السعودية.. بتوقيت سلمان

40 يومًا رتب فيها بيت الحكم وشكّل حكومة شابّة ولَمّ شمل الخليج واستقبل زعماء العالم

السعودية.. بتوقيت سلمان
TT

السعودية.. بتوقيت سلمان

السعودية.. بتوقيت سلمان

ليس حديثا جديدا ما نقله وزير البترول السعودي علي النعيمي عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتداولته وسائل الإعلام المختلفة حينما قال إن «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أنجز خلال 10 أيام أعمالا يقوم بها الزعماء الجدد عادة خلال مائة يوم». وخلال 40 يوما منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية، أصدر 44 قرارا ملكيا إعادة بها ترتيب بيت الحكم وهيكلة الحكومة السعودية والهيئات السياسية والاقتصادية.
كما التقى بعدد من زعماء العالم بلغ عددهم حتى أمس 10، آخرهم لقاؤه أمس مع رئيسة كوريا الجنوبية بارك كون هي، ما يعني انفتاحا عالميا، ورؤية مستقبلية للأحداث تنطلق من مبادئ التعايش بسلام والتعاون في كل المجالات، ما يعود بالخير على الوطن والأمة والعالم بأسره.

منذ أن تولي الحكم بدأت الدول تتابع باهتمام الحراك السياسي الذي يدور في العاصمة الرياض، والملك سلمان بين مستقبل ومودّع لملوك وزعماء ورؤساء دول طوال 40 يوما، وقبله كانت تتابع باهتمام الملك سلمان بن عبد العزيز وهو يدير شؤون المملكة الداخلية والخارجية، ولم يكن غريبا حينما وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الجميع أمام مسؤولياتهم وواجباتهم في حماية مقدرات الوطن ومنجزاته، مطالبا الجميع بالعمل لصالح الأجيال المقبلة، في رسالة مفادها: «لا أحد فوق الدولة ولا أحد أقوى من القانون»، وذلك منذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) 2015.
في اليوم الأول من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم وجّه كلمة إلى الشعب السعودي قال فيها: «سنظل بحول الله وقوّته متمسكين بالنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز، وأبنائه من بعده (رحمهم الله)، ولن نحيد عنه أبدا، فدستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم». وكانت تلك رسالة اطمئنان للشعب السعودي، وليضيف بقوله: «إن أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها. وسنواصل في هذه البلاد التي شرفها الله بأن اختارها منطلقا لرسالته وقبلة للمسلمين، مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا، مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ارتضاه المولى لنا، وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال»، لتكون تلك الكلمة ردا بليغا على المغرضين أو الباحثين عن الإثارة في قراءة التغييرات الإدارية بموقف سعودي مختلف عن السابق لجهلهم بمنهجية وثوابت السياسة السعودية منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبد العزيز، وخصوصا سياستها ومواقفها الخارجية، التي أكد عليها الملك سلمان في كلمته.

* ترتيب بيت الحكم وحكومة شابّة
* الملك سلمان في اليوم الأول من توليه مقاليد الحكم أصدر أول قراراته الملكية التي رتب فيها بيت الحكم وبكل سلاسة وهدوء، معلنا الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد والأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وهو يعتبر أول دخول للجيل الثالث من أبناء المؤسس الملك عبد العزيز سلسلة الحكم. وحينما انتهى من ترتيب البيت الداخلي للحكم، جاءت قرارات بصدور 33 أمرا ملكيا بتنظيم البناء المؤسسي لإدارة العمل في الدولة بدخول أسماء شابة لمجلس الوزراء وتأسيس أول مجلسين (مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة وزير الداخلية ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان)، ودمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة واحدة مما يُعَدّ أهم التحولات التي يمكن من خلالها استقراء توجه الملك سلمان محليا وأيضا مواجهة التحديات المحيطة بالبلاد خارجيا. وكان من أهم الملفات الداخلية مشكلة الإسكان، ذلك الملف الذي فتحه الملك سلمان بخطوة عملية حين أمر بضخ 5.3 مليار دولار (20 مليار ريال) تعمل على ضخ الحيوية في قطاع الإسكان لتسريع الحراك الإيجابي في هذا التحدي الاجتماعي الاقتصادي. لم يكتفِ الملك سلمان بذلك، بل زاد بدعم الجمعيات التعاونية والجمعيات المهنية المتخصصة المرخص لها، ودعم كل الأندية الأدبية، ودعم الأندية الرياضية، والعفو عن السجناء في الحق العام، والتسديد عن المطالبين بحقوق مالية، وصرف راتبين لكل موظفي الدولة.

* أوباما مع وفد كبير في ضيافة سلمان
* لم يكن الشأن الداخلي السعودي فقط هو هاجس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بل بدأ بممارسة دوره كقائد إسلامي وعربي، وحرص قادة من مختلف دول العالم على الالتقاء بالملك سلمان والتباحث في السياسات التي تتعلق بالوضع في المنطقة العربية والعالم، وكان أولهم الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قطع زيارته إلى الهند متوجها إلى الرياض بداية فبراير (شباط) الماضي لمقابلة الملك سلمان وعلى رأس وفد رفيع المستوى يضم 30 عضوا من كبار المسؤولين، في زيارة وصفت بأنها لتأكيد الثقل السياسي السعودي ودور الملك سلمان في الحفاظ على استقرار المنطقة.
الملك سلمان بن عبد العزيز لدى اجتماعه مع الرئيس الأميركي تسلح بأفكار محددة تجاه كل القضايا العربية والإقليمية، التي كشف عنها الملك في حينها عبر تغريدة له عبر حسابه في «تويتر» حينما قال: «سعدت بلقاء الرئيس أوباما، وبحثنا معا الشراكة الاستراتيجية وتعزيز التعاون بين البلدين، وخدمة السلام العالمي»، ليكون تأكيدا على أن العلاقة مع الأصدقاء ترتكز على ثبات مصالح مشتركة وندية، وكل ذلك بعمقه السياسي. والأهم من هذا كله هو اعتراف واشنطن بُعيد زيارة أوباما للسعودية بأن الملك سلمان بن عبد العزيز ثابت في خطه السياسي وفي التعبير عن هذا الخط في كل الملفات وفي كل المنعطفات والمراحل، لتؤكد أن الملك سلمان بن عبد العزيز لاعب أساسي في المنطقة وذو خبرة عالية وعميقة بظروفها ورمز في الاعتدال والواقعية على المستوى الوطني والإقليمي، الأمر الذي تحتاج إليه السياسة الدولية في هذه الفترة بالذات لإعادة التوازن إلى المنطقة، خدمة للسلم العالمي، وتأكيدا على قوة السياسية الخارجية السعودية ومتانتها ودورها الحقيقي في الدفاع عن العرب والمسلمين.

* وحدة الصف العربي ولَمّ شمل الخليج
* وجود الملك سلمان بن عبد العزيز على سدة الحكم في السعودية يؤسس لمرحلة جديدة من العمل المشترك عبر منظومة جديدة في الشكل والاستراتيجية يكون لها تأثيرها الواضح، ليس فقط على صعيد المنظومة الخليجية، وإنما أيضا على مستوى صناعة القرار السياسي خليجيا وعربيا ودوليا. ويدرك الملك سلمان أهمية وحدة الصف العربي، لتكون البداية من دول الخليج بعد زيارة الرئيس الأميركي أوباما ليبدأ باستقبال ملوك وأمراء دول الخليج العربي ويجتمع معهم اجتماعات فردية، ليؤكد استمرارية المنهجية السعودية في التضامن الخليجي، التي سبقها بتصريح يسجل للتاريخ حينما أراد البعض أن يصطادوا في الماء العكر في ما يخص العلاقات السعودية المصرية، ليأتي التصريح من الملك سلمان بعد محادثة هاتفية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قاطعا كل ما قيل ويحاك تجاه جمهورية مصر ليؤكد بقوله: «موقف المملكة العربية السعودية تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير، وما يربط البلدين نموذج يحتذى به في العلاقات الاستراتيجية والمصير المشترك، والعلاقات المميزة والراسخة بين المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكيرها». كان ردا بليغا من الملك سلمان ومؤكدا أن العلاقات مع مصر علاقات استراتيجية لمصلحة البلدين وأن محاولة اختراقها بأي شكل لن تؤتي ثمارها.
بداية استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز، ملك البحرين الملك حمد بن عيسي آل خليفة، وفي نهاية الأسبوع الأول من توليه مقاليد الحكم، ومن ثم استقبل أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، منتصف فبراير الماضي، وفي اليوم الذي يليه استقبل الشيخ محمد بن زايد بن نهيان ولي عهد أبوظبي، ومن ثم استقبل أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفي نهاية الأسبوع استقبل فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عمان، هذه اللقاءات أتت لتؤكد ما لدول الخليج من أهمية بالغة، خصوصا أن السعودية تمثل ثقلا سياسيا واقتصاديا في المنطقة، وفي ظل وجود كثير من الملفات المشتركة التي تسعى دول الخليج لحلها والتي من أهمها وجود الإرهاب ومشاركة الإرهابيين في الأحداث الحالية والقلق التي تمثله لدول الخليج، إضافة إلى الأحداث العربية في اليمن وسوريا وليبيا ومصر والعراق.
ولمعرفة قادة دول الخليج بحنكة الملك سلمان بن عبد العزيز لإعادة الصف الخليجي، وإزالة كل الشوائب لتعمل مسيرة دول الخليج العربية لخدمة مصالحها المشتركة، استمر توافد الزعماء العرب والدول الإسلامية والعالمية في زيارتهم للعاصمة الرياض طوال الأسبوعين الماضين، والتي كانت حينما التقى الملك سلمان بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مكتبه، وناقش معه جهود الأمم المتحدة في مجمل الأحداث التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، والتي من أهمها ما تعيشه الدول العربية والإسلامية. وفي بحر ذلك الأسبوع الثالث استقبل أيضا ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، وفي منتصف فبراير الماضي تلقى اتصالا من المستشارة الألمانية ميركل، ناقش معها خلال المكالمة العلاقات الثنائية والقضايا العربية المشتركة.

* مواقف ثابتة تجاه القضية الفلسطينية
* واستمر مطار الملك خالد الدولي بالرياض شمال العاصمة الرياض مستقبلا الزعماء ورؤساء الدول في حراك سياسي عاشته الرياض في الأسبوع الثالث من تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في السعودية، ليستقبل الملك سلمان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ليجري معه مباحثات حول الأوضاع الراهنة في الأراضي الفلسطينية، ليؤكد أن موقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية ثابت، وذلك في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق السلام العادل والدائم لهم، مهيبا بالمجتمع الدولي أن ينهض بمسؤولياته لتأمين حماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
وبعد لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان لقاؤه بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، الذي استقبله في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، ليعقد جلسة مباحثات رسمية مع العاهل الأردني، بحث معه فيها أوجه التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، كما تمت مناقشة مستجدات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، التي من أهمها ملف الإرهاب، والتحديات والأزمات التي تواجه المنطقة بشكل عام، وملف الأزمة السورية، وقضايا الإرهاب وسبل مكافحته ومواجهته، فضلا عن قضايا العالم العربي والإسلامي.

* السيسي وإردوغان في ضيافة الملك
* في بداية الشهر الحالي كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ضيافة الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي استقبله ليعقد معه أول مباحثات مطولة لمناقشة القضايا الإقليمية، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط اضطرابات لم يسبق لها مثيل، وكان من أهمها إنشاء قوة عربية مشتركة للتعامل مع التهديدات الإقليمية، خصوصا تلك القادمة من اليمن وليبيا وسوريا، لمكافحة الإرهاب، وهو ما أعلن عنه الرئيس المصري في حوار مع «الشرق الأوسط» قائلا إن اللقاء يهدف إلى تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى أزمات الشرق الأوسط وأمن البحر الأحمر، في ضوء تصاعد الأزمة السياسية في اليمن.
وفي اليوم الثاني وتحديدا في 2 مارس (آذار) استقبل الملك سلمان عبد العزيز، رئيس جمهورية تركيا الرئيس رجب طيب إردوغان، ليعقد معه لقاء مطولا ناقش من خلاله آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، ولتسجل مباحثات رسمية بحثت جملة من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، ومجمل الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية.

* دور ضد الإرهاب.. ودعم الإسلام المعتدل
* عبّر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عن موقف بلاده من الإرهاب حينما استقبل ضيوف المؤتمر العالمي «الإسلام ومحاربة الإرهاب» الذي اختتم أعماله في مكة المكرمة، وكان ذلك في 26 فبراير 2015، ليؤكد في كلمة له أن «الأمة الإسلامية يهددها تغوّل الإرهاب المتأسلم بالقتل والغصب والنهب وألوان شتى من العدوان الآثم في كثير من الأرجاء، جاوزت جرائمه حدود عالمنا الإسلامي، متمترسا براية الإسلام زورا وبهتانا وهو منه براء. إن جرائم الإرهابيين المنكرة عملت على تجريد الحملات العدائية ضد الأمة ودينها وخيرة رجالها، وترويج صورة الإرهاب البشعة في أذهان كثير من غير المسلمين على أنها طابع الإسلام وأمته، وتوظيفها لشحن الرأي العام العالمي بكراهية المسلمين كافة، واعتبارهم محل اتهام ومصدر خوف وقلق، فضلا عن الحرج والارتباك الذي تعرضت له الدول الإسلامية ومنظماتها وشعوبها أمام الدول والشعوب التي تربطها بنا علاقات تعاون، إذ كادت هذه العلاقات تهتز وتتراجع في إطار موجة من الضيق بالمسلمين والتحامل عليهم جراء هذه الجرائم الإرهابية»، مؤكدا أن «السعودية لم تدخر جهدا في مكافحة الإرهاب فكرا وممارسة بكل الحزم وعلى كل الأصعدة»، مضيفا أن «السعودية بلد الإسلام مع الإسلام المعتدل، الذي يتبع كتاب الله وسنة رسوله وخلفائه الراشدين».



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،