روسيا تتعهد بـ«تحقيق كامل» في قتل نيمتسوف

صديقة المعارض المغتال تحت الحماية المشددة

روسيا تتعهد بـ«تحقيق كامل» في قتل نيمتسوف
TT

روسيا تتعهد بـ«تحقيق كامل» في قتل نيمتسوف

روسيا تتعهد بـ«تحقيق كامل» في قتل نيمتسوف

تعهدت السلطات الروسية أمس بإيجاد مرتكبي جريمة اغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف تزامنا مع تسريب معلومات جديدة حول الحادث الأكثر إثارة للجدل خلال فترة حكم الرئيس فلاديمير بوتين.
واغتيل نيمتسوف، وعمره 55 عاما، مساء الجمعة - السبت بالرصاص أثناء سيره برفقة صديقته على الجسر الكبير المحاذي للكرملين. ودعت المعارضة الروسية والدول الغربية إلى تحقيق كامل وشفاف في قضية اغتيال نيمتسوف، الذي شغل منصب نائب رئيس الحكومة في ظل حكم بوريس يلتسين في التسعينات من القرن الماضي.
وسيسجى جثمان نيمتسوف اليوم في مركز أندري سخاروف الحقوقي في موسكو، قبل دفنه في العاصمة الروسية.
ومع تصاعد ردود الفعل الداخلية والخارجية على مقتل نيمتسوف، تحاول السلطات الروسية التقليل من حدة الانتقادات لها. وبدت المسيرة الأكبر للمعارضة منذ المظاهرات ضد الكرملين بين العامين 2011 و2012 التي شارك فيها أكثر من مائة ألف. وشكا رئيس مجلس الشيوخ البولندي بوغدان بوروسيويتش أمس أن السلطات الروسية رفضت السماح له بالقدوم إلى موسكو للمشاركة في جنازة نيمتسوف. وشارك عشرات الآلاف أول من أمس في مسيرة في العاصمة إحياء لذكرى نيمتسوف.
وتعهد بوتين بأن يبذل كل الجهود لمعاقبة قتلة نيمتسوف، وأمر قادة القوات الأمنية بمتابعة القضية شخصيا.
ووعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس بأنه «سيتم التحقيق بالجريمة الشنيعة بشكل كامل».
وعرضت جائزة قيمتها ثلاثة ملايين روبل (48 ألف دولار) لمن يقدم معلومات حول مقتل نيمتسوف، وهو مبلغ يعتبر جيدا في موسكو، حيث معدل الأجور يصل إلى 60 ألف روبل (960 دولارا). وتم تداول دوافع عدة لقتل نيمتسوف من بينها معارضته الشديدة للتدخل الروسي في الحرب في أوكرانيا، فضلا عن إدانته للمجزرة التي تعرضت لها مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة في يناير (كانون الثاني) الماضي، وفقا للجنة التحقيق.
وأشارت اللجنة إلى أنه قد يكون الهدف وراء الاغتيال زعزعة استقرار روسيا، التي تواجه أكبر أزماتها مع الغرب منذ الحرب الباردة.
وقد تسربت معلومات ضئيلة عن التقدم المحتمل للتحقيق. ونبهت لجنة التحقيق أول من أمس إلى أنها لن تدلي بأي تعليق حول ما تحرزه من تقدم لتجنب «الإثارة والتحريض».
وللمرة الأولى تحدثت غانا دوريتسكا، وعمرها 23 عاما، صديقة نيمتسوف والتي كانت برفقته أثناء وقوع الجريمة، مع الإعلام. وقالت لتلفزيون خاص بأنها لم تر من أين أتى المجرمون خاصة أن الجريمة وقعت من خلفها. ووضعت السلطات الروسية دوريتسكا تحت الحماية المشددة لمدة 24 ساعة في شقة أصدقائها، وذلك برغم طلبها المغادرة إلى أوكرانيا لرؤية والدتها، بحسب ما قالت. ومن جهتها قالت والدتها اينا دوريتسكا لوكالة الصحافة الفرنسية في كييف بأن «ابنتها ترافقت مع بوريس (نيمتسوف) عامين ونصف العام»، حتى أنه «كان حب حياتها». وأكدت أنه ليس لدى ابنتها أي علاقة بالجريمة فهي «لم تكن ناشطة سياسيا».
ونقلت صحيفة «كومرسنت» بأن «المحققين واثقون من شيء واحد فقط هو أن القاتلين ليسوا محترفين». وأضافت أنهم استخدموا ذخائر قديمة وسلاحا منزلي الصنع على الأغلب.
وأصيب نيمتسوف بأربع رصاصات في الظهر فيما وجد عدد أكبر في مكان الحادث. ونقلت الصحيفة عن مصادر أن أقدم رصاصة تعود إلى العام 1986. وترأس لجنة التحقيق الجنرال ايغور كراسنوف المعروف بأنه عمل كثيرا في حل جرائم ارتكبها قوميون متطرفون، خصوصا جريمة قتل المحامي ستانيسلاف ماركيلوف في 2009.
وتكشف صور رديئة بثتها مساء أول من أمس شبكة «تي في سي» الروسية والتقطتها كاميرا منصوبة على مسافة بعيدة فوق الجسر حيث قتل نيمتسوف، ما اعتبر وقائع عملية الاغتيال. لكن نيمتسوف وصديقته عارضة الأزياء كانت تحجبهما لحظة وقوع الجريمة جرافة لإزالة الثلوج في زاوية الكاميرا. ثم يظهر بعد ذلك رجل قيل بأنه القاتل يركض نحو الطريق قبل أن يستقل سيارة ويغادر المكان.
واعتبر أبرز معارضي الكرملين اليكسي نافالني أن «من المستبعد ألا يكون نيمتسوف قد وضع تحت المراقبة» من قبل أجهزة الأمن قبل يومين من مظاهرة للمعارضة الأحد في ضاحية موسكو.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»