اشتباك واتهامات متبادلة بين رئيسي الجمهورية والبرلمان في لبنان

بري: رفض الحريري ليس حقّكم ومبادرتي مستمرة... وعون يتهمه بأنه فقد صفة «الوسيط» وأصبح طرفاً

بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)
بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)
TT
20

اشتباك واتهامات متبادلة بين رئيسي الجمهورية والبرلمان في لبنان

بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)
بري وعون في أحد لقاءاتهما (الوكالة الوطنية)

مثّل الاشتباك بين رئاستي الجمهورية والبرلمان اللبنانيين أمس، تأزّماً إضافياً على الوضع الحكومي العالق، واستدعى اتصالات عبر وسطاء لمحاولة التهدئة بعد ردّ عنيف من رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس على الرئاسة اللبنانية التي انتقدت أول من أمس مبادرته، قال فيه بري إن رفض الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة العتيدة «ليس من حقكم، وقرار تكليفه ليس منكم»، مشدداً على أن مبادرته مستمرة. وتبع ذلك رد عالي السقف من رئاسة الجمهورية اعتبر فيه عون أن بري فقد صفة «الوسيط» وأصبح طرفاً في الأزمة الحكومية.
ويعد رد بري أعنف تصعيد ضد الرئاسة اللبنانية، رداً على بيان الرئاسة أول من أمس الذي قال إن «الزخم المصطنع الذي يفتعله البعض في مقاربة ملف تشكيل الحكومة، لا أفق له إذا لم يسلك الممر الوحيد المنصوص عنه في الدستور».
وقال بري في رده أمس: «باسم الشعب اللبناني تحركت وأتحرك، وقرار تكليف رئيس حكومة خارج عن إرادة رئيس الجمهورية بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة التشريعية». وقال في بيانه إن «الذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة هو الرئيس المكلف (المادة 64 من الدستور)، وبالتالي من حقي أن أحاول بناءً لطلب دولة رئيس الحكومة المكلف أن أساعده في أي مبادرة قد يتوصل إليها، لا سيما أن رئيس الجمهورية الذي تعود له صلاحية التوقيع مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيسها أبدى كل رغبة بذلك، وأرسل عدة رسل بهذا الشأن وحصل أكثر من اجتماع في القصر الجمهوري وخلافه لإنجاح ما سمي بمبادرة بري دون حضوري الشخصي».
وأشار بري إلى أن «القاضي كان راضياً»، في إشارة إلى رضا عون على تدخل بري، وأضاف «ما دام ارتفع عدد الوزراء إلى 24 وما دام حل موضوع الداخلية إلى أن أصررتم على 8 وزراء + 2 يسميهم رئيس الجمهورية (الذي ليس له حق دستوري بوزير واحد فهو لا يشارك بالتصويت فكيف يكون له أصوات بطريقة غير مباشرة)، تعطل كل شيء... والبلد ينهار... والمؤسسات تتآكل... والشعب يتلوى... وجدار القسطنطينية ينهار مع رفض مبادرة وافق عليها الغرب والشرق وكل الأطراف اللبنانية إلا طرفكم الكريم». وقال بري في بيانه: «أقدمتم على البيان البارحة (أول من أمس) صراحة تقولون: لا نريد سعد الحريري رئيساً للحكومة»، مؤكداً أن «هذا ليس من حقكم، وقرار تكليفه ليس منكم، والمجلس النيابي قال كلمته مدوية جواب رسالتكم إليه». وشدد بري على أن «المطلوب حل وليس الترحال»، مؤكداً أن «المبادرة مستمرة».
وردت الرئاسة اللبنانية مساء أمس على بيان رئيس مجلس النواب نبيه بري، معتبرة أنه «أسقط عن نفسه صفة الوسيط» و«حق التحرك باسم الشعب اللبناني»، ورأت أن «الهدف الحقيقي للحملات على الرئيس ميشال عون هو تعطيل دوره في المراقبة وإقصاؤه عن تحمل مسؤولياته»، كما عدّت أن ثمة «من لم يغفر للرئيس عون استعادة الحضور والدور بعد سنين التنكيل والإقصاء منذ العام 1990 حتى العام 2005». وأسفت رئاسة الجمهورية «لأن يتحدث بري عن عدم حق الرئيس بالحصول على وزير واحد في الحكومة، مبرراً ذلك بعدم مشاركته في التصويت، وكأنه أراد بذلك أن يؤكد ما بات مؤكداً أن الهدف الحقيقي للحملات التي يتعرض لها رئيس الجمهورية، هو تعطيل دوره في تكوين السلطة التنفيذية ومراقبة عملها مع السلطة التشريعية، وإقصاؤه بالفعل حيناً، وبالقول أحياناً، عن تحمل المسؤوليات التي ألقاها الدستور على عاتقه». واعتبرت الرئاسة أن اتهامها بعدم الموافقة على مبادرة بري ورفض الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة «هو قمة الإنكار ومجافاة الحقيقة، لأن رئيس الجمهورية تجاوب مع إرادة مجلس النواب وتم تكليف الحريري بتشكيل الحكومة بقرار صادر عنه، بعد التغاضي عن الكثير من الإساءات والتعرض للرئاسة ولشخص الرئيس والصلاحيات». ونفت الرئاسة مطالبة عون بتسمية وزيرين اثنين زيادة على الوزراء الثمانية، وبالثلث الضامن «رغم عدم وجود ما يمنع ذلك».
وقالت: «لا بد أن يدرك دولة الرئيس وغيره، أن رئيس الجمهورية يسعى بكل قوة إلى حل للأزمة الحكومية التي افتعلتها ممارسات باتت معروفة عند الجميع، وعقّدتها رغبات في تهميش دور رئيس الجمهورية والحد من صلاحياته ومسؤولياته»، مضيفة أن البيان الذي صدر عن رئيس البرلمان «خير دليل على ذلك».
وقالت إن «رئاسة الجمهورية إذ تكتفي بما تقدم، تترفع عن الدخول فيما ورد من مغالطات في بيان رئيس مجلس النواب، وتسجل له إيجابية وحيدة هي الرغبة في أن تبقى مبادرته مستمرة لتسهيل تشكيل الحكومة، وإن كان البيان الصادر اليوم أسقط عن دولته صفة «الوسيط» الساعي إلى حلول، وجعله للأسف، طرفاً لا يستطيع أن يعطي لنفسه حق التحرك «باسم الشعب اللبناني».
ولاحقاً، ردّ المكتب الإعلامي للرئيس بري على بيان الرئاسة، قال فيه: «لنا الرغبة أن نصدق ما ذهبتم إليه إذا كنتم أنتم تصدقونه، مذكرين إياكم بأن فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون هو صاحب القول: بعدم أحقية الرئيس ميشال سليمان بأي حقيبة وزارية أو وزارة». وقالت رئاسة مجلس النواب: «فلنذهب إلى الحل».
ويشار إلى أن مبادرة بري تحظى بدعم عدة أطراف بينها تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الله» الذي سيبقى مؤيداً للمبادرة ما دام أن بري متمسك بها «كونه لا مبادرات أخرى قائمة لحل المعضلة الحكومية». وكان «التيار الوطني الحر» حيّد نفسه عن الاشتباك بين الرئاسة اللبنانية من جهة، والرئيس الحريري والرئيس بري من جهة أخرى. وأعلن رئيس «التيار» النائب جبران باسيل أمس «نحن مع تأليف حكومة بسرعة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري، وهذا الخيار نحن ملزمون به وفق الدستور».
وأعرب باسيل عن أمنياته «أن تكون هناك مبادرة سريعة في اتجاه اتخاذ الخطوات المطلوبة على هذا الصعيد»، مشيراً إلى أن «الأولوية المطلقة للحكومة هي بتنفيذ الإصلاحات، وإلى حين حصول هذا الأمر وهو واجب وضروري وسريع، يمكن لمجلس النواب القيام بعمل كبير وإقرار القوانين لحل الكثير من مشكلات اللبنانيين».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.