الطرفين الموجودين عسكرياً بقوة، وفي موقعين متواجهين: موسكو وأنقرة. كما تسعى باريس لتحشيد الأوروبيين، وهذا ما ستحاول الحصول عليه في القمة الأوروبية المقبلة في بروكسل. أما العنصر الأخير، فعنوانه وجود انقسام داخل السلطات الليبية الجديدة بشأن مصير القوات التركية، فضلاً عن أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار مطالب حفتر، والأشكال التي سترتديها عملية إعادة توحيد القوات المسلحة من الجانبين اللذين تواجها لسنوات في ميادين القتال.
وليس سراً أن واشنطن زمن الرئيس السابق، دونالد ترمب، كانت تغض الطرف عن الوجود التركي أكان في ليبيا أو في مياه المتوسط الشرقي؛ لأنها كانت ترى فيه وسيلة لاحتواء التمدد الروسي، وبالتالي يتعين اليوم معرفة حقيقة التحرك الأميركي، وما إذا كانت واشنطن راغبة في ممارسة ضغوط على حليف أطلسي «تركيا» تحتاج إليه في أفغانستان، أو على رئيس روسي تسعى لتطويق المسائل الخلافية معه.
يبقى أن الدبلوماسية الفرنسية تسعى للاستفادة من الحراك الدبلوماسي الحالي المكثف، من أجل تحريك الوضع في ليبيا، الذي استثمرت فيه الكثير. لكن من غير نتائج ملموسة حتى اليوم.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.